لماذا تحتفل الحركات الإرهابية بذكرى 11 سبتمبر؟

مصداقية بايدن في جميع أنحاء العالم قد تلقت ضربة خطيرة، رغم أنه ينكر ذلك، فقد أكد الرئيس مرارًا وتكرارًا أنه كان على حق في قرار المغادرة من أفغانستان، حتى أنه صور الجسر الجوي لنقل نحو 120 ألف شخص من هناك، على أنه نوع من الانتصار

لماذا تحتفل الحركات الإرهابية بذكرى 11 سبتمبر؟

ترجمات - السياق

بعد مرور 20 عامًا، لا أحد سيحتفل بالذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر، أكثر من الإرهابيين في جميع أنحاء العالم، إذ إن أربعة من رؤساء الولايات المتحدة - جورج دبليو بوش، أوباما، ترامب، والآن بايدن- لم يتمكنوا من هزيمة حركة طالبان، وهي قوة قيل إنها تقدر بـ 75 ألف شخص فقط، بحسب الكاتب الكندي مايكل هيرش.

وقال هيرش، في مقال بمجلة فورين بوليسي الأمريكية: بعد أن سئموا الصراع، رحل آخر ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة، وهم عازمون على سياسة الانسحاب من آسيا الوسطى والشرق الأوسط، بينما كان هذا هو الهدف الرئيس للقاعدة منذ البداية، منذ أن قال بن لادن إنه سعى إلى طرد "الصليبيين" من المنطقة.

وأشار الكاتب، إلى أن احتفال الإرهابيين سيتجاوز إلى حد بعيد، البنادق التي أطلقتها طالبان في الهواء في 31 أغسطس المنصرم، مع انسحاب آخر جندي أمريكي من مطار العاصمة الأفغانية كابل.

 

هيمنة أمريكية

يقول الكاتب: مع بزوغ فجر 11 سبتمبر 2001، كانت الولايات المتحدة عمليًا غير قابلة للتحدي، إذ لم تكن القوة العظمى الوحيدة التي تُركت على المسرح العالمي، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي قبل عقد من الزمان فقط، بل أصبحت واشنطن حينها أكثر هيمنة على العالم مقارنة ببقية الدول.

وأضاف هيرش: لقد تقلصت روسيا بعد الاتحاد السوفييتي، إلى اقتصاد أصغر من اقتصاد البرتغال، بينما كانت أوروبا منشغلة أكثر بالداخل وتتشاجر على الاتحاد النقدي، بينما كان الاقتصاد الياباني يحاول الثبات، والصين لا تزال مجرَّد نمر صاعد.

فالامبراطورية الرومانية في أوجها، لم ترق إلى مستوى الهيمنة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية على العالم، التي كانت تمتلكها في ذلك الوقت الولايات المتحدة.

 

تأكيد الهيمنة

وقال هيرش: رغم الصدمة الرهيبة، بما حدث في وقت لاحق من ذلك الصباح -وهو أسوأ هجوم على الإطلاق على الأراضي الأمريكية- فإن رد واشنطن خلال الشهرين المقبلين، أعاد تأكيد هيمنة الولايات المتحدة.

وأضاف: بعد أن رفضت طالبان تسليم أسامة بن لادن العقل المدبر لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، هاجمت الولايات المتحدة أفغانستان، ولكن بطريقة جديدة حيَّرت المسلحين تمامًا، إذ تم استهدافهم عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ومعدات استهداف بالليزر، تمكنت من (تسوية) قوات طالبان بالأرض، إذ وجهت حفنة من ضباط وكالة المخابرات المركزية وقوات العمليات الخاصة، قنابل ذكية قوية، قضت على طالبان في الحال.

وتابع: حينها اندفع الناجون إلى الجبال، وركض معهم مؤسس القاعدة أسامة بن لادن وإرهابيوه، حيث هربوا إلى معقلهم الجبلي في تورا بورا، ومع تطويق حبل المشنقة حول رقاب الإرهابيين، بدا لبعض المسؤولين الأمريكيين، أن الحرب على الإرهاب الوليدة، كادت تنتصر.

