المفقودون في المتوسط... لماذا لا يتم التعرف على هوية الآلاف؟

يقول ناشط حقوقي، إن فرص حصول أحد الأقارب على تأكيد وفاة أحد أحبائه المفقودين -مثل احتمالات الفوز باليانصيب-

المفقودون في المتوسط... لماذا لا يتم التعرف على هوية الآلاف؟

ترجمات - السياق

من شواطئ ليبيا وتونس، وفي أحيان من المغرب والجزائر ومصر ولبنان، يغامر آلاف الشباب بخوض البحر المتوسط في مراكب بدائية، للوصول إلى أوروبا، طمعًا في "حياة أفضل"، لكن دائماً ما تكون النتيجة: "رحلة بلا عودة".

وبينما يعد أبريل شهر الربيع، حيث تعطر الأزهار وتنبض الحياة في المدن الساحلية على شواطئ البحر المتوسط، لكن بالنسبة لـ"ميرون استفانوس" وآخرين ممن يراقبون مرور المهاجرين، فإن الربيع يجلب أيضًا شعورًا بالهلع، وفق صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

وكثيرًا ما تسأل استيفانوس، الناشطة الإريترية المقيمة في العاصمة السويدية ستوكهولم، نفسها: "كم من الناس سنخسر هذه المرة"، و"كم أمًا ستتصل بي لتسأل عن ابنها أو ابنتها المفقودة؟".

فعلى مدى العقد الماضي، أصبح البحر الأزرق الشاسع بين شمال إفريقيا وتركيا وأوروبا، مسرحًا للموت الجماعي.

وتشير تقديرات متحفظة إلى أنه بين أكثر من مليوني شخص حاولوا العبور، معظمهم من إفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى والشرق الأوسط، ما لا يقل عن 28 ألف شخص في عداد المفقودين، ويفترض أنهم لقوا حتفهم.

 

أمر شائع

حسب "واشنطن بوست"، كان الربع الأول من عام 2023 الأكثر دموية في البحر المتوسط منذ عام 2017، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.

ويخشى المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة، أنطونيو فيتورينو أن تصبح الوفيات "أمرًا شائعًا".

بين الضحايا، لم تتمكن السلطات الأوروبية من انتشال سوى نحو 13% من الجثث، حسب تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بينما لم تتحدد الأغلبية العظمى منهم.

ويوضح ناشط حقوقي لـ"واشنطن بوست"، أن فرص حصول أحد الأقارب على تأكيد بوفاة أحد أحبائه المفقودين "مثل احتمالات الفوز باليانصيب"، حسب وصفه.

 

مَن هم؟

ونقلت الصحيفة عن كريستينا كاتانيو، أستاذة الطب الشرعي في جامعة ميلانو، التي يعمل مختبرها في التعرف إلى جثث المهاجرين، قولها: "إن الأمر بالتأكيد أكثر تحديًا من حادث تحطم طائرة محلية، لكن مع الإرادة الصحيحة، يمكن ذلك".

وتعمل الاختصاصية بعلوم الطب الشرعي، الإيطالية كريستينا كاتانيو، منذ سنوات في إطار مشروع إنشاء قاعدة بيانات أوروبية لفهرسة الحمض النووي لضحايا المراكب والقوارب المطاطية، ممن عُثر على جثثهم وهم بالآلاف، مع اشتداد أزمة الهجرة نحو دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2011.

وأوضحت أن "آلاف المهاجرين الذين ماتوا أثناء محاولتهم الوصول إلى شواطئ أوروبا في السنوات الأخيرة، يحتاجون، مثل ضحايا الكوارث الآخرين، لجهد متضافر لمعرفة من هم، وإخبار عائلاتهم بالحقيقة المؤلمة لمصيرهم".

 

لا تمويل

وقالت: "يجب تحديد هوية القتلى، ليس من أجل الموتى، فقد رحلوا، بل من أجل الأحياء... يجب على الناس دفن موتاهم وتحديد هويتهم".

منذ عام 2013، بدأت كريستينا معركتها، حين كانت ترأس مختبر جامعة ميلانو، وشرعت في تجميع تفاصيل من حياة هؤلاء المجهولين، وما بقي منهم كصور أو رسائل حب أو تقارير مدرسية وقطع ملابس، أو حقائب كانوا يحملونها معهم، وبقيت سابحة في مياه البحر المتوسط أو على القوارب المتهالكة وبقاياها.

لكن مختبر لابانوف التابع لكاتانيو لا يتلقى أي تمويل من الدول الأوروبية، إذ لا تقدم حكومات هذه الدول سوى موارد قليلة لاستعادة الرفات البشرية التي تصل إلى شواطئها، ناهيك عن الحفاظ عليها والتعرف إلى أصحابها.

