''إنه عذاب''.. أفارقة يروون أهوالًا من الصحراء التونسية بعد إجبارهم على العودة
لاجئ يروي كيف ماتت عائلته في الصحراء بحثاً عن مستقبل في أوروبا

ترجمات – السياق
«إنه عذاب»... هكذا يروي هذا اللاجئ كيف ماتت عائلته في الصحراء، بحثاً عن مستقبل في أوروبا، بعدما تعرضت زوجة باتو كريبين وابنته (6 سنوات) للطرد مراراً وتكراراً من السلطات التونسية، التي وقَّعت صفقة بمليار يورو مع الاتحاد الأوروبي.
حرارة صيف حارقة، قسوة في التعامل، إجبار على العودة إلى الصحراء، مشاهد على الحدود التونسية الليبية، التي تسجل -بشكل شبه يومي- مئات القصص المؤلمة، نهايات أغلبيتها مأساوية.
فالحدود بين البلدين الواقعين في المغرب العربي، تعد هدفًا للمهاجرين غير القانونيين الفارين من بلدانهم، آملين ولوج البوابة التونسية، التي قد تقودهم إلى الحلم الأوروبي المنتظر، إلا أن معظمهم يقع فريسة المليشيات المسلحة، أو الموت جوعًا في الصحراء، أو قتيلًا على يد القوات التونسية أو الليبية.
واقع أليم، تسجله الدفاتر يوميًا، وتكون الإنسانية شاهدًا على حلم ظنه المهاجرون غير القانونيين ممكنًا، إلا أنه بات مستحيلًا، مع العواقب التي تعترض طريقهم، بينما ينجو قليل من كثير غامروا بأرواحهم.
قسوة الصحراء
أحد هؤلاء كان اللاجئ باتو كريبين، الذي روى كيف ماتت عائلته في الصحراء، بحثاً عن مستقبل في أوروبا، ملخصًا رحلته بكلمة «إنه عذاب»، مشيرًا إلى أنه «كان عليّ أن أشرب بولي»، للنجاة من قسوة الصحراء.
كريبين سار ثلاثة أيام عبر الصحراء، ولم يتحمل أكثر من ذلك، فحاول هو وعائلته مرتين عبور الحدود من ليبيا إلى تونس، إلا أنهم أعادوهم.
ووجد كريبين، الذي كان يتعافى من عدوى ولم يشرب شيئًا 24 ساعة، أنه لا يستطيع النهوض، لتستسلم ساقاه في حرارة الصحراء الحارقة، منتصف يوليو الماضي.
لكن زوجته وابنته (6 سنوات) بدتا أقوى.
ويعتقد كريبين، وهو طالب لجوء من الكاميرون، أنهما إذا تركتاه وراءهما قد يصلان إلى تونس، وربما من هناك إلى أوروبا، فلم يكن يريد أن يبطئهما، قائلًا لهما: «اذهبا (...) سألحق بكما في تونس».
كانت هذه آخر مرة رآهما فيها، فبعد أسبوع، انتشرت -عبر العالم- صورة لامرأة وطفل ممددين على وجوههما في الصحراء على الحدود. لم يستطع كريبين تصديق ذلك. كان يرى أنهما فاتي دوسو، زوجته، وماري، ابنتهما، لكنه كان يأمل راحتهما.
وقال لصحيفة الغارديان، في مقابلة عبر الهاتف: «لكن لا، لقد ماتا، كان ينبغي أن أكون هناك، في مكانهما».
في 16 يوليو، اليوم الذي انفصل فيه كريبان (29 عامًا)، عن عائلته، وقَّع الاتحاد الأوروبي صفقة بمليار يورو مع الرئيس التونسي قيس سعيد، للمساعدة في وقف الهجرة غير المشروعة.
وعرفت بروكسل أن لديها حليفًا راغبًا، فالبلد الإفريقي كان في ضائقة اقتصادية شديدة. وفي مقابل أموال الاتحاد الأوروبي، التزمت البلاد بتضييق الخناق على عدد القوارب التي تغادر شواطئها.
نهاية يوليو، أبلغت «الغارديان» بأن عدد الذين نقلتهم السلطات التونسية إلى مناطق نائية على الحدود مع ليبيا والجزائر تجاوز 4000 شخص.
ووفقاً لمسؤول في منظمة حكومية دولية، اشترط عدم اكشف هويته، مات سبعة أشخاص على الأقل بسبب العطش.
ارتكاب مخالفة
تقول منظمة غير حكومية، تجمع التقارير الواردة من السلطات الليبية، وكذلك شهادات اللاجئين، إن العدد أعلى، وتنفي تونس ارتكاب أي مخالفة.
