القطاع الصحي في لبنان يئن تحت وطأة الأزمة الاقتصادية
مع تفاقم الأزمة، أطلت أسواق التزوير والتهريب في لبنان، برأسها، فنشبت سوق للأدوية المهربة، إلا أنها لم تخل من التلاعب.

السياق
من مستشفى الشرق إلى بلد دخل العناية المركزة ولم يغادرها منذ أن اندلعت الأزمة السياسية، التي صاحبتها أزمات اقتصادية، تكالبت على البلد الآسيوي، وجعلت العلاج ترفًا لا يستطيع كثيرون من اللبنانيين إليه سبيلًا.
فالبلد الذي حل عام 2019 في المرتبة الأولى بين الدول العربية على صعيد الرعاية الصحية، وفقاً لمؤشر بلومبرغ لفعالية الرعاية الصحية، بات اليوم على مشارف كارثة صحية، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي.
فمن هجرة الأطباء وفرق التمريض، مرورًا بعدم القدرة على تأمين المستلزمات الطبية، إلى فقدان أدوية الأمراض السرطانية وغيرها، يحتاج القطاع الطبي في لبنان، إلى جهاز لإنعاشه، وآخر للصدمات، حتى يعود إلى وعيه، الذي غيبته الأزمة المالية.
مسار تنازلي
وضع بدأ يأخذ منحنى انحداريًا في أغسطس 2020، مع انفجار مرفأ بيروت، الذي تسبب في تضرر 106 منشآت صحية، أخرج بعضها من الخدمة، بينما تسبب العدد الكبير من الجرحى في الضغط على القطاع الطبي، الذي كان يعاني الأزمة المالية.
ومع استمرار الأزمة واستنزاف المخزون الطبي من المستلزمات على جرحى انفجار مرفأ بيروت، تتكشف آثار الأزمة شيئًا فشيئًا، خاصة أن مصرف لبنان تقاعس عن فتح اعتمادات كافية لحاجة السوق من الأدوية، التي يدعم فاتورة استيراده عبر تأمين الدولار للمستوردين على السعر الرسمي له مقابل الليرة، أي 1500 بينما تجاوز سعره في السوق السوداء 20 ألف ليرة.
أزمة اشتدت مع إعلان الجهات الحكومية الضامنة عجزها عن تأمين تكلفة الاستشفاء التي أصبحت باهظة، لاسيما في المستشفيات الخاصة.
أحد أكبر تلك الجهات الحكومية الضامنة، كان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يغطي وحده تكلفة الاستشفاء لنحو 35% من الشعب اللبناني، البالغ نحو 4.2 مليون نسمة، بينما تغطي وزارة الصحة وتعاونية موظفي الدولة وطبابة الجيش وقوى الأمن نحو 45% من اللبنانيين.
وتسبب فقدان الأدوية والمستلزمات الطبية، في توقف المستشفيات -أكثر من مرة- عن استقبال العمليات غير الطارئة، لعدم توافر البنج وغيره من الأدوية الأساسية، ما أدى إلى عقبات أمام الجهات الصحية، التي لم تستطع رفع التعريفة الاستشفائية بشكل رسمي، كونها محددة من وزارة الصحة، منذ 20 عامًا.
إجراءات حكومية
بعد فقدان الأدوية من الصيدليات، رفعت الحكومة اللبنانية الدعم عن معظمها، ليقتصر على الأدوية المستعصية وبعض الأدوية المزمنة، إلا أن المبلغ الذي خصصته لم يكن كافيًا، ما أدى إلى تفاقم الأزمة.
لم يقتصر الأمر على فقدان الأدوية وتوقف المستشفيات، بل إن أكثر من 1000 طبيب هاجر لبنان، خلال عامي 2020 و2021، إضافة إلى أكثر من 1200 ممرض وممرضة، في محاولة للبحث عن فرص عمل في بلدان أخرى، بعد أن خسرت رواتبهم أكثر من 90% من قيمتها، بسبب انهيار الليرة مقابل الدولار.
وفقدت الليرة أكثر من 98% من قيمتها في السوق الموازية، منذ بدء الانهيار الاقتصادي عام 2019.
وفي فبراير خفض البنك المركزي سعر الصرف الرسمي من 1500 ليرة الذي استمر عقودًا إلى 15 ألف ليرة مقابل الدولار.
وفي محاولة لإنقاذ الليرة، اجتمع –الخميس- نواب حاكم مصرف لبنان بأعضاء في البرلمان، واقترحوا تغييرات على السياسة النقدية للبلاد، تضمنت التحول إلى تعويم سعر الصرف بطريقة مُدارة، ليعكس القيمة الحقيقية لليرة.
ما تبعات ذلك؟
مع تفاقم الأزمة، أطلت أسواق التزوير والتهريب في لبنان، برأسها، فنشبت سوق للأدوية المهربة، إلا أنها لم تخل من التلاعب.
