هل يعيش بايدن في جلباب أوباما؟

رأى البعض فوز بايدن على أنه الولاية أو العهدة الثالثة لباراك أوباما، الذي أثارت سياساته في المنطقة الكثير من الجدل

هل يعيش بايدن في جلباب أوباما؟
بايدن وأوباما

إعداد: السياق

بمجرد ترشح جو بايدن لخوض غمار الانتخابات الأمريكية، بدأت الكثير من الأسئلة والمخاوف تبرز وتتصاعد حتى بلغت ذروتها مع إعلان فوزه بالانتخابات وقرب عودته إلى البيت الأبيض، رئيساً هذه المرة بعد أن كان نائباً للرئيس باراك أوباما لـ8 سنوات.

في الشرق الأوسط، رأى بعض المتابعين فوز بايدن على أنه الولاية أو العهدة الثالثة لباراك أوباما، الذي أثارت سياساته في المنطقة الكثير من الجدل والتحديات خاصة ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، والتعامل مع حركات الإسلام السياسي بصورة أقرب للدعم.

الأمر لا يقتصر على دول المنطقة، فالكثير من الأمريكيين وغيرهم في مختلف دول العالم يتساءلون عن قدرة بايدن على عدم العيش في جلباب أوباما، الذي عمل تحت رئاسته لسنوات طوال، وارتبط اسمه بعهده، كما كان لأوباما دور في إعادته إلى البيت الأبيض .

بعد خروجه من البيت الأبيض في السادسة والخمسين من عمره، لم تختلف حياة أوباما عن بقية الرؤساء السابقين كثيراً، حيث كرس بعض الوقت للاستمتاع بمباهج الحياة، كما يروي في مذكراته عن الرحلات الطويلة التي قام بها مع زوجته، وقيامهما بالتخطيط لـ"الفصل الثاني" من حياتهما.

انشغل أوباما أيضاً بتخليد اسمه، كما يفعل الكثير من الرؤساء السابقين في الولايات المتحدة، عبر بناء مركز رئاسي في شيكاغو، مسقط رأس زوجته، والمدينة التي اختارها موطناً له، بتكلفة تصل إلى نصف مليار دولار أمريكي. في لقاء تلفزيوني على شبكة CBS، كشف أوباما عن أن المركز سيضم نموذجاً للمكتب البيضاوي في  البيت الأبيض، وفساتين السيدة الأولى السابقة، ميشيل، قائلاً إنها "ستحظى باهتمام كبير ، بلا شك

كذلك، قام الرئيس الـ44 للولايات المتحدة، باقتفاء درب أسلافه من الرؤساء السابقين، بنشر مذكراته، لكنها صدرت في خضم المعركة الانتخابية الرئاسية، وفيها أصدر الكثير من الأحكام على رؤساء وزعماء دول أخرى، وبدا كما لو أنه الشخص الذي يضع المعايير لتحديد جدارة أو عدم أهلية زعماء العالم.

لم يقل أوباما إن "الفصل الثاني من كتاب حياته"، الذي خطط له مع زوجته ميشيل، يتضمن أي طموح عن عودته إلى البيت الأبيض من الشباك بعد أن غادره من الباب، عندما رحب -على مضض- بخلفه دونالد ترامب، الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، في يناير 2017.

عاد أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية إلى الواجهة السياسة بقوة لمناصرة نائبه السابق ومرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية. ومع أن دعم الرؤساء السابقين لمرشحي أحزابهم أمر طبيعي، يبدو أن "عودة أوباما" تحمل الكثير من الثأر...  فليس من الطبيعي أن يفتح رئيس سابق النار على خلفه، مثلاً.

ضمن حملته الترويجية لمذكراته، كان السؤال عن تأثير أوباما المحتمل على بايدن، حاضراً.

وفي مقابلة مع برنامج "صباح الأحد" في قناة (سي بي إس CBS)، قال أوباما إن بايدن "لا يحتاج إلى نصيحتي، لكنني سأساعده بأي طريقة ممكنة. الآن، لا أخطط للعمل فجأة مع موظفي البيت الأبيض أو شيء من هذا القبيل".

كذلك، استبعد أوباما فكرة عودته للعمل التنفيذي في أي وظيفة، وسخر منها بقوله: "هناك بعض الأشياء التي لن أفعلها لأن ميشيل (أوباما) ستهجرني"!

عموماً، فإن هذه الخطوة مستبعدة أصلاً، كونها لا تتماشى مع التقاليد والأعراف الرئاسية في الولايات المتحدة، كما لا يتصور أحد قبول رئيس أمريكي سابق بوظيفة تنفيذية.

ويبدو أن أوباما، ذو الشخصية الطموحة الكاريزمية، يدرك جيداً الدور الذي يود أن يلعبه.

يقول ديفيد جارو، مؤلف كتاب (نجم صاعد: صناعة باراك أوباما): "أنا متأكد أن أوباما سيكون سعيداً  بتقديم أي استشارة يطلبها بايدن، لكن هل سيتردد الرئيس المنتخب في الاعتماد على باراك، الذي عمل نائباً له لمدة 8 سنوات؟ ربما سيبدو الأمر لبايدن كأنه يعتمد على أخيه الأكبر".

