دبلوماسية المساعدات تعيد ''الجزيرة'' إلى درنة... هل تستطيع الدوحة ترميم علاقاتها بشرقي ليبيا؟
اعتبر عدد من المراقبين، أن بث الجزيرة مجددًا من مدينة درنة التي ضربها الإعصار دانيال، يعد تحولًا مهمًا في اتجاه التطبيع مع الشرق الليبي، خاصة بعد سنوات من المواجهة المفتوحة بينهما

السياق
من بوابة عاصفة دانيال، حيث الألم الذي اعتصر قلوب الضحايا والمصابين، وُلد الأمل لدولة قطر، للعودة مجددًا إلى شرقي ليبيا، الذي غادرته إثر اتهامها بدعم الإرهاب، وإرسال الأسلحة للمليشيات.
يحدث ذلك بعد أن استضافت -خلال الأشهر الماضية- الفرقاء السياسيين في ليبيا، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي كان برفقته بلقاسم حفتر نجل قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، إضافة إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية (منتهية الولاية) عبدالحميد الدبيبة.
أدوار تبدلت وسياسات جديدة، شقت طريقها إلى العلاقة بين قطر والشرق الليبي، فعادت الدوحة من جديد لتتنفس هواء بنغازي، وعدلت مواقفها المتعنتة ضد الجيش الليبي، وباتت تغطية ذراعها الإعلامية محايدة بعض الشيء.
كيف عادت قطر إلى الشرق؟
بعد أشهر من استضافة مسؤولين ليبيين على أراضيها، وجدت قطر في العاصفة دانيال، التي ضربت شرقي ليبيا، وأدت إلى وفاة وتشريد الآلاف، فرصة للدفع بدبلوماسية المساعدات، للعودة إلى المنطقة التي خرجت وتركتها خالية، فدفعت بالمساعدات عبر طائراتها، وأرفقتها بفريق قناة الجزيرة لتغطية آثار العاصفة.
في بيانها الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الخارجية القطرية، وصول طائرة بمستشفى ميداني وحزمة مساعدات طبية، إلى ليبيا.
بوابة الجزيرة؟
تحول لافت في سياسة قناة الجزيرة القطرية تجاه شرقي ليبيا، فالذراع الإعلامية للدوحة، بدأت تسمي «قوات شرقي ليبيا التابعة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر»، بـ«الجيش الليبي في بنغازي»، بمحاولة منها لإصلاح ما أفسدته قبل ذلك، لتهدئة الأجواء مع قيادة الجيش الليبي.
وفي تغطيتها لآثار العاصفة دانيال من الأرض الليبية، ركزت على وصف الوقائع وتصوير ما يدور على الأرض، من دون التعرض لأي طرف قد يكون مسؤولًا عن الكارثة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولا المساس بالجيش وقيادته العامة.
وفي محاولة من الجيش الليبي لإحكام السيطرة على وسائل الإعلام التي تقاطرت للتغطية، جعلها تعمل تحت إشرافها المباشر، ووفر لها أجهزة البث الفضائي الخاصة به، ومنعها من استعمال أجهزتها الخاصة التي اصطحبتها معها.
ماذا يعني ذلك التحول؟
اعتبر عدد من المراقبين، أن بث الجزيرة مجددًا من مدينة درنة التي ضربها الإعصار دانيال، يعد تحولًا مهمًا في اتجاه التطبيع مع الشرق الليبي، خاصة بعد سنوات من المواجهة المفتوحة بينهما، فالدوحة جندت أذرعها الإعلامية ضد الجيش والبرلمان والحكومة المنبثقة من الأخير، بينما اتهم الجيش مرارًا عبر متحدثه في الدوحة بدعم الإرهاب ببلاده.
وتوقع المراقبون طي صفحة الماضي بعد سنوات التوتر، خاصة أن الدوحة لا تريد أن تترك تلك الساحة خالية لمنافسيها (مصر وتركيا) وتريد أن تنعم بحصة من كعكة إعادة الإعمار في البلد الإفريقي.
في المقابل، يحاول الجيش الليبي تقليل أعدائه في الداخل والخارج، ما يجعله يقبل الدعم القطري ومحاولات الدوحة للتقرب منه، بإصلاحها أخطاء الماضي، حسب المراقبين.
تلك الرؤية عززها الواقع، فلأول مرة منذ سنوات، أعرب المتحدث باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري عن شكر القيادة للدعم الذي تلقته بلاده من عدد من الدول العربية، بينها قطر.
إلا أن هذه التطورات سبقها خطوات، أبرزها:
زيارة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى الدوحة، في سبتمبر 2022، لبحث أوجه تنمية وتعزيز التعاون بين البلدين، الذي كشف عن حضور الاجتماع بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر قائد الجيش.
وفي خطوة إضافية على طريق عودة العلاقات بين الدوحة والشرق، كُلف بلقاسم حفتر من والده بإدارة ملف العلاقات مع النظام القطري.
أسباب التغيير
يقول المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن الوضع الإنساني في درنة والمدن المتضررة من العاصفة، شكل فرصة لإعادة خلط الأوراق من جديد، سواء من الأطراف الداخلية أم الدول الخارجية المتداخلة، مشيرًا إلى أن قطر ليست بمنأى عن ذلك.
وأوضح المحلل السياسي الليبي، أن التحركات القطرية ليست تعديلًا في السياسة، لأن السياسة القطرية بدأت تتغير منذ أكثر من عام، مشيرًا إلى أن خطوة الدوحة باتجاه ليبيا تأكيد لتغير سياستها، ومحاولة تحقيق مكاسب جديدة، تخدم مصالحها.
وأشار إلى أن ما تمر به ليبيا، يستلزم فصل الملفات السياسية عن الوضع الإنساني، متوقعًا أن يشكل هذا التقارب والود الإنساني بوابة لفتح الملفات السياسية.