هل يُدفن الضحايا في السودان من دون معرفة هوياتهم؟

في دقيقتين مع حسينة أوشان

ما جديدُ الحربِ في السودان؟

أسوأُ أيامِ الحُروبِ وأشدُها إيلاما، هيَ تلكَ التي ينصرفُ فيها الآمِلونَ بانتهاءِ الحرب، بعدَ أنْ يئسوا مِنْ إيقافِ المُتحاربين، إلى محاولةِ إيجادِ دفنٍ لائقٍ لضحايا الحرب، والتعرُفِ إلى جُثثهِم.

هذا ما يحدثُ في السودان، الباحثِ عنْ هُدنةٍ قابلةٍ للاستمرار، بينما يُعلنُ الهلالُ الأحمرُ السوداني، أنَ القتالَ أرغمَ المُتطوعينَ على دفنِ مئةٍ وثمانينَ قتيلا، سُحبتْ جُثثهُم مِنْ مناطقِ القتال، مِنْ دونِ معرفةِ هُوياتهِم... وما على العائلاتِ المكلومة، سوى الصمتِ والانتظارِ المُر.

المصيبة أن السودانيين باتوا ملاحقين وهم موتى أيضا، فالهلالُ الأحمرُ السوداني، المدعومُ مِنْ منظماتٍ دولية، يشكو تكبيلَ محاولتهِ في التعرُفْ إلى الجُثث، أو سحبِها، بالقيودِ الأمنية، التي يفرضُها عليهِ طرفا الحرب.

تحدثُ هذهِ المأساة، بينَما يُرددُ البرهانُ ونائبهُ حميدتي، حِرصَهُما على المدنيين... نعم حِرصَهُما.

يبدو أنهُ كانَ علينا أنْ نسأل، إنْ كانا يقصدانِ بأنَهما حريصانِ على المدنيينَ الأموات... لكنْ... ويا للألَم... حتى الحِرصُ على المدنيينَ الأموات، باتَ غَيْـرَ قابلٍ للتصديق...!

2

إلى ماذا يؤشِرُ ترحيلُ مِصريينَ مِنْ ليبيا سيرًا على الأقدام؟

مازالَ يهودُ العالمِ يروونَ قِصةَ تيههِم، حينَ أخرجَهُم فِرعونُ مِصر، منفيينَ إلى الصحراء، في ما يعرفُ بالتيه.

أما نحن، فأصبحَ لدينا كلَ يومٍ تيه، آخِرُها إخراجُ ليبيا المِصريين، مِنْ حُدودِها معَ مِصر، ليعودوا إلى بلادهِم سيرًا على الأقدام... فهلْ هذا يُعقَل؟

هذا لِسانُ حالِ مَنْ شاهدوا الفيديو، الذي أثارَ غضبِ القاهِرة، فما الذي جرى؟

حسبَ جلال حرشاوي، المُحللِ في معهدِ رويال يونايتد للبحثِ في لندن، فإنَ هذا المشهدَ المؤلِم، سياسيٌ بحت، فالضرباتُ الجوية، التي نفذتْها الحكومةُ الليبية، واستهدفتْ مُحيطَ مدينةِ الزاوية، في الغربِ الليبي، تحتَ غِطاءِ مُحاربةِ التهريب.

هذه الغارات، استهدفتْ عائلةَ بوزريبة، المُشتبهِ بضُلوعِها في تهريبِ البشر... وتصادَف... أكررُ تصادَف، أنَها تُعادي رئيسَ الوزراءِ الليبيِ الدبيبة، وتُطالِبُ بتنحيه.

أما في الشرق، فتفسيرُ الحرشاوي سياسيٌ أيضا، بالقولِ إنَ الأمرَ يدلُ على تدهورِ العلاقةِ بينَ حفتر ومِصر.

وأوضحَ أنَ مِصر تدعمُ رئيسَ مجلسِ النوابِ في طبرق، عقيلة صالح، الذي لا يثقُ بهِ حفتر، المُختلِفُ مع القاهرةِ أيضًا على مَنْ يدعمُ في الحربِ السودانية.

3

لماذا تنفي إيرانُ اللقاءَ المُباشِر، بينَ روبرت مالي ومندوبِها الدائمِ لدى الأممِ المُتحِدة؟

شاعَ في الغرب، مُصطلحٌ يصِفُ السياسةَ الإيرانيةَ بحياكةِ السجادة، قاصدينَ بها صَمتَهُم، ونفَسَهُمُ الطويل، وإنْ أدى إلى لا شيء...!

أعتقدُ أنَ مُصطلحًا مِثل "إخفاءِ السجادة"، سيكونُ أقربَ إلى الواقِع.

الإيرانيونَ الماهِرونَ في إخفاءِ ما لا يخفى، ينفونَ لِقاءَ مندوبهِم في الأممِ المُتحدة، سعيد إيرواني بروبرت مالي، المبعوثِ الأمريكيِ للشؤونِ الإيرانيةِ في نيويورك، مراتٍ عِدة، في الأيامِ الأخيرة، حسبَ صحيفةِ الفايننشال تايمز.

وأضافتِ الصحيفة، أنَ هذه المحادثاتِ أولُ لِقاءٍ مُباشِر، بينَ المسؤولينَ الأمريكيينَ والإيرانيين، منذُ قرارِ الرئيسِ الأمريكيِ السابقِ دونالد ترامب، بالانسحابِ مِنَ الاتفاقِ النووي، وبحثتْ إمكانيةَ تبادُل الأسرى.

مِنَ المُتعارفِ عليه، نفيُ هذا النوعِ مِنَ الاجتماعات، حتى تُثمِرَ فاكهةً طازجة، يتقاسمَها الطرفان، في هذهِ الحال، قد تؤدي إلى تبادُلٍ ناجحٍ للأسرى في الولاياتِ المُتحدة، وتحسينِ البيئةِ لأيِ مُحادثاتٍ نووية، إلا أنَ المجهول، هوَ ما ستحصلُ عليه إيران... دعونا نتابع.

4

رحيلُ القشطيني... الإبداعُ يخسرُ مُحاربًا آخَر

عنْ أربعةٍ وتِسعينَ عاما، ماتَ الساخرُ العراقيُ خالد القشطيني...

هذا الخبرُ المُختصَر، كانَ لحياةٍ لا يُمكِنُ اختصارُها، مِثلما فعلَ إعلامُنا، الذي لم يُعطِ القشطيني ولو بعضَ حقِه، بعدَ أنْ قضى نحوَ خمسةٍ وسبعينَ عامًا في العملِ الإبداعي، فِكراً وفَناً وريادة، في كثيرٍ مِنَ الأشكالِ الإبداعية، التي اكتسبَها بدأبهِ وتفاعُلهِ معَ مدارسِ الكتابة، والتصميمِ والإخراجِ المسرحي، خِلالَ وجودهِ في بريطانيا، الذي دامَ ثلاثةَ أرباعِ القرن.

وداعًا لخالد القشطيني، ابنِ المُعلمِ العراقي، الذي اقتطعَ مِنْ لُقمتِه، ليزيدَ ابنَهُ عِلما.

أتمنى -بشخصي المُتواضِع، مِنْ أعماقِ قلبي- أنْ نكُفَ عنِ انتظارِ الموت، لنعرِفَ قيمةَ صانِعي الحياة...!