بالنسبة لكريبين، فإن «كل ما يهم هو أن أعز شخصين عليه قد رحلا (...) أحاول أن أنسى. إنه عذاب (...) لا أستطيع النوم. أحاول أن أحافظ على معنوياتي مرتفعة، لكنه مؤلم. لقد عشنا قصتنا معًا حتى اللحظة الأخيرة، حتى الصحراء».
ومثل عديد من اللاجئين الذين يعبرون شمال إفريقيا، لم تبدأ قصة الحب بين كريبين ودوسو في حانة أو نادٍ أو حفلة أحد الأصدقاء، لكن بمركز احتجاز في ليبيا، كان البوابة الرئيسة للمهاجرين واللاجئين الباحثين عن حياة أفضل في أوروبا.
لقد قطعت كلاهما مسافات طويلة للوصول إلى هناك، فدوسو فرت من منزلها في ساحل العاج، وكريبين من الكاميرون حيث يحتدم الصراع بين الانفصاليين الناطقين باللغة الإنجليزية والحكومة.
وتقول «الغارديان»، إن ما بدأ قبل بضع سنوات، كطلب بسيط لاستخدام اللغة الإنجليزية، في قاعات المحاكم والمدارس العامة في المنطقتين الناطقتين باللغة الإنجليزية في البلاد، تصاعد إلى أزمة قُتل فيها عشرات، وسُجن مئات، وفر آلاف عبر الحدود إلى نيجيريا.
يقول كريبين، الذي ولد ونشأ في بويا، عاصمة المنطقة الجنوبية الغربية: «لقد أحرقوا المنزل وقتلوا أختي الكبرى. لقد كانت أختي الوحيدة».
ولم يكن أمام كريبين خيار سوى الانتقال إلى نيجيريا، حيث وجد عملاً كميكانيكي في قرية على الحدود مع الكاميرون، مضيفًا: «لقد عملت لكسب قليل من المال. كان هناك مهاجرون، قالوا إن هناك فرص عمل في منطقة المغرب العربي. أخذني أحد المهربين إلى الجزائر ثم إلى ليبيا. هذا هو المكان الذي وصلت فيه والتقيت زوجتي فاتي».
وُلِدت دوسو في غبيكا، توبا، غربي ساحل العاج، في 20 يناير1993، ونشأت يتيمة بلا أشقاء، حسب «الغارديان»، التي قالت إن الوحيدين الذين اعتنوا بها في ساحل العاج كانوا عمتها وابن عمها الذي ظلت على اتصال به.
انفصال جسدي
في ليبيا، البلد الذي كان يعاني العنف والحرب الأهلية، وجدت دوسو عائلتها أخيرًا. بعد لقائها الأول في مركز الاحتجاز بقصر القره بوللي، وهي بلدة في منطقة طرابلس، تمكنت هي وكريبين من الحفاظ على استمرار علاقتهما، رغم الانفصال الجسدي المتكرر.
حاول الزوجان -أربع مرات على الأقل- مغادرة ليبيا إلى أوروبا، وفي كل مرة تم اعتراضهما وإرسالهما من السلطات الليبية إلى مراكز احتجاز، ما أدى إلى تفريقهما لأشهر في كل مرة.
ويتذكر كريبين قائلاً: «ذات مرة كنت في مركز احتجاز بن صالح وكانت هي في سجن في صبراتة».
ورغم الصعوبات التي تعد ولا تحصى، تمكن الزوجان من البقاء معًا، علاوة على ذلك، بعد ما يقرب من سبع سنوات في ليبيا، لا يزالان على قيد الحياة.
في 12 مارس 2017، ولدت ابنتهما ماري، وأصبح سعي الزوجين للوصول إلى أوروبا -بحثاً عن السلام والعمل اللائق- أكثر إلحاحاً.
محاولة يائسة
أواخر عام 2022، عندما كان كريبين ودوسو وماري في ليبيا، كانت دولة أخرى شمالي إفريقيا تولت منصب مركز المغادرة الرئيس للذين يحاولون الوصول إلى أوروبا من إفريقيا.
منتصف أغسطس من هذا العام، أفادت التقارير بأن عدد المهاجرين الذين يصلون إلى الشواطئ الإيطالية من تونس يزيد بنحو 7000 عن إجمالي الوافدين من ليبيا.
ووفقاً لبيانات وزارة الداخلية الإيطالية، فقد غادر تونس عدد قياسي بلغ 20 ألف شخص في يوليو وحده، إلا أن كثيرين لم يفعلوا ذلك.
لكن أهوال الرحلة والتقارير عن فقدان الآلاف في البحر لم تكن كافية لإبعاد الناس -لا أولئك الذين يحاولون عبور البحر المتوسط ولا أولئك الذين يحاولون الوصول إلى تونس.
في 13 يوليو، قرر كريبين ودوسو وماري، الانطلاق في رحلة شاقة من ليبيا عبر الصحراء إلى مدينة بنقردان التونسية.