وتمتلك إسبانيا قاعدة بيانات مركزية للطب الشرعي، لكن لا يمكن البحث فيها إلا بالاسم.

وفي إيطاليا واليونان، تنسيق محدود بين المكاتب والمناطق التي تتعامل مع حالات المهاجرين المفقودين.

بينما لم ينفذ اتفاق عام 2018 بين إيطاليا ومالطا واليونان وقبرص، لتبادل معلومات الطب الشرعي مع المفوضية الأوروبية.

 

ليس مستحيلًا

ضمن هذا الفراغ، يحاول أشخاص مثل كاتانيو وضع أسماء ووجوه للمفقودين، قائلة: "نأخذ عينة الأنسجة، ونجمع المعلومات التي نحتاجها ونضعها ضمن ملف البيانات"، مشيرة إلى أنه رغم "صعوبة البحث عن الأقرباء، فإنه ليس مستحيلًا".

وتصف الصحيفة الأمريكية، "استفانوس" بأنها " من الوجوه الأكثر شهرة في الشتات البعيد، ما يجعلها شريان الحياة لأولئك الذين يبحثون عن المفقودين".

وأشارت إلى أن ذوي المفقودين يعطونها بعض التفاصيل، مثل (متى غادر القارب ومن المهرب الذي دفع له المال)، بخلاف الإشارات أو العلامات المميزة بأجسادهم، كـ"كسر في الأسنان، أو جرح قديم بيده أو قدمه، وهكذا"، حتى يمكن التعرف إليه.

وللوصول إلى الأقارب، تشارك استفانوس، قصصهم على "فيسبوك" وفي برنامجها الإذاعي الأسبوعي.

وفي إحدى الحالات، تسافر للعثور على إجابات، كما تبحث في المستشفيات والسجون، لكن من دون جدوى في الغالب.

 

لا ناجين

في كثير من الأحيان -وفق "واشنطن بوست"- يبتلع البحر القوارب بكل مَن فيها، وتغرق عميقًا لدرجة أنه لا يمكن العثور عليها، أو تتناثر الجثث على سواحل مختلفة، من دون وثائق هوية، بينما لا يبذل المسؤولون هناك جهدًا للتحقق من هوياتهم.

ورغم ذلك، يصر الخبراء والناشطون، على أنه لا يزال هناك كثير يمكن القيام به، لاستعادة الكرامة للموتى، وتهدئة العائلات التي تتوق إلى معرفة الأخبار عن ذويها.

واستشهدت الصحيفة بأم إريترية فُقد ابنها عام 2005، وظلت تتواصل مع إستيفانوس نحو 18 عامًا، حتى ردت عليها الناشطة بالقول: "أتمنى أن أعطيكِ إجابة، لنكني لا أستطيع"، فما كان من المرأة إلا أن قالت: "لماذا لا تخبرينني بأنه مات؟"

 

جثث في الشباك

ويركز الاتحاد الأوروبي على منع الهجرة، ويبرم صفقات مع حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لاعتراض القوارب قبل وصولها إلى المياه الأوروبية، ويمول المراكز، لاحتجاز ركابها.

لكن، في معظم الأحيان، لا تتخذ الحكومات الأوروبية إجراءات منسقة لتحديد هوية الموتى، إلا بعد غرق السفن الكبيرة التي تجتذب اهتمام وسائل الإعلام.

فعندما غرقت سفينة صيد زرقاء بالمياه اليونانية في 14 يونيو الماضي، وفيها 750 شخصًا، اتخذت البلاد خطوة نادرة تتمثل في تفعيل نظام تحديد هوية ضحايا الكوارث، الذي يستخدم عادةً أثناء الكوارث الطبيعية.

وتواصلت السلطات مع بلدان المهاجرين الأصلية، للمساعدة في التعرف إلى الجثث وفتحت خطًا ساخنًا للعائلات.

بينما لم يصاحب أي رد فعل من هذا القبيل، عشرات حوادث الغرق التي حدثت منذ ذلك الحين، سواء في اليونان أم في أي مكان آخر.

وقد سجل مشروع المهاجرين المفقودين ما يقرب من 500 حالة وفاة في البحر المتوسط، خلال تلك الفترة.

وتفوقت تونس على ليبيا هذا العام، كنقطة انطلاق رئيسة لقوارب المهاجرين، عبر البحر المتوسط.

ففي المياه الجنوبية للبلاد، يعثر الصيادون على الجثث في شباكهم، كما يكتشفهم رواد الشاطئ وقد جرفتهم الأمواج على الرمال.