بدأ بايدن مسيرته السياسية على المستوى الاتحادي، بصفتة سيناتور عن ديلوار، في العام 1973، أي عندما كان أوباما في الـ12 من عمره، وحافظ على مقعده في الكونغرس حتى 2009 عندما أصبح نائباً للرئيس.

ورغم عمل الرجلين معاً والعلاقة القوية التي ربطت بينهما لسنوات طويلة، يعتقد محللون أن أوباما لم ير في بايدن خليفةً له، ففي عام 2015، قيل إنه دعم هيلاري كلينتون ولم يشجع بايدن على دخول سباق الانتخابات. وعندما ترشح بايدن في عام 2020 – وهي محاولته الثالثة في الانتخابات الرئاسية – كان أوباما

متشككاً في قدرته على الفوز، ولم يبدي دعمه أو تأييده حتى أصبح مرشح الحزب الديمقراطي رسمياً.

في مذكراته، قال أوباما إن بايدن نصح بعدم شن الغارة التي أدت إلى مقتل أسامة بن لادن في العام 2011، وهي النقطة التي أثارت الكثير من الجدل، وحاول ترامب استغلالها في الحملة الانتخابية.

عن طبيعة العلاقة بين أوباما وبايدن خلال سنوات البيت الأبيض، يقول ديفيد جارو:"أختلفا كثيراً خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. اعتقد أن بايدن سيشعر بأن الاتصال مع باراك أوباما يُقلل من قيمته... مع ذلك، فعندما يواجه بايدن قضايا مهمة مثل جائحة كورونا، أو ركود اقتصادي، أو اضطرابات عرقية سيكون أوباماً مستشاراً لا يُقدر بثمن... هذا ما يتناسب مع تقاليد مرعية مثل لجوء جون كيندي لاستشارة دوايت أيزنهاور خلال أزمة الصواريخ الكوبية (خليج الخنازير)، ويتماشى مع ممارسات الرؤساء، ما عدا ترامب، الذين يستشيرون أسلافهم من الرؤساء السابقين.

يؤكد ديفيد ليت، الذي تولى مهمة كتابة الخطب للرئيس أوباما، أن باراك سيدعم أي رئيس ديمقراطي.. أما بالنسبة لبايدن، قال ليت: " ستكون هناك استمرارية أكثر مما يحدث عادةً لأن هناك كثير ممن عملوا في إدارة أوباما وحملة بايدن سينضموا لإدارة الرئيس الجديد".

يستبعد ليت أن تكون فترة رئاسة بايدن الولاية الثالثة لأوباما... ويقول:"إذا تابعت خطب بايدن وحملته وفريقه، فمن الواضح أن دور جو بايدن نائباً للرئيس أوباما كان جزءاً مهماً في مسيرته لكنه كان يدير حملته الانتخابية الخاصة به، لذلك ستكون الفترة الرئاسية الخاصة بجو بايدن (وليس أي شخص آخر)."

وفي هذا السياق، أفاد موقع "أكسيوس" الإلكتروني بأن فريق بايدن الانتقالي أخبر قدامى المحاربين في إدارة أوباما بأن التقدم للوظائف أمر مرحب به إلا أن الأولوية ستكون لمن  عملوا في حملة بايدن".

وسيضع بايدن في الاعتبار ليس فقط صورة أوباما لدى الديمقراطيين، بل أيضاً صورته لدى 73 مليون أمريكي صوتوا لدونالد ترامب، حيث تعهد بايدن، البراغماتي، بعلاج الانقسامات المريرة بين الولايات الحمراء والزرقاء (=الديموقراطية والجمهورية).

أشار معلقون آخرون إلى أن أوباما يمكن أن يصبح درعاً واقياً لبايدن المعتدل، الذي يواجه ضغوطاً من اليسار في قضايا مثل إصلاح جهاز الشرطة وأزمة المناخ. وفيما يتعلق بخسارة الديمقراطيين في مجلس النواب، قال مايكل ستيل، الرئيس السابق للجنة الوطنية للحزب الجمهوري: "أعتقد أن أوباما سيكون مهماً من أجل إبقاء التقدميين بعيداً إلى حد ما... أوباما سيكون مفيداً في تعديل كفة الميزان نحو الوسط".

وقال مو فيلا ، مستشار بايدن عندما كان نائباً للرئيس: "جو بايدن واثق بقدراته، ويعرف نفسه جيداً، وهو بصراحة مُحب لباراك أوباما ومعجب به. لذلك لن يكون أوباما مصدرا للتهديد، خاصةً أن أوباما يُبادله الإعجاب".

وفي الوقت الذي قد يسعى فيه بايدن إلى الخروج من "عباءة أوباما"، هل ستدفعه القضايا والأزمات المتعددة التي ستواجه منذ دخوله إلى المكتب البيضاوي إلى الاستعانة برئيسه السابق.