من يقف وراء الهجمات المتتالية على المنشآت الإيرانية؟

تُسلِّط الهجمات المستمرة الضوء على سهولة تمكُّن المخابرات الإسرائيلية من الوصول إلى أعماق إيران، وضرب أهدافها الأعلى حراسة مرارًا وتكرارًا، وغالبًا بمساعدة عملاء إيرانيين

من يقف وراء الهجمات المتتالية على المنشآت الإيرانية؟

ترجمات - السياق

شهدت الأشهر الأخيرة، مجموعة كبيرة من الهجمات على المنشآت الإيرانية، ففي أقل من 9 أشهر، اغتال سائق دراجة نارية قائدًا في تنظيم القاعدة، اتخذ من طهران ملاذًا له، وقُتل كبير العلماء النوويين الإيرانيين رميًا بالرصاص، على طريق ريفي، كما هز انفجاران منفصلان غامضان، منشأة نووية إيرانية رئيسة في الصحراء، في ضربة أصابت صميم جهود إيران، لتخصيب اليورانيوم.

وتُسلِّط الهجمات المستمرة، التي قال مسؤولون استخباراتيون إنها من تنفيذ عملاء إسرائيليين، الضوء على سهولة تمكُّن المخابرات الإسرائيلية من الوصول إلى أعماق إيران، وضرب أهدافها الأعلى حراسة مرارًا وتكرارًا، وغالبًا بمساعدة عملاء إيرانيين.

وكشفت الهجمات، وهي أحدث موجة منذ أكثر من عقدين، من التخريب والاغتيالات، عن ثغرات أمنية محرجة، وتركت قادة إيران قلقين، وهم يسعون إلى مفاوضات مع إدارة بايدن، لاستعادة الاتفاق النووي الموقَّع عام 2015.

وكانت الاتهامات المتبادلة لاذعة، حيث قال رئيس المركز الاستراتيجي في البرلمان الإيراني، إن البلاد تحوَّلت إلى "ملاذ للجواسيس"، ودعا القائد السابق للحرس الثوري الإسلامي، إلى إصلاح جهاز الأمن والمخابرات، وطالب المشرِّعون باستقالة كبار مسؤولي الأمن والمخابرات.

وقال مسؤولون ومحللون إيرانيون: إن الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لإيران، هو أن الهجمات كشفت أن لدى إسرائيل، شبكة فعالة من العملاء والمتواطئين داخل إيران، وأن أجهزة المخابرات الإيرانية، فشلت في تحديد هوية الجواسيس.

وقال سنام وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس: "قدرة الإسرائيليين على العمل بفعالي،ة على ضرب قلب إيران، بهذه الطريقة الوقحة، أمر محرج للغاية، ويظهر ضعفًا، قد تكون له عواقب وخيمة داخل إيران".

وألقت الهجمات بظلال من جنون الارتياب، على بلد يرى الآن مؤامرات أجنبية، في كل حادث.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، عرض التلفزيون الإيراني الرسمي، صورة لرجل قيل إنه يدعى رضا كريمي (43 عامًا)، واتهمه بأنه "مرتكب التخريب" بانفجار في محطة التخصيب النووي في نطنز الشهر الماضي، لكن لم تتضح هويته، وما إذا كان يعمل بمفرده، وما إذا كان هذا هو اسمه الحقيقي، وقالت وزارة المخابرات الإيرانية إنه فر من البلاد، قبل الانفجار.

وبعد أن ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، أن اللواء محمد حسين زاده حجازي، نائب قائد فيلق القدس، تُوفي بسبب مرض في القلب، ظهرت شكوك فورية بأنه قُتل.

فطالما كان حجازي هدفًا للتجسس الإسرائيلي، وأصر نجل قائد بارز آخر في فيلق القدس عبر تويتر، على أن وفاة حجازي "لم تكن متعلِّقة بأمراض القلب".

وفشل المتحدِّث باسم الحرس الثوري، في تهدئة الشكوك بالبيان، الذي قال فيه إن الجنرال مات بسبب الآثار المتراكمة لـ "المهام الصعبة للغاية"، وإصابة حديثة بفيروس كورونا، والتعرُّض لأسلحة كيماوية، خلال الحرب العراقية الإيرانية.

وكان هذا اللواء، ثالث مسؤول عسكري إيراني رفيع المستوى، يتم اغتياله في الأشهر الـ 15 الماضية، حيث قتلت الولايات المتحدة اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في يناير من العام الماضي، واغتالت إسرائيل محسن فخري زاده، كبير علماء إيران النوويين، والعميد في الحرس الثوري، في نوفمبر.

وحتى لو كانت وفاة الجنرال حجازي، طبيعية، فإن الخسارة التراكمية، لوفاة ثلاثة من كبار جنرالات إيران، تُعَــدُّ ضربة كبيرة.

