السودان وسياسة الأرض المحروقة... اتهامات متبادلة وأهداف خفية

يقول مراقبون، إن ما تتعرض له البنى التحتية في الخرطوم، يعد تطورًا في طبيعة المعارك المشتعلة، مشيرين إلى أنه بعد أن كان الهجوم على المقرات الرئيسة ذات الطابع العسكري، أضحى التدمير لكثير من المعالم الرئيسة في الخرطوم.

السودان وسياسة الأرض المحروقة... اتهامات متبادلة وأهداف خفية

السياق

سياسة الأرض المحروقة، اتهامات جديدة متبادلة على الساحة السودانية، بين الجيش وقوات الدعم السريع، بعد الحرائق وأعمال التخريب لمنشآت عدة في العاصمة الخرطوم.

فبينما اتهم الجيش قوات الدعم السريع، بإحراق ونهب مبان وأبراج في العاصمة الخرطوم، ردت الأخيرة بالاتهامات ذاتها، مشيرة إلى أن الجيش السوداني ينتهج سياسة الأرض المحروقة.

اتهامات متبادلة، في أعقاب تصعيد عسكري، شق طريقه إلى الأزمة السودانية، استخدمت فيه الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ما أدى إلى تحول سماء الخرطوم إلى كتلة من الدخان.

 

أبرز التطورات

لليوم الثالث على التوالي، قصفت قوات الدعم السريع مقر القيادة العام للجيش في الخرطوم، بعد هجوم ضار شنته عبر محاور عدة على مقر القيادة، بدأ السبت.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن شهود عيان قولهم، إنه سُمع دوي انفجارات وتصاعد للدخان في محيط القيادة العامة للجيش، مشيرين إلى حرائق ضخمة لأبراج وزارة العدل وديوان الضرائب والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وشركة النيل للبترول في قلب الخرطوم.

وأظهرت مقاطع فيديو، ألسنة اللهب تلتهم برج مقر شركة النيل، (شركة النفط الكبرى في البلاد) ذي الواجهات الزجاجية والتصميم الهرمي، الذي يعد من أبرز معالم الخرطوم.

وبالمدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة، استهدف الجيش مناطق في الخرطوم والخرطوم بحري وجنوب أم درمان، إضافة إلى أحياء الرياض والمعمورة والجريف غرب، شرقي العاصمة السودانية.

قصف متبادل، أدى إلى اتهامات متبادلة بانتهاج سياسة الأرض المحروقة، واتهم المتحدث باسم قوات الدعم السريع -في بيان الأحد- سلاح الجو التابع للجيش، بتعمد قصف بنايات وأبراج في العاصمة الخرطوم، جرى تداول صورها محترقة على نطاق واسع.

وحسب قوات الدعم السريع، فإن سلاح الجو استمر في القصف المتعمد على المناطق المأهولة بالسكان والأسواق بالبراميل المتفجرة في مناطق مختلفة.

 

ماذا عن الجبهات الأخرى؟

وسائل إعلام محلية، قالت إن قوات الجيش شنت هجمات على قوات الدعم السريع جنوبي الأبيض بولاية شمال كردفان، بينما ردت الأخيرة بقصف مركز مدينة الأبيض بقذائف الهاون.

وعاودت قوات الدعم السريع، هجماتها على قيادة الجيش بمدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، فقصفت الحامية العسكرية بالمدفعية الثقيلة.

وإلى معسكر الحصاحيصا حيث دارت اشتباكات استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بينما نقلت تقارير محلية عن مصادر عسكرية قولها، إن الجيش أجبر قوات الدعم السريع على مغادرة المعسكر الذي سيطرت عليه خلال الأشهر الماضية.

ولاية وسط دارفور لم تكن بعيدة عن القتال الدامي، بين الجيش وقوات الدعم السريع، فشهدت -هي الأخرى- معارك ضارية أوقعت قتلى وجرحى في صفوف المدنيين.

كيف وصف الطرفان معارك الخرطوم؟

المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد الركن نبيل عبدالله، اتهم قوات الدعم السريع بإحراق مباني شركة النيل الكبرى للبترول وبرج وزارة العدل وبرج الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، مشيرًا إلى أنها «نهبت وحرقت برج مصرف الساحل والصحراء، وتمادت في التخريب والتدمير الممنهج للمنشآت والبنية التحتية في السودان».