واستشهد هيرش بجاري بيرنتسن، ضابط وكالة المخابرات المركزية المسؤول عن العملية حينها، الذي قال في مقابلة معه، إنه أثناء الهجوم على بن لادن والقاعدة، سمع زعيم القاعدة في الراديو يطلب من أتباعه المغفرة، ومن ثم فقد أرسل رسالة إلى واشنطن يطلب فيها المزيد من القوات، قائلًا: "دعونا نقتل هذا الطفل في سريره".

وأضاف بيرنتسن: "في غضون أشهر قليلة، كان من الممكن أن يكون لدينا هيكل قيادة القاعدة".

وبحسب ما ورد، فقد طلب بن لادن وهو مختبئ في الجبال، من مقاتليه أن يصلوا من أجل النجاة، لكن حدث نوع من المعجزة بالنسبة له، إذ رفض البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية، المشتتان بخططهما لغزو العراق مصممين على الاحتفاظ بـ "بصمة صغيرة" في أفغانستان، الاندفاع في القوات لمحاصرة إرهابيي القاعدة المحاصرين، وهو ما اعتبره الخبير في الشأن الأفغاني بيتر بيرغن في وقت لاحق أنه كان "من أكبر الأخطاء العسكرية الفادحة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث"، خصوصًا أن بن لادن هرب إلى باكستان، واختفى ما يقرب من 10 سنوات.

 

التحول الكارثي

وينتقل هيرش للحديث عن حرب العراق، التي وصفها بأنها تحول كارثي للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، مشيرًا إلى أنه ترك أفغانستان مفتوحة على مصراعيها أمام عودة طالبان، بينما أثبت احتلال العراق، مع كشف قدرات القوات الأمريكية على الأرض، أنه برنامج تعليمي للجهاديين في نوع جديد من الحرب غير المتكافئة ضد القوة العظمى الممتدة، التي تشنها مجموعات مسلَّحة صغيرة كالأشباح، تستخدم أسلحة جديدة مثل العبوات الناسفة، التي كشفت أسوأ نقاط الضعف في الجيش الأمريكي.

وأوضح الكاتب، أنه جرى انتشار العديد من هذه التكتيكات من العراق إلى أفغانستان، ونهاية المطاف، طورت حركة طالبان نفسها في الفراغ الذي تركه الأمريكيون هناك، ونجحت الحركة في نشر أساليب حرب العصابات غير المتكافئة، نحو هدف استراتيجي طويل الأجل للصمود أكثر من واشنطن.

لكن في 31 أغسطس المنصرم، طاردت حركة طالبان، التي تم بعثها من جديد، الولايات المتحدة، حتى أخرجتها من البلاد نهائيًا، إذ ترك استيلاء المسلَّحين المذهل الذي استمر 10 أيام، إذلالًا لواشنطن.

 إذ أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في خطاب ألقاه في ذلك اليوم، إنهاء حقبة من العمليات العسكرية الكبرى، لإعادة تشكيل دول أخرى، في إشارة إلى نهج جديد يشمل الشرق الأوسط.

نتيجة لذلك، لا أحد سيحتفل بالذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر أكثر من الإرهابيين في جميع أنحاء العالم، إذ إن أربعة من رؤساء الولايات المتحدة - جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، والآن بايدن- لم يتمكنوا من هزيمة طالبان، وهي قوة قيل إنها فقط 75 ألف شخص، بحسب الكاتب.

 

مصداقية بايدن

وشدَّد هيرش، على أن مصداقية بايدن في جميع أنحاء العالم قد تلقت ضربة خطيرة، رغم أنه ينكر ذلك، فقد أكد الرئيس مرارًا وتكرارًا أنه كان على حق في قرار المغادرة من أفغانستان، حتى أنه صور الجسر الجوي لنقل نحو 120 ألف شخص من هناك، على أنه نوع من الانتصار، فقد تفاخر بايدن في خطابه 31 أغسطس قائلاً: "لا توجد أمة فعلت شيئًا مثل ذلك في كل التاريخ". وأضاف أن الوقت قد حان للولايات المتحدة للانتقال إلى تحديات جديدة.. واستطرد: "نحن منخرطون في منافسة جادة مع الصين، وفي تحديات أخرى مع روسيا.. إننا نواجه هجمات إلكترونية وانتشارًا نوويًا".