وتمثِّل الهجمات، في حد ذاتها، تصعيدًا في حملة طويلة الأمد، تشنها أجهزة المخابرات في إسرائيل والولايات المتحدة، على ما تعتبرانها أنشطة إيران الخطيرة، وعلى رأسها البرنامج النووي، الذي تصر إيران على أنه سلمي، ودعم وتمويل إيران للوكلاء، في جميع أنحاء العالم العربي، وتطويرها لصواريخ دقيقة لحركة حزب الله في لبنان.

وذكر تقرير للمخابرات العسكرية الإسرائيلية عام 2019، أن حجازي كان شخصية بارزة، في دعم إيران للوكلاء وتسليح حزب الله، كقائد للفيلق اللبناني في فيلق القدس، وقائد مشروع الصواريخ الموجَّهة، وقال المتحدث باسم الحرس الثوري رمضان شريف، إن إسرائيل تريد اغتياله.

ومنذ نشأتها، تعمل إسرائيل على تخريب البرنامج النووي الإيراني، الذي تَعُدُّه خطراً وجوديا، ويعتقد أن إسرائيل بدأت اغتيال شخصيات رئيسة في البرنامج عام 2007، عندما تُوفي عالم نووي في مصنع يورانيوم في أصفهان، بتسرُّب غاز غامض.

وفي السنوات التالية، اُغتيل 6 علماء ومسؤولين عسكريين آخرين، قِيل إنهم كانوا مهمين لجهود إيران النووية، وأصيب سابع.

وقال رستم قاسمي، قائد بارز آخر لفيلق القدس، إنه نجا بصعوبة من محاولة اغتيال إسرائيلية، خلال زيارة للبنان في مارس.

إلا أن الاغتيال ليس سوى أداة واحدة، في حملة متعدِّدة المستويات والجبهات، ففي عام 2018، نفَّذت إسرائيل غارة ليلية جريئة، لسرقة نصف طن من المحفوظات السرية لبرنامج إيران النووي، من مستودع في طهران.

ووفقًا لمسؤول مخابرات أمريكي سابق، تعقَّبت إسرائيل المعدات المقرر إرسالها لإيران عبر العالم، إلى المناطق المقرَّر تدميرها، أو زرع أجهزة إرسال واستقبال سري،ة أو زرع عبوات ناسفة داخلها، ليتم تفجيرها، بعد تركيب المعدات داخل إيران.

وقالت عاملة استخبارات إسرائيلية سابقة، رفضت الكشف عن هُويتها، إنه من أجل تخريب مثل هذه المعدات، كانت تذهب وضابط آخر إلى المصنع ويختلقان أزمة، مثل حادث سيارة أو نوبة قلبية، وتطلب المساعدة من الحراس، الأمر الذي يتيح لها الوصول إلى المنشأة، لمعرفة نظامها الأمني، حتى يتمكَّن فريق آخر من اقتحامها وتعطيلها.

وفي مقابلة مع التلفزيون الإيراني الرسمي، الأسبوع الماضي، كشف فريدون عباسي دواني، الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية الإيرانية، أسباب الانفجار في محطة نطنز النووية في يوليو، قائلًا إن المتفجرات كانت مخبأة داخل مكتب ثقيل، تم وضعه في المصنع قبل أشهر.

وقال المسؤولون، إن الانفجار دمَّر المصنع، الذي كان ينتج جيلًا جديدًا من أجهزة الطرد المركزي، ما أدى إلى تأخير برنامج التخصيب النووي الإيراني لأشهر.

وقال علي رضا زكاني، رئيس مركز الأبحاث في البرلمان، إنه في حالة أخرى، تم إرسال آلات من موقع نووي إلى الخارج لإصلاحها، وأعيدت إلى إيران مع 300 رطل من المتفجرات معبأة داخلها.

ولم يتضح الكثير من المعلومات، عن الانفجار الأخير في نطنز هذا الشهر، لكن من المعروف أنه دمَّر نظام الطاقة المستقل بالمحطة، الذي أدى بدوره إلى تدمير الآلاف من أجهزة الطرد المركزي.

ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن إسرائيل، لم تكن تستطيع تنفيذ هذه العمليات، من دون مساعدة داخلية من الإيرانيين، الأمر الذي قد يكون أكثر ما يزعج إيران.

حاكم مسؤولون أمنيون في إيران إيرانيين عدة، خلال العقد الماضي، واتهموهم بالتواطؤ في عمليات التخريب والاغتيال الإسرائيلية، تحت عقوبة الإعدام.

إلا أن عمليات التسلل شوَّهت أيضًا سُمعة الجناح الاستخباري للحرس الثوري، المسؤول عن حراسة المواقع النووية والعلماء.

