الهند أم بهارات... مجرد اسم أم تغيير لهوية الدولة؟
لقد فاجأ التغيير الواضح لاسم الهند الكثيرين، ولكنه مجرد حلقة واحدة في نقاش مستمر حول الهوية الأساسية للدولة.

ترجمات – السياق
منذ توليها السلطة عام 2014، دأبت حكومة ناريندرا مودي في الهند، على تغيير أسماء طرق وشوارع المدن الكبرى، بدعوى ارتباطها بالماضي الاستعماري، لكن لم يكن أحد يتوقع أن يأتي يوم تفكر فيه بتغيير اسم البلاد من الهند إلى "بهارات".
تغيير الهند فاجأ كثيرين، لكنه مجرد حلقة واحدة في نقاش مستمر بشأن هوية الدولة، وفق أخيل راميش، الباحث البارز بمنتدى المحيط الهادئ.
وقال الكاتب في تحليل نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية: "في الديمقراطيات الصاخبة، تدور مناقشات ساخنة بشأن قضايا غير ملموسة، تبدو غير مهمة مثل الأسماء والألقاب والهويات، لاستخدامها كحجج لإعادة النظر في التاريخ".
في المقابل، تشهد بلدان ديمقراطية أخرى كالولايات المتحدة مناقشات بشأن قضايا ذات أهمية، مثل: "حقوق حمل السلاح، والإجهاض، والعرق"، مشيرًا إلى أن هذه المناقشات تنبع من فَهم مختلف لماضي الأمة، وفي كثير من الأحيان، لأساسها.
هدف مودي
وأشار راميش، إلى أن استخدام الحكومة الهندية لاسم "بهارات" بدلاً من "الهند" في الدعوات الموجهة لاجتماع مجموعة العشرين الأسبوع الماضي، كان سببًا في إطلاق العنان لهذه المناقشات الساخنة، وأثار مزيدًا من التساؤلات عن أهداف رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الخارج.
وذكر أن اسم "بهارات" استُخدم على هذه المنطقة، أكثر من ثلاثة آلاف عام، إذ تشير النصوص والملاحم الدينية السنسكريتية القديمة، مثل الفيدا والمهابهاراتا، إلى هذا الاسم.
أما اسم "الهند"، فله جذور اشتقاقية من نهر السند، الذي كان يسمى "سندهو" بالسنسكريتية، وهناك اسم شعبي آخر، لكن غير معترف به للبلد، هو "هندوستان"، الذي يعني "أرض السند" باللغة الفارسية.
ويرى الكاتب أن توقيت إطلاق "بهارات" جدير بالملاحظة، مشيرًا إلى أن الهند استخدمت مجموعة العشرين، لتضع نفسها كزعيم وصوت للجنوب العالمي، إذ إن حكومة مودي قدمت نفسها -خلال السنوات الماضية- كمدافعة عن حقوق العالم النامي.
ولم تكن حكومته بين أوليات الدول التي قدمت اللقاحات في ذروة جائحة كورونا فحسب، بل اغتنمت أيضًا كل فرصة على المسرح العالمي، لمناقشة الإصلاحات في النظام المتعدد الأطراف، الذي من شأنه أن يجعله أكثر إنصافًا لدول الجنوب العالمي.
كما دعا مودي إلى ضم الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين، ونتيجة لذلك، أشاد به زعماء مثل رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة، جيمس مارابي، كزعيم للجنوب العالمي، لأنه عرض طريقًا ثالثًا في المناخ المتوتر في ظِل الحرب الباردة الثانية.
ويعلق الكاتب على ذلك: "إن النية الحسنة التي أبدتها الهند في الجنوب العالمي، على مختلف المنصات العالمية، ليست فقط نتيجة لتقديمها المنافع العامة أو جهود المناصرة الأخيرة، وإنما هناك أيضًا التضامن الأساسي الذي يمتد من التاريخ المشترك كضحايا للإمبريالية العالمية"، في إشارة إلى فترة الاستعمار الغربي.
وأوضح أن إعادة تسمية البلاد، في دعوة مرسلة إلى المندوبين العالميين، نتاج هذا التضامن، وينظر إليها -بشكل متزايد- على أنها جهد لإنهاء تأثير الاستعمار.
الجبهة الداخلية
لم يستعبد راميش، أن يكون الدعم الحزبي -من الحزب الحاكم بهاراتيا غاناتا- للمسمى الجديد نابعًا من مخاوف داخلية، مشيرًا إلى أن إدارة مودي تأمل تحويل الحماسة القومية إلى "التصويت لها" خلال الانتخابات البرلمانية، العام المقبل.
علاوة على ذلك، فإن تعليقات زعيم المنظمة القومية الهندوسية راشتريا سوايامسيفاك سانغ (آر إس إس) موهان باغوات على اسم "بهارات" أثارت مخاوف بين أحزاب المعارضة في الهند، بشأن الآثار المحلية لهذه المبادرة المفترضة، لإنهاء أي ارتباط للبلد بفترة الاستعمار.
وقال باغوات -أحد الداعمين لهذه الخطوة- رئيس منظمة التطوع الوطنية، الحزب المعروف بتوجهاته اليمينية المتطرفة: إن "بهارات" الاسم الحقيقي للهند منذ قرون، بصرف النظر عن اللغة، وإن استخدام كلمة "إنديا" لم يكن سوى محاولة للتسهيل على متحدثي اللغة الإنجليزية.
ومن ثمّ يرى الكاتب، أن المخاوف بشأن الدوافع الأيديولوجية وراء التغيير ليست بلا أساس.
كانت منظمة (آر إس إس) قد دعت إلى "أكاند بهارات" أو الهند "غير المقسمة".