في المقابل، قالت قوات الدعم السريع، إنه في خطوة تأتي ضمن سيناريو الأرض المحروقة الذي «ينتهجه النظام البائد في مناطق مختلفة من السودان، واصل طيران البرهان عمليات القصف المتعمد للبنى التحتية والمناطق الحيوية في الخرطوم لتدميرها».

واتهمت قوات الدعم السريع، بقصف مباني وزارة العدل، ديوان الضرائب، برج الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، وبرج شركة النيل للبترول، إلى جانب استمرار القصف المتعمد على المناطق المأهولة بالسكان والأسواق بالبراميل المتفجرة، بالعاصمة الخرطوم.

وأشارت إلى أن هذه الممارسات التي تستهدف مقدرات الشعب السوداني، «تزيد قواتنا إصراراً وعزيمة لاقتلاع هذا النظام الإرهابي من جذوره لفتح المجال أمام شعبنا لبناء دولته على أسس جديدة تحقق العدالة والمساواة».

وحسب الدعم السريع، فإن «مخطط تدمير المنشآت الحيوية وقصف المدنيين العزل عقب كل هزيمة للفلول، محاولة لتبرير عجزهم المفضوح في ميدان المعركة، فبالأمس حينما هزموا في سلاح المدرعات قصفوا المدنيين في مايو جنوب الخرطوم، ومنطقة الحاج يوسف شرقي النيل، ومدينة نيالا غربي البلاد، واليوم مع اقتراب انهيار قواتهم داخل القيادة العامة قصفوا البنى التحتية والمناطق الحيوية».

 

ماذا يعني ذلك؟

يقول مراقبون، إن ما تتعرض له البنى التحتية في الخرطوم، يعد تطورًا في طبيعة المعارك المشتعلة، مشيرين إلى أنه بعد أن كان الهجوم على المقرات الرئيسة ذات الطابع العسكري، أضحى التدمير لكثير من المعالم الرئيسة في الخرطوم.

وربط مراقبون بين خروج البرهان من العاصمة واحتدام المعارك، ما أدى إلى قصف المباني، مشيرين إلى أن خروجه فتح جيوبًا جديدة للمعارك، لم تكن في خطط الحرب الدائرة.

وبعيدًا عن الطرف الذي قصف المعالم الرئيسة للعاصمة الخرطوم، فإن سياسة التخريب تلك، تهدف إلى قطع الطريق على تنفيذ تهديدات قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو بتشكيل حكومة موازية تتخذ من الخرطوم مقرًا لها.

وحسب المراقبين، فإن عملية القصف، تكشف رغبة ملحة في ترك الخرطوم مدينة مهشمة لا تصلح لاتخاذها مقرًا لأي حكومة سودانية، ما من شأنه أن يغير طبيعة جغرافيتها السياسية.

 

تطورات على طريق السلام

يؤكد مراقبون، أن الحل العسكري لم يعد مناسبًا لوقف الحرب، كون خمسة أشهر من الحرب كفيلة بإثبات عدم جدواه، فلم يحقق أحد الطرفين انتصارًا حاسمًا، ولا يمكن القول إن الكفة سوف تميل إلى طرف على حساب آخر.

من هذه الرؤية، بدأت قوى مدنية بينها ائتلاف الحرية والتغيير، اجتماعات بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بمشاركة لجان مقاومة وتنظيمات مهنية وفئوية، لإيقاف الحرب واستعادة مسار الانتقال الديمقراطي.

وتُركز الاجتماعات -التي بدأت الأحد وتنتهي الاثنين- على إعادة تفعيل عمل الجبهة المدنية، لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية.

اجتماعات قال عنها القيادي في قوى الحرية والتغيير شهاب الطيب، في تصريحات صحفية، إن القوى المدنية المشاركة التي تضم قوى سياسية ومهنية ومجموعات نسوية وشبابية، تأمل تعزيز جهود الفاعلين الآخرين وتوحيدها، لإيقاف الحرب التي دمرت بنية الدولة، ولمنع تمدد القتال وتحوله إلى حرب أهلية، مشيرة إلى أن الاجتماعات ستبحث الوضع الإنساني والسياسي والتنظيمي والإعلامي داخل الجبهة المدنية.