وقال الكاتب: رغم رغبة بايدن التي أعلنها، فإن الولايات المتحدة الآن أقرب إلى العودة إلى المربع الأول، وذلك من خلال مواجهة جديدة في أفغانستان، التي يمزِّقها الجهاديون وحركة طالبان الجريئة التي تدير البلاد، تمامًا كما ساد صباح 11 سبتمبر 2001، لكن مع فرق كبير هذه المرة، هو أن الولايات المتحدة لم تعد القوة العظمى المذهلة كما كانت، ومن ثم قد يسعى آخرون، وليس الجهاديون فقط، إلى الاستفادة من ذلك، لا سيما الصين وروسيا.

ورأى هيرش أن بايدن وجهاز الأمن القومي الأمريكي حقَّقا بعض الانتصارات الكبيرة خلال العشرين عامًا الماضية، إذ قُتل بن لادن في النهاية خلال عملية أمريكية سرية، وكذلك أبو مصعب الزرقاوي، الزعيم الأصلي للقاعدة في العراق، وأبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وأنه علاوة على ذلك، لم تتعرَّض الولايات المتحدة لأي هجوم من الخارج منذ 11 سبتمبر، لكن ذلك لا ينفي خطأ قرار الانسحاب المفاجئ وتوابعه الكارثية.

 

عواقب وخيمة

وقال الكاتب: يجب على الولايات المتحدة الآن أن تأخذ في الحسبان العواقب، مشيرً إلى أن أتباع بن لادن نجحوا في تحقيق هدف الزعيم الإرهابي بعد مماته، من خلال إرهاق الأمريكيين كما فعل المجاهدون في السوفييت، موضحًا أنه في إحدى الأوراق التي عُثر عليها في مجمع ابن لادن في أبوت آباد بعد مقتله، كتب عليها أن هدفه النهائي هو "تدمير أسطورة المناعة الأمريكية".

ونقل هيرش عن جوزيف ناي، الدبلوماسي المخضرم والاستراتيجي الشهير في جامعة هارفارد قوله: نتيجة للتدخل الأمريكي المفرط، فإن "الضرر الذي سبَّبته القاعدة يتضاءل، مقارنة بالضرر الذي ألحقناه بأنفسنا"، مشيرًا إلى أنه وفقًا لبعض التقديرات، قُتل ما يقرب من 15000 متعاقد عسكري أمريكي، وبلغت التكلفة الاقتصادية للحروب التي أعقبت 11 سبتمبر أكثر من 6 تريليونات دولار، أضف إلى ذلك عدد القتلى من المدنيين الأجانب واللاجئين.

والأسوأ من ذلك -حسب هيرش- أنه خلال فترة العشرين عامًا الماضية، لاحظ العالم تعثرات الولايات المتحدة العديدة في الحرب على الإرهاب، وتعلموا أساليب جديدة لمقاومة واشنطن وإذلالها.

 فقد استخدمت الصين وروسيا، المستنقع المزدوج للولايات المتحدة، العراق وأفغانستان، لاكتشاف وسائل جديدة لتحدي واشنطن، بينما يتحدَّث الأوروبيون، الذين يشعرون بالاشمئزاز من انسحاب بايدن الأحادي من أفغانستان، مرة أخرى عن السير في طريقهم الخاص بشكل استراتيجي، ومن ثم فإن الخطر الأكبر هو أن الخصوم سيستغلون نقاط ضعف الولايات المتحدة بشكل أكبر مستقبلًا، حسب الكاتب.

وأشار الكاتب في ختام مقاله، إلى أن إحدى المخاطر تتمثل في أن بكين -التي تراقب إحجام بايدن عن نشر الجيش- قد تسعى إلى تهديد تايوان بشكل أكبر، وإجبار الرئيس الأمريكي على محاولة تعويض وجوده بشكل مبالغ فيه، في محاولة لإثبات أنه ليس ضعيفًا.