قرض صندوق النقد... هل تعرقل واشنطن مساعي تونس الاقتصادية؟
قالت ستيفانيا كراكسي، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الإيطالي، إن موقف الولايات المتحدة من تونس مازال صعبًا للغاية، وفي الوقت الحالي لا مخرج.

السياق
نقاط حرجة بلغها المسار التفاوضي بين تونس وصندوق النقد الدولي ومن ورائه الولايات المتحدة، ما يؤزم الوضع الاقتصادي للبلد الإفريقي، ويؤخر حل "أزمة الهجرة" التي تسعى أوروبا لتخفيف وطأتها بالاتفاق مع تونس، خاصة إيطاليا.
وجدد الرئيس التونسي قيس سعيد، رفضه لشروط صندوق النقد الدولي، خلال اجتماع مجلس الأمن القومي، الاثنين.
ويرى سعيد أن إملاءات الصندوق تمس السيادة الوطنية، وتهديد للسلم الاجتماعي.
وأضاف: "بخصوص دعم الميزانية، سنعول على ذواتنا ولن نتنازل أبدًا عن ذرة واحدة من سيادتنا، وليكن واضحًا بالنسبة للعالم كله ولكل التونسيين، أننا لن نتنازل ذرة واحدة عن سيادتنا... وبعد المد لن يأتي جزر".
وتابع سعيد،: "يبدو أن تونس اختارت منح الأولوية لسداد ديونها، لكن ذلك على حساب توريد المنتجات الأساسية".
لا مخرج
خطاب سعيد الأخير الذي كثيرًا ما كرر محتواه، تزامن مع تصريحات لستيفانيا كراكسي، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الإيطالي، التي قالت إن موقف الولايات المتحدة من تونس مازال صعبًا للغاية، وفي الوقت الحالي لا مخرج.
وعن الشروط التي طلبت من تونس، للسماح بتسهيل القرض، قالت كراكسي: "للحصول على شيء حتى في مجال حقوق الإنسان، من الضروري الاستمرار على طريق الحوار الذي يمثل السبيل الوحيد".
وأكدت -في ختام زيارتها إلى واشنطن- أن تونس تواجه صعوبة كبيرة.
وتابعت: "هذه القضايا، التي لها تأثير مباشر في الوضع العام المتعلق بزيادة تدفقات الهجرة غير النظامية نحو إيطاليا، يجب أن تعالَج بطريقة أقل أثقالًا أيديولوجية".
ولم يفضِ الحوار بين تونس وصندوق النقد الدولي إلى نتائج، رغم الدعوات التي وُجهت إلى الصندوق، لتمكين البلد الإفريقي من قسط القرض الأول، الذي يبلغ 1.9 مليار دولار.
صفقة المليار
في يوليو الماضي، وقَّع الاتحاد الأوروبي اتفاقًا مع تونس، بدعم من رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية جيورجيا ميلوني، وعدت فيه حكومة سعيد بمنع المعابر وتسريع عودة أولئك الذين وصلوا بشكل غير قانوني إلى أوروبا من تونس.
وأبرمت الصفقة مقابل مليار يورو (1.1 مليار دولار) كمساعدة للاقتصاد التونسي المنهار، إلا أن الأموال لم تصرف، حسب "فورين بوليسي"، التي قالت إنها تأتي في أعقاب صفقة بـ 6 مليارات يورو (6.4 مليار دولار) مع تركيا، حيث يمنح الأتراك السفر من دون تأشيرة إلى أوروبا، مقابل وقف المهاجرين غير المشروعين.
وتحاول إيطاليا ودول أوربية، حث صندوق النقد الدولي على مساعدة تونس، بمنحها الدفعة المطلوبة من القرض، على أن يبحث أمر "الإصلاحات" لاحقًا، لكن ذلك -حسب محللين- يتعارض مع رغبة الولايات المتحدة.
نحو المجهول
أنتوني بلينكن، كان قد حذر مما سماه "سير الاقتصاد في تونس نحو المجهول".
وأضاف وزير الخارجية الأمريكي، أن الحكومة التونسية أمامها حل "التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي".
وكثيرًا ما انتقدت الولايات المتحدة تعامل تونس مع اللاجئين، وعبرت -غير مرة- عن "قلقها البالغ" إزاء تصريحات قيس سعيد بشأن الهجرة غير النظامية.
وكثيرًا ما أكد الرئيس التونسي قيس سعيد رفضه القاطع لتوطين اللاجئين في تونس، وأن بلاده لن تكون حارسة لحدود أي دولة أخرى.
وتحدث عن مخاوف "تهديد ديموغرافي" في بلاده نتيجة توافد المهاجرين إليها.
وتتهم منظمات حقوقية قيس سعيد، برفع مستوى الكراهية ضد اللاجئين بسبب خطاباته.
التوطين
وفي أحدث تصريح عن أزمة المهاجرين التي تعيشها تونس، قال وزير الخارجية نبيل عمار إن بلاده لن تقبل "بالتوطين المبطن للمهاجرين غير النظاميين".
وأدان وزير الخارجية التونسي، ما وصفه بالاستغلال السياسي والإعلامي لمعاناة ضحايا الهجرة غير النظامية، لخدمة الأجندات السياسية.
وأضاف عمار -أثناء كلمة في الأمم المتحدة- أن ظاهرة الهجرة غير النظامية تفاقمت في المنطقة، بسبب ضعف مستويات التنمية في عديد من دول القارة الإفريقية، وطول أمد النزاعات، وآثار التغيرات المناخية.
وذكر أن من أسباب تفاقم تلك الظاهرة أيضًا، استغلال الشبكات الإجرامية لهشاشة وضع آلاف الباحثين عن فرص حياة أفضل، للمتاجرة بهم.
شبكات إجرامية
بدوره قال لويجي أتشيلي، باحث أول بمركز سياسات الهجرة في معهد الجامعة الأوروبية، إن الحكومات الأوروبية تتحمل مسؤولية تهريب المهاجرين، مشيراً إلى أن مهربي البشر "مسؤولون ظاهريًا فقط".
وأرجع الباحث الأوروبي ذلك إلى غلق الحكومات "القنوات المشروعة للحركة".
وأضاف أتشيلي في مقابلة مع "السياق": "ما يحدث أن المهاجرين -نهاية المطاف- يجدون أنفسهم مضطرين للاعتماد على خدمات شبكات إجرامية، ما أدى بالتأكيد إلى زيادة العبور غير النظامي للبحر المتوسط".
ويفر معظم الوافدين من القتال في بوركينا فاسو ومالي والسودان والكاميرون، بخلاف الأوضاع السياسية والاقتصادية في ساحل العاج وغينيا وإريتريا وتونس ومصر.