صواريخ أسرع من الصوت تغير قواعد اللعبة.. هل تسعى أمريكا لامتلاكها؟
سلاح صيني وروسي قادر على تدمير الدفاعات الأمريكية... هل تستيقظ واشنطن؟

ترجمات – السياق
على مدى أكثر من 60 عامًا، استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات، في عشرات البرامج لتطوير نسختها الخاصة من تكنولوجيا الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، إلا أن تلك الجهود انتهت إما بالفشل، وإما بإلغائها قبل أن تتاح لها فرصة النجاح.
تقول «وول ستريت جورنال»، في تقرير ترجمته «السياق»،: بعد أن أمضت العقود الأخيرة في التركيز على المعارك ضد الإرهابيين وحركات التمرد، تضخ واشنطن -مرة أخرى- الموارد في مجال الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت.
وتتضمن ميزانية البنتاغون لعام 2023 أكثر من 5 مليارات دولار للأسلحة.
وتستفيد الولايات المتحدة أيضًا من القطاع الخاص -بما في ذلك أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية في وادي السيليكون- للمساعدة في تطويرها، إلى درجة نادرًا ما جربتها.
وحسب الصحيفة الأمريكية، فإن هذا الإنفاق يعد جزءًا من كفاح أمريكا، لإعادة الهيمنة على التقنيات العسكرية الرئيسية، مع دخولها حقبة جديدة من المنافسة بين القوى العظمى، مشيرة إلى أن واشنطن تسعى جاهدة لمواكبة الصين في مجموعة من التقنيات العسكرية، بدءًا من الذكاء الاصطناعي إلى التكنولوجيا الحيوية.
يمثل عمل موسكو في مجال الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت مصدر قلق أيضًا للبنتاغون، حتى لو كانت الأسلحة الروسية تعتمد على أبحاث الحرب الباردة وليست متطورة مثل تلك التي تطورها الصين.
وقد طورت موسكو أسلحة يمكن أن تهدد قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا، كما روج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لسلاح أفانغارد، الذي يفوق سرعة الصوت، ويمكن أن يصل إلى الولايات المتحدة.
وتقول «وول ستريت جورنال»، إن مشكلات البنتاغون في تطوير الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، تمتد إلى أعلى وأسفل سلسلة القرار، بدءًا من اختبارات الطيران الفاشلة وعدم كفاية البنية التحتية للاختبار إلى الافتقار لخطة واضحة وشاملة لنشر الأسلحة، ما جعل الوضع يثير مخاوف بعض المسؤولين السابقين.
وقال جون هايتن، الذي كان نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة خلال الرحلة التجريبية الصينية: «إن قلقي بشأن عدم إحراز تقدم في مجال الطيران الأسرع من الصوت يتزايد»، مضيفًا: «نحن بحاجة إلى التحرك بشكل أسرع في اتجاهات عدة».
الدفاع الأمريكي في خطر
وحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، التي تقع في أيدي قوى مثل الصين أو روسيا، لديها القدرة على تغيير التوازن الاستراتيجي، الذي كثيرًا ما دعم سياسة الدفاع الأمريكية.
وفي حين أن الجيش الأمريكي ربما يكون الأقوى في العالم، فإن الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، يمكن أن تساعد الخصم في تحدي هذا التفوق، من خلال التهرب من أنظمة الإنذار المبكر الأمريكية، المصممة لاكتشاف الهجمات على أمريكا الشمالية، أو ضرب الأصول البحرية الأمريكية، بما في ذلك حاملات الطائرات، وكذلك القواعد الرئيسة في الخارج، حسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه حتى السفن الحربية الأمريكية الأكثر تقدمًا في بحر الصين الجنوبي، يمكن أن تكون عاجزة عن الدفاع ضد أي هجوم يفوق سرعة الصوت.
وتقول «وول ستريت جورنال»، إنه يمكن للصواريخ البالستية أن تسافر بسرعات تفوق سرعة الصوت، لكنها تتبع مسار طيران يمكن التنبؤ به، ما يسهل اعتراضها قبل إصابة الهدف.
ويمكن لصواريخ كروز، مثل صواريخ توماهوك الأمريكية، المناورة، لكن معظمها يتحرك ببطء أكبر، تحت سرعة الصوت.
وتجمع الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، بين السرعة والقدرة على الطيران على ارتفاعات منخفضة والمناورة أثناء الطيران، ما يزيد صعوبة اكتشافها عبر الرادار أو الأقمار الاصطناعية، وذلك يجعل من المستحيل تقريبًا اعتراضها بالأنظمة الحالية.
في معركة في بحر الصين الجنوبي، يمكن لبكين استخدام الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت لمضاعفة مدى وصولها، ما يترك السفن الأمريكية في المنطقة بلا دفاع تقريبًا، وحتى ضرب جزيرة غوام، موطن الآلاف من القوات الأمريكية والمنشآت العسكرية الرئيسة.
ولسد هذه الثغرة الخطيرة، بدأت الولايات المتحدة الاستثمار في أنظمة الدفاع الصاروخي المصممة لتدمير الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، بما في ذلك جهد جديد يمكن تطويره بالاشتراك مع اليابان.
مع ذلك، لا تزال هذه الأنظمة ناشئة، ومن غير المتوقع أن تدخل الخدمة قبل 10 سنوات على الأقل.