وطالب قائد سابق في الحرس الثوري بـ "تطهير" جهاز المخابرات، وقال نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانجيري، إن الوحدة المسؤولة عن الأمن في نطنز "يجب أن تُحاسب على إخفاقاتها".

وقال نائب رئيس البرلمان، أمير حسين غازي زاده هاشمي، لوسائل الإعلام الإيرانية، إن إلقاء اللوم على إسرائيل والولايات المتحدة، لم يعد كافيًا في مثل هذه الهجمات؛ وإن إيران بحاجة إلى تنظيف منزلها.

وقالت "مشرق نيوز"، إحدى الصحف التابعة للحرس الثوري، الأسبوع الماضي: "لماذا يتصرَّف أمن المنشأة النووية بشكل غير مسؤول، لدرجة أنه يصاب مرتين من الثغرة نفسها؟!".

ومع ذلك لا يخضع الحرس الثوري، سوى لإدارة المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، وحتى الآن لا يوجد أي مؤشر على تعديل وزاري.

أما إيران، فكافحت للرد بعد كل هجوم، وزعمت في بعض الأحيان، أنها حدَّدت هوية المسؤولين، بعد مغادرتهم البلاد، أو أنهم ما زالوا طلقاء، كما يصر المسؤولون الإيرانيون أيضًا، على أنهم أحبطوا هجمات أخرى.

وتزداد دعوات الانتقام، بعد كل هجوم، واتهم المحافظون حكومة الرئيس حسن روحاني، بالضعف وإخضاع أمن البلاد للمحادثات النووية، على أمل أن تؤدي إلى تخفيف العقوبات الأمريكية.

وبالفعل، يبدو أن المسؤولين الإيرانيين يعتمدون نهجًا وصفوه بـ "الصبر الاستراتيجي" في العام الأخير لإدارة ترامب، حيث أدركوا أن إسرائيل سعت إلى استدراجهم، إلى صراع مفتوح، من شأنه أن يقضي على إمكانية التفاوض مع إدارة ديمقراطية جديدة.

وقال روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، إنهما لن يسمحا للهجمات بتعطيل المفاوضات، لأن رفع العقوبات كان الأولوية، كما يعتقد أن إيران ربما تكون قد حاولت الانتقام وفشلت، حيث ألقي اللوم على إيران، في انفجار قنبلة بالقرب من السفارة الإسرائيلية بنيودلهي في يناير، وتم اعتقال 15 مسلحًا مرتبطًا بإيران الشهر الماضي في إثيوبيا، بتُهمة التخطيط لمهاجمة أهداف إسرائيلية وأمريكية وإماراتية، لكن أي انتقام صريح، يواجَه برد إسرائيلي ساحق.

وقال طلال عتريسي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية في بيروت: "إنهم ليسوا في عجلة من أمرهم لبدء الحرب، والانتقام يعني الحرب".

ويشير توقيت هجوم إسرائيل الأخير على نطنز، إلى أن إسرائيل سعت لإضعاف قدرة إيران على المساومة، على الأقل، إن لم يكن تخريب المفاوضات على الاتفاق النووي الموقَّع عام 2015، الذي عارضته إسرائيل حينها، وتُعارِض إحياءه الآن.

من جانبها، قالت الولايات المتحدة، التي تسعى إلى التفاوض مع إيران في فيينا، إنها لم تشارك في الهجوم، لكنها لم تدينه علنًا أيضًا.

وقال مسؤول استخباراتي، إن من مصلحة إسرائيل، أن تؤدي هجماتها المتكرِّرة لإثارة الارتياب القومي في إيران، وشرح أن الخطوات الإضافية، التي اتخذتها إيران لفحص المباني، بحثًا عن أجهزة مراقبة ودراسة خلفيات الموظفين، بحثًا عن الجواسيس المحتملين، أدت إلى إبطاء أعمال التخصيب.

ويجمع الخبراء، على أن الطرفين لا يريدان حربًا واسعة النطاق، ويعتمد كل منهما، على عدم رغبة الطرف الآخر في التصعيد، ومع ذلك اشتدت حدة حرب الظل السرية، على مستوى المنطقة، بين إسرائيل وإيران، مع الغارات الجوية الإسرائيلية، على الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا، والهجمات الانتقامية على السفن.

ووفقًا لفاكيل من تشاتام هاوس، بينما تواجه إيران اقتصادًا متعثرًا وتفشي وباء كورونا ومشكلات أخرى، تتعلق بالحُكم السيئ، يزداد الضغط للتوصُّل إلى اتفاق نووي جديد، لإزالة العقوبات الاقتصادية.

وشرحت: "تكشف هذه الهجمات، منخفضة المستوى، أن إيران بحاجة ماسة، إلى خُطة العمل الشاملة المشتركة، لتحرير الموارد، ومعالجة مشكلاتها الأخرى".