بعد عقدين من التعذيب... ضحايا ''سجن أبوغريب'' بلا تعويضات حتى الآن

رغم عقدين من ظهور أدلة على إساءة القوات الأمريكية معاملة المعتقلين في سجن أبو غريب وغيره من السجون التي أدارتها الولايات المتحدة في العراق، فإن الحكومة الأمريكية تقاعست -على ما يبدو- عن تقديم تعويضات أو سُبل إنصاف أخرى للعراقيين

بعد عقدين من التعذيب... ضحايا ''سجن أبوغريب'' بلا تعويضات حتى الآن

ترجمات – السياق

في أعقاب فضيحة سجن أبو غريب عام 2004، وعدت الحكومة الأمريكية بتعويض العراقيين، الذين تعرضوا للتعذيب والانتهاكات حينها، إلا أنه بعد مرور نحو عقدين من الزمن، لم تفِ واشنطن بهذه الوعود، وفق منظمة هيومن رايتس ووتش.

وقالت المنظمة، في تقرير نشرته بموقعها الإلكتروني: "رغم عقدين من ظهور أدلة على إساءة القوات الأمريكية معاملة المعتقلين في سجن أبو غريب وغيره من السجون التي أدارتها الولايات المتحدة في العراق، فإن الحكومة الأمريكية تقاعست -على ما يبدو- عن تقديم تعويضات أو سُبل إنصاف أخرى للعراقيين، الذين عانوا التعذيب وغيره من الانتهاكات".

كانت الولايات المتحدة غزت العراق بشكل غير قانوني عام 2003، إلا أنه سرعان ما تشكلت مقاومة لصد المحتلين.

عام 2004، اندلعت فضيحة عندما ظهرت صور لحراس أمريكيين يعذبون عراقيين محتجزين في السجون التي تديرها الولايات المتحدة، للاشتباه في انتمائهم إلى هذه المقاومة أو دعمها.

وحسب مجلة ذا كريدل الأمريكية، أخضع الحراس الأمريكيون، المعتقلين العراقيين للإيذاء الجسدي والنفسي والجنسي، بما في ذلك استخدام الصدمات الكهربائية وعمليات الإعدام الوهمية.

وردًا على الفضيحة، زعمت إدارة جورج دبليو بوش حينها أن أي عراقي عانى "الإساءات الجسيمة والوحشية والقسوة على أيدي عدد قليل من أفراد القوات المسلحة الأمريكية سيحصل على تعويض مناسب".

مع ذلك، يقول تقرير "هيومن رايتس ووتش" إن الحكومة الأمريكية لم تعوض الضحايا العراقيين عن تعذيبهم، حتى الآن.

 

توثيق

وأشارت المنظمة إلى أنه بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، احتجزت الولايات المتحدة وحلفاؤها نحو 100 ألف عراقي بين عامي 2003 و2009.

ووثّقت المنظمة الحقوقية الدولية ومنظمات أخرى، التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، على يد القوات الأمريكية في العراق.

بينما قدم ضحايا الانتهاكات شهاداتهم عن المعاملة التي تعرضوا لها، لكنهم لم يتلقوا إلا اعترافًا من الحكومة الأمريكية، ولم يحصلوا على أي تعويض.

وأوضحت المنظمة، أنه بموجب القانون الأمريكي، و"اتفاقيات جنيف 1949"، و"اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، وأيضًا القانون الدولي العرفي، فإن التعذيب يُعد محظورًا بشكل مطلق.

وقالت سارة ياغر، مديرة مكتب "هيومن رايتس ووتش" بواشنطن، في تصريحات أوردها موقع المنظمة: "بعد مرور 20 عامًا، لا يزال العراقيون الذين تعرضوا للتعذيب على يد حكوميين أمريكيين من دون سبيل واضح لرفع دعوى، أو الحصول على أي نوع من الإنصاف، أو الاعتراف من الحكومة الأمريكية".

وأوضحت أنه رغم أن المسؤولون الأمريكيين "يفضلون تجاهل ملف التعذيب"، فإن الآثار طويلة الأمد لما تعرضوا له، لا تزال واقعًا يوميًا لعديد من العراقيين وعائلاتهم.

وبينما أدانت السلطات الأمريكية عددًا من حراس الرتب الأدنى، بتهمة تنفيذ التعذيب، مازال المسؤولون السياسيون والعسكريون الأمريكيون رفيعو المستوى، يتمتعون بالحصانة من العقاب.

