روائية أمريكية تسرد قصتها مع كورونا: أخرج حياتي عن مسارها
بالنسبة لميلر، كان أسوأ ما في الأمر هو الشعور بالضيق والإرهاق من أقل جهد ممكن، حتى لو كان: غسل الأطباق، أو حمل الأطفال، وربما مجرد الحديث مع أحدهم.

ترجمات -السياق
سردت الروائية الأمريكية مادلين ميلر، قصتها مع كورونا، مشيرة إلى أنها في ظل انشغالها بأعمالها ودورها كأم، أصيبت بالفيروس، ما أخرج حياتها عن مسارها.
وأوضحت الكاتبة، التي نالت روايتها الأولى "أغنية أخيل"، التي استغرقت 10 سنوات في كتابتها، جائزة الأورانغ للرواية عام 2012، في مقال بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أنها بينما كانت تعيش حالة تأهب قصوى عام 2019، بين رعاية طفليها الصغيرين، والسفر لمتابعة أعمالها، فضلًا عن جولة كتابية ورواية قيد التنفيذ، فجأة "شعرت بالتعب".
ورغم أنها من أسرة تشتهر نساؤها بالطاقة العالية، فإن الكاتبة الأمريكية رضخت -في النهاية- للمرض، قائلة: "كنت فخورة بالحفاظ على شعلة الإنتاجية المقدسة، إلا أنني أصبت بالفيروس فتبدلت حياتي".
وأشارت إلى أنها لم تكن تعرف -في البداية- أنه كورونا، لأنها أصيبت به قبل أن تعترف الحكومة الأمريكية، بانتشار الفيروس في الولايات المتحدة.
أعراض الفيروس
وبينّت مادلين ميلر، أنه خلال الأسابيع التي تلت العدوى، أصبح جسدها "يؤلمها بشدة"، بخلاف طنين بأذنها، وتسارع غير عادي في دقات قلبها، لافتة إلى أنها أصيبت أيضًا بحساسية تجاه كل أنواع الغذاء، وتأثرت "أنفاسها" لدرجة أنها كانت لا تستطيع التنفس بأقل مجهود.
وأوضحت أن أحد الأطباء "شخّص" لها المرض بشكل خاطئ، وادعى أنها فقط "غير مُجهزة بدنيًا"، وتحتاج لتكثيف الرياضة، إلا أنها حينما نفذت ما طلبه منها زاد تعبها بشكل لافت، لينتهي بها المطاف في غرفة الطوارئ مع آلام شديدة في الصدر وعدم انتظام دقات القلب.
في ظل هذه التطورات، جاءت نتيجة التحاليل والأشعة طبيعية، ما زاد إزعاجها، إذ كيف تكون "طبيعية" وهي لا تستطيع حتى الحركة، بعد أن كانت نشطة، وتستيقظ صباحًا لتؤدي التمارين الصباحية المعتادة من دون أي شعور بتعب.
تضيف الكاتبة: "الأسوأ من ذلك كله أنني لم أستطع التركيز بشكل كافٍ لتأليف الجمل، فقد كانت الكتابة ملاذي منذ أن كنت في السادسة من عمري، والآن مصدر رزق عائلتي، فظللت أحاول دفع عقلي إلى الأمام، لكنه لم يكن يستجيب، ووصل الأمر أنني لم أستطع الرد على بريدي الإلكتروني، فكيف أواصل كتاباتي؟".
وأشارت إلى أنها حينما كانت تُسأل عن السبب، تجيب بأنه يعود للتهوية وتعرضها لنزلة برد نالت من جسدها.
بينما كانت تتصبب عرقًا باردًا، ولا تعرف سببه، فانهارت، وتصورت أن مستقبلها كله يتلاشى أمام عينيها.
وذكرت أنها حينما كانت تنظر في المرآة، كان يصيبها القلق الشديد، لأنها أصبحت "هيكل عظمي"، وفقدت أكثر من 50% من قوامها المعهود.
أثناء ذلك، ظلت تبحث –عبر الإنترنت- عن هذه الأعراض، فاكتشفت أن هناك كثيرين غيرها لديهم تجارب مماثلة.
وهو ما لفت انتباهها إلى أنها قد تكون أصيبت بفيروس طويل المدى "مزمن".
وعبر الإنترنت، كانت هناك قصص مماثلة لقصة ميلر (أعراض تغير الحياة، وزيارات الطبيب المحبطة، وفقدان الوظائف والهوية والشهية، ليس للطعام فقط وإنما للحياة).
وتصورت أن هذا الفيروس يمكن أن تنتج عنه مجموعة محيرة من الحالات المرضية طويلة الأمد ، منها: (الضعف الإدراكي والفشل القلبي، وطنين الأذن، وفقدان الذوق، والضعف المناعي، والصداع النصفي، والسكتة الدماغية)، وهي أعراض يمكن أن تضر بحياة الشخص.
إرهاق
بالنسبة لميلر، كان أسوأ ما في الأمر هو الشعور بالضيق والإرهاق من أقل جهد ممكن، حتى لو كان "غسل الأطباق، أو حمل الأطفال، وربما مجرد الحديث مع أحدهم".
