تحول في مواقفه.. هل غيَّـرت الحرب في أوكرانيا ماكرون؟

موقف ماكرون وفرنسا من أوكرانيا سيلوح في الأفق هذا الأسبوع، حيث يجتمع القادة الأوروبيون في إسبانيا، لمناقشة كيفية التقريب بين أوكرانيا ودول أخرى.

تحول في مواقفه.. هل غيَّـرت الحرب في أوكرانيا ماكرون؟

ترجمات - السياق 

قالت صحيفة واشنطن بوست، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليس معروفًا بشكل خاص بالذنب، مشيرة إلى أنه عندما ألقى خطاباً تائباً إلى حد ما بشأن روسيا وأوكرانيا، انطلقت الآذان، محاولة التفسير والتبرير في الوقت ذاته لذلك السلوك.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أنه منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أثار ماكرون الغضب والدهشة، لتشبثه بفكرة التحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أنه الآن، بعد مرور أكثر من عام، يقول لحشد من الناس في سلوفاكيا، إن أوروبا الغربية فشلت في الاستماع إلى الشرق بشأن روسيا، مشيدًا بحلف شمال الأطلسي، ذلك التحالف الذي قال ذات مرة إنه يعاني موتًا دماغيًا.

 

هل غيَّــرت الحرب ماكرون؟

عندما عرضت فرنسا بعد ذلك، دعما أقوى من المتوقع، لمحاولة أوكرانيا الانضمام إلى التحالف العسكري، هناك مَن تساءل: هل غيَّــرت الحرب ماكرون؟

تقول «واشنطن بوست»، إن موقف ماكرون وفرنسا من أوكرانيا سيلوح في الأفق هذا الأسبوع، حيث يجتمع القادة الأوروبيون في إسبانيا، لمناقشة كيفية التقريب بين أوكرانيا ودول أخرى.

وحسب الصحيفة الأمريكية، فإن فرنسا تريد أن تكون في طليعة المحادثات بشأن مساعي الاتحاد الأوروبي، لتبني دعم قوي لعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، مؤكدة أنها ستقف إلى جانب أوكرانيا «حتى النصر».

وأشارت إلى أن هذه المواقف مثيرة للدهشة، لأن فرنسا كثيراً ما أعربت عن تناقضها تجاه حلف شمال الأطلسي، وعرقلت خططاً لضم مزيد من الدول إلى الاتحاد الأوروبي.

وضع شبهه بعض المحللين بـ«التحول» أو «zeitenwende» الفرنسية، في إشارة إلى التحول الكبير الذي طرأ على ألمانيا، في ما يتعلق بالإنفاق الدفاعي بعد «الغزو».

لكن عديد الحلفاء ما زالوا يتساءلون: لماذا استغرق ماكرون وقتًا طويلًا قبل أن يعود، أو ما إذا كان سيطابق القول بالأفعال والأسلحة مع استمرار الحرب؟

وقال أحد كبار المسؤولين الأوروبيين، إنهم لن يقتنعوا حتى تكثف فرنسا دعمها على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن «المال دائمًا ما يتحدث عن الالتزام بشكل جيد».

وقالت ريم ممتاز، زميلة أبحاث استشارية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره باريس: «هناك سؤال عما إذا كان ذلك تغييرًا في التكتيك، وليس الاستراتيجية»، مضيفة: «التكتيكات يمكن أن تفتح هوامش المناورة، لكن السؤال: كيف سيستخدم ذلك؟ لا أحد لديه الجواب، حتى الآن».

 

قيادة أوروبا

كثيرًا ما كان ماكرون يتطلع إلى قيادة أوروبا، لكنه أضاع الفرصة في ما يتعلق بأوكرانيا، تاركاً جهود تعزيز التحالف الغربي لبولندا ودول البلطيق.

وفي الفترة التي سبقت الغزو واسع النطاق والأيام الأولى للحرب، أثار غضب الحلفاء، بالاستمرار في التحدث مع بوتين، حسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه بعد ذلك، عندما تعلق الأمر بالأسلحة والمال، تنازل عن القيادة للمسؤولين الأمريكيين وحتى لبوريس جونسون البريطاني.

ويرى المسؤولون الفرنسيون أن رد فرنسا كان قوياً منذ البداية، مشيرين إلى أن باريس سارعت إلى التحرك بعد الغزو، ونشرت قوات برومانيا في غضون أيام، لكن هناك مَن يقر بأن رسائل الرئيس كانت غير متسقة، ولا ينكر كثيرون أن الحرب غيَّـرت تفكيره.

وقالت ماري دومولين، مديرة برنامج أوروبا الموسعة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنه قبل فبراير 2022، كان ماكرون متشككًا في إضافة أعضاء إلى الاتحاد الأوروبي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى المخاوف من استفزاز روسيا، إلا أن ذلك يبدو أنه تغير.

في يونيو 2022، زار ماكرون أوكرانيا مع المستشار الألماني أولاف شولتز والإيطالي ماريو دراجي وآخرين، إلا أنه بعد جولة في مواقع «الفظائع» الروسية المزعومة، تعهد بدعم ترشيح أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي الأشهر الأخيرة، حاول ماكرون وضع فرنسا كزعيم للاتحاد الأوروبي.

ومؤخراً قدم المسؤولون الفرنسيون والألمان تقريراً لفريق من الخبراء، استكشف كيف يمكن لأوروبا أن تتكيف مع الأعضاء الجدد.