 

روايات

وروت "هيومن رايتس ووتش" قصة المعتقل السابق في سجن أبوغريب طالب المجلي، الذي قال إنه تعرض للتعذيب على يد القوات الأمريكية، بعد اعتقاله بسجن أبو غريب في نوفمبر 2003.

وأشارت إلى أنه بين أبريل ويوليو 2023، التقى أعضاء بالمنظمة، "المجلي"، إضافة إلى ثلاثة أشخاص على عِلم باحتجازه وقضيته بعد إطلاق سراحه، ورغبوا في عدم كشف هويتهم.

 وقد أطلق سراحه من دون توجيه اتهامات إليه عام 2005، لكنه لم يتلق أي تعويض، رغم اتباع السُبل القانونية الممكنة.

وأبلغ المجلي "هيومن رايتس ووتش" بأن القوات الأمريكية عرضته للتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، بما فيها الإذلال الجسدي، والنفسي، والجنسي أثناء احتجازه في سجن أبو غريب، بين نوفمبر 2003 ومارس 2005.

وأوضح، أنه كان أحد الرجال الذين ظهروا في صورة من أبو غريب انتشرت على نطاق واسع، تظهر مجموعة من السجناء عراة وفوق رؤوسهم أكياس وهم مكدسون فوق بعضهم في هرم بشري، بينما يبتسم جنديان أمريكيان خلفهما.

وأضاف المجلي: "أمرنا جنديان أمريكيان، رجل وامرأة، بالتجرد من ملابسنا... كوّمونا، سجينًا فوق سجين... كنت واحدًا منهم".

وذكر أنه بعد 16 شهرًا في أبو غريب، أطلِق سراحه من دون تهمة، ورغم نيل حريته، قال إنه وجد نفسه مريضًا جسديًا، ومفلسًا، ومصدومًا، مشيرًا إلى أنه أثناء احتجازه، بدأ يعض يديه ومعصميه للتغلب على الصدمة التي كان يعانيها والتي استمرت منذئذ، فقد كانت الكدمات الناتئة الأرجوانية على يديه ومعصميه واضحة.

وتابع: "أصبحت حالة نفسية... فعلت ذلك في السجن، وبعد أن غادرت السجن، وما زلت أفعل ذلك اليوم، أحاول أن أنسى الأمر، لكنني لا أستطيع... حتى اليوم، لا يمكنني ارتداء قميص بأكمام قصيرة... عندما يراها الناس، أقول لهم إنها حروق لتجنب الأسئلة".

إضافة إلى الآلام التي تعرض لها، يتألم المجلي من التأثير السلبي الذي خلّفه ذلك على أطفاله: "فقد غيّرت هذه السنة والأربعة أشهر كياني إلى الأسوأ... دمرتني ودمرت عائلتي... سبّبت مشكلات صحية لابني وأدت إلى ترك بناتي الدراسة... سرقوا منا مستقبلنا".

وعلى مدى عقدين، سعى المجلي إلى الإنصاف، بما فيه التعويض والاعتذار، عن الانتهاكات التي تعرض لها، لكن من دون جدوى.

من جانبه، قال جوناثان ترايسي، وهو محامٍ عسكري سابق، نظر في دعاوى تتعلق بأضرار حصلت في بغداد عام 2003، لـ "هيومن رايتس ووتش" إنه لا يعلم بأي أموال صرفها الجيش بموجب قانون المطالبات الأجنبية لضحايا التعذيب.

وأضاف: "حتى إذا تلقى أي من الناجين أموالًا، فنإني أشك في أن الجيش كان راغبًا في استخدام قانون المطالبات الأجنبية، لأن ذلك سيُفهم على أنه إقرار حكومي".

وشدد ترايسي، على أن على الحكومة الأمريكية أن تحقق في مزاعم التعذيب ضد واشنطن، خلال حروبها في الخارج.

وهو ما أيدته سارة ياغر، قائلة: "على السلطات الأمريكية بدء الملاحقات القضائية المناسبة لأي متورط، مهما كانت رتبته أو منصبه، كما أن على الولايات المتحدة تقديم التعويضات والاعتراف والاعتذارات الرسمية، إلى الناجين من الانتهاكات وعائلاتهم".