وأشارت إلى أنه كلما حاولت بذل أي جهد، ولو قليل، كانت تدفع الثمن ساعات، وربما أيامًا، من الصداع النصفي والبؤس.
وأضافت: "لم يكن هناك أكثر إيلامًا من سماع أطفالي يضحكون بسعادة ويصعب عليّ الانضمام إليهم، أو احتضانهم".
ونتيجة لذلك، كان ينظر الأطباء لميلر، بارتياب شديد، وقدموا لها مضادات الاكتئاب، بينما كانوا يحاولون تحميسها من خلال سرد حكايات عن أصدقائهم الذين أصيبوا بالفيروس، إلا أنهم عادوا للركض في سباقات الماراثون، ولم يستسلموا للمرض.
لكن، فات هؤلاء الأطباء -وفق الكاتبة- أنني لم أكن أرفض الركض، ولم أكن أتكاسل، بل أريد التحرك سريعًا، من أجل أطفالي وأعمالي.
"لكني كنت بحاجة لمعرفة ما ألّم بي، إذ لم يكن مجرد التهاب بالدماغ أو النخاع، أو حتى متلازمة التعب المزمن، فقد كنت مريضة جدًا، وأخشى أن أفقد حياتي في أي لحظة"، حسبما أضافت الروائية الأمريكية الشهيرة.
ولذلك، فقد بدأت الكاتبة في البحث عن المجلات الطبية التي تهتم بمثل هذه الأعراض، لمعرفة ما ألم بها، مشيرة إلى أنها أنفقت مبالغ طائلة على الفيتامينات والمكملات الغذائية، إلا أن صحتها لم تتحسن كثيرًا.
وتابعت: "في الليل، كانت تطاردني الهواجس، وأتساءل بيني وبين نفسي: هل سأشعر بالراحة؟ هل سأنتهي من كتاب آخر؟".
ثم حينما علمت أنها كورونا، تساءلت: "إلى أي مدى يستمر معي هذا المرض"؟، ثم هممت بالحصول على اللقاحات أملًا بالشفاء.
ونتيجة لهذه التجربة المريرة، أشارت الروائية الأمريكية إلى أنها ابتعدت -قدر الإمكان- عن التجمعات العائلية، وبدأ يتسرب إليها إحساس بالرعب من أي شيء، خوفًا من المرض مرة أخرى.
ومن ثمّ، استمرت الكاتبة في تحذير الناس من هذا المرض، ورغم سعادتها بشفاء كثيرين سريعًا، كان له تأثير سيئ فيها "فقد كان الناس من غير المرضى يخشون التعامل معنا، خوفًا من العدوى".
في المقابل، شعرت الروائية الأمريكية بأنها فقدت بعض ذاكرتها، لكن ذلك كان أقل الأضرار، إذ أصيب اثنان من أصدقائها بجلطات دماغية، بينما انتهى المطاف بثالث بإصابته بمرض السكري، وتوفي رابع جراء الخرف الذي نجم عن الفيروس.
رعب
وقالت مادلين ميلر: "بينما كان الفيروس ينتشر بقوة، أدارت مؤسساتنا العامة ظهرها لعمليات الاحتواء، وتوقفت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها عن الإبلاغ عن الحالات، بينما ضغطت الشركات من أجل قوانين الحماية، التي تعوضها ضد الدعاوى القضائية، بدلاً من تحسين التهوية في مبانيها".
وأضافت: "رغم معرفة الضرر الذي يلحقه فيروس كورونا بأجسامنا، فقد أسقطت الإعدادات الطبية متطلبات الأقنعة، ما اضطر المرضى للمقامرة بصحتهم".
وتابعت: "أولئك الذين يعانون مخاطر عالية أو ضعف المناعة، تعرضوا لسخرية شديدة أثناء ارتدائهم الأقنعة، كما لو أن محاولة تجنب الإصابة بالفيروس سبب للهجوم، وليس محاولة لمنع الانزلاق إلى الهاوية".
ولذلك، فإن العالم بحاجة ملحة للوصول إلى رعاية مستنيرة، وعلاجات جديدة، وأبحاث سريعة التتبع، ومساحات آمنة، ووسائل حماية من العدوى، حتى لا يتكرر انتشار الفيروس.
وبينّت الروائية الأمريكية، أنه رغم مرور نحو أكثر من ثلاث سنوات، فإنها ما زلت تعاني أعراض كورونا، مشيرة إلى أن المرض دفعها للاهتمام أكثر بأطفالها، خشية الموت المفاجئ، ما غيّر مسار حياتها.
وتتساءل: إلى متى تظل تفعل ذلك؟، مجيبة: "إلى أن يصبح الهواء الداخلي آمنًا للجميع، وإلى أن تمنع اللقاحات انتقال العدوى، وحتى يكون هناك علاج لفيروس كورونا طويل الأجل، حتى لا أخاطر بمستقبل عائلتي".