وقال مجتبى الرحمن، المدير الإداري لأوروبا في مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارات المخاطر السياسية، إن ماكرون يريد أن تكون فرنسا «في طليعة» التوسعة، مشيرًا إلى أنه منذ «غزو» فبراير 2022، رأى ماكرون أن قدرته على القيادة في أوروبا «مقيدة بتصور أن فرنسا لم تكن حليفًا جيدًا».

وأضاف أن الرئيس الفرنسي «يدرك أن ذلك سيؤدي إلى تغيير جيواستراتيجي كبير، وأن فرنسا يمكن أن تستفيد منه، لذلك تحوَّل».

 

تشكيل نظام أمني جديد

حسب الصحيفة الأمريكية، فإن ماكرون أعاد تموضعه في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مشيرة إلى أنه في خطابه في براتيسلافا بسلوفاكيا في مايو، تراجع عن تصريحات «الموت الدماغي»، قائلًا إن بوتين أعاد "الناتو" إلى الحياة.

وقال ماكرون إنه لم يكن ساذجًا بشأن روسيا، لكن أوروبا الغربية فشلت في الاستجابة للتحذيرات القادمة من الشرق.

كما أقر بالدور المركزي الذي تلعبه أمريكا في توفير العتاد والاستخبارات لأوكرانيا.

وتقول «واشنطن بوست»، إن وصفة ماكرون تتلخص في المطالبة بدور أوروبي أقوى في الدفاع -وهي أولوية طويلة الأمد لماكرون-وتقديم ضمانات أمنية ذات مصداقية لأوكرانيا.

وبقمة حلف شمال الأطلسي في يوليو الماضي، قدمت فرنسا دعماً قوياً لمحاولة أوكرانيا الانضمام إلى الحلف، الأمر الذي فاجأ بعض الحلفاء، وانضمت إلى تعهد مجموعة الدول السبع بتقديم ضمانات أمنية طويلة الأجل. وأعلن ماكرون أيضًا أن فرنسا ستسلم صواريخ SCALP طويلة المدى إلى أوكرانيا.

ولا ينظر المسؤولون الفرنسيون إلى هذه التغييرات كمنعطف جذري، بل بأنها «تسارع» لتحول كان جارياً.

وقال أحد المسؤولين، اشترط عدم كشف هويته، لشرح وجهة نظره في التفكير الفرنسي: «هناك اتجاه أعمق، تحدد لأسباب استراتيجية، وتسارع بسبب الحرب».

وحسب «واشنطن بوست»، فإن اتخاذ موقف أكثر تشدداً بشأن أوكرانيا سيكون خبراً جيداً لواشنطن.

وقال إيان ليسر، نائب رئيس صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة: «إذا كانت فرنسا رائدة في دفع أوروبا إلى إنفاق المزيد، فإن ذلك يتماشى مع ما أرادت الإدارات المتعاقبة رؤيته».

وأشارت إلى أن التحول الفرنسي الواضح، أدى إلى تهدئة بعض انتقادات الحلفاء، لكن لا تزال هناك ندرة في الثقة وأسئلة عالقة عن عمق هذا الالتزام، خاصة إذا استمر الصراع في الانحدار إلى حرب استنزاف طويلة.

وقال باول زيركا، الخبير في شؤون فرنسا وبولندا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن خطاب ماكرون حظي بتغطية إيجابية في الصحافة البولندية، لكن المسؤولين والخبراء ما زالوا حذرين.

وهناك مَن يتساءل عما إذا كان «ربما يتظاهر بأنه أكبر صديق لأوكرانيا، في حين يسمح للآخرين بأن يصبحوا الأشرار».

وقال زيركا إنه عندما يصف التغيرات في التفكير الفرنسي لمحاوريه البولنديين، فإنه يصطدم بـ«جدار من الشك»، مضيفًا: «سبب تشككهم أنهم يتساءلون: إذا غيَّرت فرنسا رأيها بهذه السرعة، فهل يمكنها أن تتراجع؟».

في الأسابيع المقبلة، سوف يراقب الحلفاء ما يقدمه ماكرون، حسب الصحيفة الأمريكية، التي نقلت عن مسؤولين فرنسيين قولهم، إنهم يعكفون على صياغة اتفاق مع أوكرانيا، كجزء من التعهد الأمني لمجموعة السبع.

وقال ممتاز من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن هذا الاتفاق سيكون «مؤشرًا حاسمًا على ما إذا كانت فرنسا قد أصلحت سياستها».

وتساءلت عما إذا كان ماكرون قد غيَّـر رأيه بشأن "الناتو"، أم أنه قرر ببساطة أن عليه أن يُظهر لروسيا أنه فعل ذلك، قائلة: «يجب أن تبقى هيئة المحلفين مفتوحة، حتى نحصل على دليل وخطوات ملموسة».

وسيراقب جوزيف دي فيك، مؤلف كتاب باللغة الألمانية عن ماكرون، ليرى ما إذا كانت هذه القضايا ستظل في مقدمة اهتمامات الرئيس الفرنسي، قائلًا: «مشكلة ماكرون -في كثير من الأحيان- أن سياسته الخارجية غير متسقة».

ويدرك الرئيس «أن هذه هي الطريقة التي يسير بها التاريخ، وأن عليه الانضمام إلى العربة وقيادتها».