وعلى مدى العقد الماضي، أجرت الصين مئات اختبارات الطيران لهذا الجيل الجديد من الأسلحة، إذ تمتلك بكين أسلحة تفوق سرعة الصوت جاهزة للنشر في ترسانتها، كما تفعل موسكو، التي استخدمتها ضد أوكرانيا.
ولم يصدر مسؤولو البنتاغون والمخابرات تقديرات بالعدد الذي يعتقدون أنه لدى الصين وروسيا.
ولم تنشر الولايات المتحدة، التي أجرت عددًا قليلًا من اختبارات الطيران التي أجرتها الصين، أي صواريخ فعلية تفوق سرعة الصوت.
كان المهندسون الأمريكيون في طليعة الأبحاث المتعلقة بسرعات الصوت الفائقة، حيث عملوا على الصواريخ والطائرات.
يعود تاريخ البحث في هذا المجال، إلى أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، عندما طار الجيش الأمريكي بطائرة X-15، وهي طائرة اختبارية مأهولة تفوق سرعة الصوت.
ورغم نجاح البرنامج، فإنه ألغي عام 1968 عندما شاركت الولايات المتحدة في حرب فيتنام.
وأعاد الرئيس رونالد ريغان إثارة الاهتمام بالطائرات التي تفوق سرعة الصوت في الثمانينيات، عندما أعلن خططًا لطائرة تفوق سرعة الصوت، يمكنها الطيران من واشنطن إلى طوكيو في ساعتين.
وأنفقت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 1.7 مليار دولار على تطوير نموذج أولي للطائرة، التي لم تحلق مطلقًا وألغيت بعد نهاية الحرب الباردة.
تستخدم الجيوش الأمريكية وغيرها طائرات نفاثة أسرع من الصوت، ما يعني أنها يمكن أن تطير بسرعة أكبر من سرعة الصوت، أو 1 ماخ، لكن لا يمكن لأي منها أن يصل إلى 5 ماخ.
نقطة تحول
بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، تحول انتباه الولايات المتحدة إلى نوع مختلف من الحرب.
وعلى مدى العقدين التاليين، مولت واشنطن تقنيات مثل الطائرات المسلحة من دون طيار، وأجهزة الكشف عن القنابل وأجهزة الاستشعار التي يمكنها تعقب الإرهابيين والمتمردين.
ورغم أن هناك مَن جادل بفائدة صاروخ فائق السرعة في ضرب زعيم إرهابي، فإن آخرين قالوا إن الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت لم تكن لها سوى فائدة قليلة في هذه المعارك.
وقال إل. نيل ثورغود، وهو فريق متقاعد كان يرأس أعمال الطيران التي تفوق سرعة الصوت في الجيش: «لقد اختارت أمتنا عدم إنشاء قدرة تشغيلية، ويتساءل كثيرون عن السبب. أحد الأسباب أننا، على مدى العشرين سنة الماضية، أنفقنا ثروتنا الوطنية من الدماء والموارد في الحرب العالمية على الإرهاب».
في الوقت نفسه، سرعت الصين جهودها لتطوير أسلحة تفوق سرعة الصوت، من خلال اختبارات الطيران المتكررة، كما مضت روسيا، التي استثمرت فترة طويلة في هذا المجال، قدمًا.
وغالبًا ما استخدمت بكين الأبحاث الأمريكية عن سرعة الصوت -المنشورة في المجلات العلمية- التي مولتها الحكومة الأمريكية لعقود من الزمن.
بين أمور أخرى، نشر باحثون أمريكيون موضوعًا عن ديناميكيات الموائع الحسابية، التي تساعد في تصميم نموذج طيران تفوق سرعة الصوت، فقط لرؤية الصين تطور رموزًا تستخدم بوضوح تلك التي جرى تطويرها في الولايات المتحدة.
وقال ليو بينجيو، المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، إن الولايات المتحدة سبقت بكين في أعمال تفوق سرعة الصوت، واتهم واشنطن بنشر تكنولوجيا تفوق سرعة الصوت. وكتب في بيان: «لن ندخل في سباق تسلح مع أي دولة».
في غضون ذلك، استأنفت روسيا، التي تابعت أيضًا التطورات الأمريكية، العمل على البرامج التي تفوق سرعة الصوت، التي نفذتها خلال الحرب الباردة.
قال ريتشارد هاليون، محلل الطيران الذي يتابع الطائرات التي تفوق سرعة الصوت، أكثر من 50 عامًا: «لقد دربنا العالم على أنظمة تفوق سرعة الصوت».
هل تتحرك أمريكا؟
يسعى الجيش الأمريكي إلى تطوير نوعين من الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت: صواريخ كروز التي تستخدم محركًا نفاثًا يتنفس الهواء يُعرف بـ scramjet، والمركبات المنزلقة التي تطلق من الجو، ثم تنزلق إلى أهدافها بسرعات عالية.
ويمول البنتاغون نحو ستة أسلحة تفوق سرعة الصوت -رغم أن العدد الدقيق سري- ويشير بعض المسؤولين السابقين إلى عدم وجود خطة لتحديد أي من هذه الأسلحة لنشرها وكيف.
وقال ويليام روبر، الرئيس السابق لقسم اقتناء القوات الجوية: «لم تكن هناك استراتيجية خلال وجودي في البنتاغون، ومما أستطيع رؤيته من الخارج، لا يبدو أن هناك واحدة الآن».