وعن ذلك يقول نقيب الصيادلة الدكتور جو سلوم، في تصريحات صحفية، إن الواقع الصحي في لبنان مزر، مشيرًا إلى أن هناك عددًا كبيرًا من الأدوية المنتشرة فيه متلاعب بنوعيتها، وتدخل البلد من دون حسيب ولا رقيب.
وأوضح المسؤول اللبناني، أن هناك انتشارًا للصيدليات غير المشروعة، والدكاكين وتجار الشنط والأونلاين، مؤكدًا أن هناك مرضى ماتوا لأنهم لم يحصلوا على دوائهم لأنه مدعوم، بينما كان يهرب إلى الخارج، من دون أن تتحرك الحكومة ولا الجهات المعنية.
وعن الأدوية المزورة المنتشرة في السوق اللبنانية، قال وزير الصحة فارس أبيض، إن الوزارة تتعاون مع القوى الأمنية، للحد من دخول هذه الأدوية بطريقة غير مشروعة، مشيرًا إلى أنها تتعاون مع نقابة الصيادلة، للتأكد من عدم تخزين هذه الأدوية في الصيدليات.
وبحسب قانون مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان «يعاقب بغرامة من عشرة ملايين إلى خمسين مليون ليرة لبنانية، وبالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين، إضافة إلى مصادرة الدواء لحساب وزارة الصحة، كل من يرتكب الغش في المواد الصيدلانية، أو يبيع أدوية مزورة أو مهربة أو منتهية الصلاحية أو غير مسجلة أو يمنع التداول بها».
في السياق نفسه، قال رئيس جمعية «بربارة نصار» التي تعنى بمرضى السرطان، في تصريحات صحفية، أنه «لو توفر الدواء في لبنان، فإن هناك صيدليات تحولت إلى دكاكين، بمعنى أنها تبيع أي نوع يحلو من الأدوية خارج اللائحة المسجلة لدى وزارة الصحة».
وأوضح الطبيب اللبناني هاني نصار، أن بعض مرضى السرطان اضطروا إلى وقف علاجهم، ما أدى إلى وفاتهم، بعد أن رفعت وزارة الصحة، الدعم عن كل ما سعره دون الـ 300 دولار، إما كلياً كجلسات العلاج الكيماوي، وإما جزئياً أي بقيت مدعومة على سعر صرف 15000 ليرة.
وعن انهيار القطاع الصحي في لبنان، قال نقيب الأطباء في بيروت يوسف بخاش، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن القطاع الطبي مر بتحديات كبيرة، لا سيما أزمة كورونا التي أثرت في الأنظمة الصحية بالعالم، بينما كان لبنان الأكثر تأثرًا بها، بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، التي دفعت عددًا كبيرًا من العاملين في القطاع الصحي إلى الهجرة.
وأوضح نقيب أطباء لبنان، أن الانهيار المالي كان له تأثير كبير في القطاع الاستشفائي والتكلفة التشغيلية للمؤسسات الاستشفائية، مشيرًا إلى أن المستشفيات الخاصة اضطرت إلى تخفيض عدد الأسرة لديها إلى 5 آلاف من 10 آلاف، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وعدم وجود الاختصاصيين.
وأشار إلى أزمة عدم وجود الأدوية، وعجز الصناديق الضامنة الرسمية عن تغطية التكلفة الاستشفائية للمنتسبين من وزارة الصحة والضمان الاجتماعي وتعاونية الموظفين، مؤكدًا أن التكاليف كبيرة على المواطن، الذي خسر أمواله وبات يتفادى دخول المستشفى، لعدم قدرته على تغطية التكلفة الاستشفائية.
حلول مؤقتة
في محاولة للبحث عن حلول مؤقتة، أطلقت شركة كومن، الرائدة في قطاع التأمين -قبل أيام- خدمة جديدة لتوفير تغطية صحية شاملة، تناسب جميع الفئات الاجتماعية، عبر التقسيط المريح.
وقالت الشركة -في بيان- إنه نتيجة تدهور الأحوال الاجتماعية والخدمات الصحية في لبنان، وتعرض قطاع التأمين الصحي لأزمة، وجد اللبناني نفسه غير مغطى صحيًا، بعد توقف عديد من صناديق التأمين والتعاضد، في المؤسسات الرسمية والحكومية وصندوق الضمان الاجتماعي.
وأشارت إلى أنه استجابةً لهذا السيناريو «المحزن»، أطلقت خدمة جديدة لتوفير تغطية صحية شاملة، تناسب جميع الفئات الاجتماعية في غضون 90 ثانية، لـ«حفظ كرامة اللبنانيين، وتمكينهم من الحصول على تأمين صحي واستشفائي».
وعن الخدمة، قالت الشركة، إنها تغطية صحية استشفائية شاملة بنسبة 100%، تشمل الفحوص الخارجية وبأسعار تشجيعية تتناسب مع الوضع الراهن، إضافة إلى خدمات طبية مجانية عن بُعد، وإمكانية التقسيط الشهري المريح، وخدمة عملاء على مدار الساعة، جميع أيام الأسبوع.