وقال كريبين: «لقد مشينا طوال الليل يوم 13 قبل أن نتمكن من رؤية تونس ليست بعيدة عنا. لقد نفد الماء، لذلك قررنا التوجه إلى الساحل التونسي باتجاه الحدود التونسية، على أمل العثور على بعض الماء، لكن استقبلنا ثلاثة جنود تونسيين. لقد ضربونا وأعادونا إلى الصحراء».
لكن العائلة كانت مصممة، فحاولت مرة أخرى عبور الحدود، لكن هذه المرة نجحت، وفي 15 يوليو لم تكن بعيدة عن بنقردان، على بعد نحو 20 ميلاً من الحدود الليبية، وقد أعطتهم تونسية الماء، لكن حظهم نفد مرة أخرى.
«كانت زوجتي تعاني آلام الدورة الشهرية، لذا حاولنا رؤية طبيب في مستشفى بنقردان»، يقول كريبين، مضيفًا: «لكن لم يكن لدينا المال لرؤية الطبيب، وعندما وصلت الشرطة، أخذونا إلى ما يشبه نقطة تفتيش للشرطة. وفي اليوم التالي، الأحد السادس عشر من الشهر نفسه، أُجبرنا على ركوب شاحنة صغيرة وتمت إعادتنا إلى الصحراء».
دمرت دوسو وابنتها، كانتا تبكيان يائستين، فلقد أرادا المحاولة مرة أخرى وحاولا إقناع كريبين بالنهوض والمضي قدمًا، لكنه شعر بجسده يتمرد. وسأل مجموعة أخرى من طالبي اللجوء عما إذا كان بإمكان دوسو وماري الانضمام إليهم، ما أسعده، فأجابوا بنعم. كل دقيقة كانت ثمينة. وإذا لم تصل زوجته وابنته إلى تونس قريبًا، فسوف تموتان من العطش. كان يعتقد أن لديهما فرصة أخيرة.
وقال كريبين: «لقد أخبرت دوسو بأن تذهب وبأنني سألحق بهما في تونس، وكانت تلك آخر مرة رأيتهما فيها».
تحديات مستمرة وصعوبات بالغة
لا يزال كريبين يحلم بالوصول إلى أوروبا ذات يوم، لكنه لا يملك ما يكفي من المال للقيام بالرحلة. وخلافاً لمخاوفه، تمكن من إنقاذ نفسه بفضل مجموعة من المارة السودانيين، الذين قدموا له الماء وساعدوه في السير إلى تونس.
لكن سرعان ما طُرد كريبين من قبل السلطات التونسية إلى ليبيا مرة أخرى، وعندما تحدث إلى «الغارديان» كان هناك، في منطقة شمالي غرب طرابلس.
وليس لدى كريبين سوى قليل من المعلومات عن وفاة زوجته وابنته، بخلاف ما تمكنت منظمة اللاجئين في ليبيا، وهي منظمة غير حكومية يديرها اللاجئون وطالبو اللجوء، من التأكد من ذلك. ويعتقدون أن دوسو وماري ماتتا -على الأرجح- بسبب العطش في الصحراء الليبية، بالقرب من منطقة تسمى العسة في 18 يوليو الماضي.
وقال كريبين: «لسوء الحظ، ليس لدي أي شهادة رسمية تخبرني عن زوجتي وكيف ماتت. ربما كانتا تعانيان الجفاف والتعب، ومع الضرب الذي تلقيناه من السلطات التونسية، كانتا منهكتين. أتصور أن كل ذلك هو الذي قتلهم، وربما أيضًا الحالة النفسية التي كانتا فيها لأنهما كانتا تعرفان الحالة التي كنت فيها، وكانتا محطمتين. كانتا تعلمان أنني يمكن أن أموت خلفهما. أعتقد أن هذا كل شيء».
اللاجئون في ليبيا
حسب «الغارديان»، كان اللاجئون في ليبيا، الذين يعملون مع شبكة من اللاجئين والمهاجرين في المنطقة، هم الذين تمكنوا من التعرف إلى دوسو وماري، ورواية قصتهما للعالم.
تقول الصحيفة البريطانية، إن قصة المهاجرين لم تظهر فقط التحديات المستمرة والصعوبات الشديدة، التي يواجهها اللاجئون في شمال إفريقيا، بل أظهرت أيضاً قدرتهم على الصمود، مضيفة: مع ذلك، فقد أقاما رابطة قوية، وولدت ابنتهما ماري وسط هذه الظروف العصيبة. لمدة ست سنوات، قاموا بحماية الشابة ماري من ظروف لا يمكن التغلب عليها. وتؤكد قصتهم التضحيات الهائلة التي يقدمها الآباء من أجل أطفالهم.
ويقدر اللاجئون في ليبيا أن ما بين 50 و70 شخصاً ماتوا عطشاً في الصحراء، بسبب عمليات الإبعاد التي قامت بها السلطات التونسية.