ويشمل هذا المفهوم للهند تقريبًا كل "جنوب آسيا" المعاصر (أفغانستان، وباكستان، وبنغلاديش، وسريلانكا، ونيبال، والتبت، وميانمار) ويسلط الضوء على الأراضي الشاسعة، التي تعدها منظمة (آر إس إس) فُقدت بسبب غزوات مختلفة في الألف عام الماضية.
وهو ما يتعارض -وفق الكاتب- مع رؤية المؤتمر الوطني الهندي والأحزاب السياسية في الولايات الملتزمة بالحدود المتفق عليها، بعد عام 1947 باسم الفيدرالية.
ويرى الباحث البارز بمنتدى المحيط الهادئ، أن فكرة تغيير الأسماء "أكثر من مجرد مبادرة حزبية"، لافتًا إلى أنه في جميع أنحاء البلاد، تغيرت أسماء المدن والبلدات وحتى الشوارع إلى أسماء ما قبل الاستعمار أو أسماء جديدة باللغة العامية.
على سبيل المثال، تغير اسم بومباي إلى مومباي، ومدراس إلى تشيناي، وكلكتا إلى كولكاتا، وكوشين إلى كوتشي، ومؤخرًا سُميت مدينة الله أباد "براياغراغ".
انقسام حزبي
ووفق راميش، يتعلق الانقسام الحزبي في الهند بالسؤال الأكبر: من الذي استعمر الهند؟، إذ يتفق حزب بهاراتيا غاناتا وأحزاب المعارضة على أن الامبراطورية البريطانية هي التي استعمرت الهند.
ومن ثمّ فإن حل الامبراطورية البريطانية عام 1947 يستدعي التخلص من الآثار الامبراطورية في كل المؤسسات الهندية.
ومع ذلك، فإنهم يختلفون على دور امبراطورية المغول الإسلامية في تشكيل الهند ونسيجها الثقافي ومؤسساتها، فمنذ تقسيم الهند وباكستان الملطخ بالدماء عام 1947 حتى عام 2023، يظل السؤال.
من هنا، فرغم ظهور عبارة "الهند هي بهارات" لأنها الكلمة الأولى في المادة الأولى من الدستور الهندي، فإن إعادة تسمية الأمة، حتى لو بدعوة من الدولة، كانت سببًا في إثارة هذه الضجة.
وتنص المادة الأولى من دستور البلاد على أن "الهند –بهارات- تعد اتحادًا بين الولايات" مع ذكر الاسمين الإنجليزي والهندي للبلد الآسيوي، الذي حصل على استقلاله عام 1947 بعد ما يقرب من مئتي عام تحت الاستعمار البريطاني.
وكما هو الحال مع المناقشات الأمريكية لتأسيس الولايات المتحدة (1619 مقابل 1776)، هناك فهم (في. إس. نايبول) الحائز جائزة نوبل، للهند كـ(حضارة جريحة تتصالح مع هويتها بعد قرون من الحكم الإسلامي والبريطاني)، وفهم المؤرخ البارز روميلا ثابار القومي العلماني الشامل للهند.
ويشير الكاتب إلى أن أطروحة نايبول، بأن ندوب الحضارة سبقت الامبراطورية البريطانية، لا تتوافق مع قادة الفكر الليبرالي واليساري في الهند، مثل ثابار وأرونداتي روي، الذين يزعمون أن المغول اندمجوا في المجتمع الهندي، على عكس البريطانيين، ولذلك "لم يقيموا مشروعهم الاستعماري أو الامبراطوري".
ويوضح أن اسم "بهارات" يستخدم بشكل شائع في سياقات مختلفة ولم يثر الجدل كما حدث مؤخرًا.
على سبيل المثال، استُخدم من المقاتلين من أجل الحرية والشعراء خلال فترة الراغ البريطاني -حتى من أولئك الذين يعيشون جنوبي الهند- وهي المنطقة التي أصبحت أكثر انتقادًا لاستخدام بهارات.
ويطلق "الراغ البريطاني"، على المرحلة التاريخية التي استعمرت فيها بريطانيا مناطق الهند وباكستان وبنغلاديش وميانمار منذ بداية القرن 19 حتى منتصف القرن 20.
وفي اللغة الهندية، كلمة "راغ" تعني "الحكم"، أي فترة الحكم البريطاني في المنطقة.
كما استخدمت تكتلات وجامعات هندية تديرها الحكومة -منذ فترة طويلة- اسم بهارات أو حتى هندوستان في أسمائها.
والأكثر من ذلك، حتى مكان انعقاد اجتماع مجموعة العشرين يسمى "بهارات ماندابام"، الذي يترجم إلى "القاعة الهندية".
وحسب الكاتب، يُعد تغيير الاسم أيضًا جزءًا من تطلع حكومة مودي إلى تأكيد مكانة الهند على المسرح العالمي، ورغم أن طريقتها محفوفة بالمخاطر، إذ تماطل بين المعسكرين المختلفين... أسبوع في قمة البريكس وأسبوع آخر في قمة زعماء الرباعية، فإنها تستفيد من المعسكرين.
ومن ثمّ خلال اجتماع يجمع المعسكرين -مجموعة العشرين- استغلت الفرصة لإعادة تسمية نفسها بـ "بهارات".
وأرجع الكاتب تغيير الاسم من الهند إلى بهارات لأسباب داخلية ودبلوماسية، وهو ما يُشكل أحدث نقطة اشتعال في المناقشات الدائرة بشأن الهوية الهندية (أو البهاراتية).
وتوقع أن يزداد الجدل حيال هذا الأمر -الهند أم بهارات؟!- خلال الانتخابات المقررة العام المقبل، فإما يستمر الاسم الشائع (الهند)، وإما تعود البلاد إلى اسمها القديم (بهارات).