كيف أثرت انقلابات إفريقيا في مصداقية الولايات المتحدة؟

من الضحية الأولى في سلسلة الانقلابات الأفريقية؟

كيف أثرت انقلابات إفريقيا في مصداقية الولايات المتحدة؟

ترجمات – السياق

سلسلة الانقلابات التي التش شهدتها القارة الإفريقية مؤخرًا، ألحقت أضرارًا بالعديد من الدول، التي تتمتع بعلاقات تاريخية بالقارة السمراء، إلا أن الولايات المتحدة تعد الخاسر الأكبر حتى الآن، وفق أليكس ثورستون الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة سينسيناتي في الولايات المتحدة.

ويرى ثورستون، في تحليل بموقع ريسبونسبل ستيتكرافت الأمريكي، أن على البيت الأبيض أن يتخذ موقفًا مما يحدث... وفورًا".

وشهدت مجموعة من الدول الإفريقية انقلابات، خلال الأعوام الماضية، منها: (الغابون، ومالي، والنيغر، وبوركينا فاسو وغينيا بيساو، وغامبيا، وجزيرة ساو تومي وبرينسيبي، والسودان، وإفريقيا الوسطى).

 

مناورات

في 25 سبتمبر، أعلنت الحكومة العسكرية في مالي، أنها ستؤجل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في فبراير 2024، وتحدثت السلطات عن أسباب فنية للتأجيل، ولم تحدد موعدًا بديلًا.

وبالنظر إلى تصرفات المجلس العسكري، منذ توليه السلطة عام 2020، يبدو أن هذا التأخير هو الأحدث في المناورات التي يقوم بها لتمديد حكمه، رغم فشله -بشكل فادح- في وعوده باستعادة الأمن.

ويرى ثورستون، أن الولايات المتحدة لم يعد لها تأثير يذكر في ما يحدث بباماكو، لكن من خلال اتخاذ موقف واضح وعلني ضد الحكم العسكري المفتوح، في مالي ودول أخرى بالمنطقة، يمكن لواشنطن تعزيز مصداقيتها على المدى البعيد.

وشملت الموجة الأخيرة من الانقلابات عددًا من الدول في منطقة الساحل وأماكن أخرى في إفريقيا، وسط تشبث القادة العسكريين بالسلطة ورفضهم نقلها إلى المدنيين.

 

قواعد اللعبة

استولى العسكريون على السلطة في مالي (2020)، وتشاد (2021)، وبوركينا فاسو (2022)، والنيجر (2023)، إضافة إلى غينيا (2021) والسودان (2021)، وكأنهم - يستحضرون أيام الحروب الأهلية المظلمة، وفق الكاتب.

ووسط الحديث عن "عدوى الانقلابات"، كان لكل انقلاب أسبابه، لكن المُعدي قواعد اللعب التي يتبعها صانعو الانقلابات.

لقد كان العقيد المالي عاصمي غويتا ورفاقه، المحركين الرئيسين في وضع قواعد اللعبة هذه، حيث مددوا "عمليتهم الانتقالية" مرارًا وتكرارًا.

 

ضعف الدبلوماسية الغربية

ووصل غويتا ورفاقه إلى السلطة في أغسطس 2020، وعينوا سلطة انتقالية بقيادة مدنية، وأطاحوا من عينوهم من المدنيين بـ"انقلاب داخل انقلاب" في مايو 2021، وتحدوا العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس)، وأطاحوا الفترة الانتقالية التي كانت مقررة حتى عام 2024، وبدأوا التلاعب بهذا الجدول الزمني.

وحسب الكاتب، كشفت تصرفات جنرالات مالي المتكررة، عن ضعف الدبلوماسيين الإقليميين والغربيين.

فقد سعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا -لأول مرة- إلى فرض جدول زمني مدته 18 شهرًا في أغسطس 2020، على أن تجرى الانتخابات في فبراير 2024، لكن هذا الجدول الزمني أطيح من قِبل القادة العسكريين.

وحذر الكاتب من أن "ما يحدث في مالي ستكون له تداعيات خطرة على البلدان الأخرى"، مشيرًا إلى أن بعض الجنرالات في الدول الأخرى -التي شهدت انقلابات مؤخرًا- على اتصال وثيق بالمجلس العسكري في مالي، ومن ثمّ قد يسيرون على نهجهم، ويضربون بجداولهم الزمنية الانتقالية عرض الحائط.

 

خيارات محدودة

وأوضح أن الولايات المتحدة لا تملك كثيرًا من الخيارات الجيدة، سواء في مالي أم في أي مكان آخر بالمنطقة.

وتخشى واشنطن، أن "يقلل انتقاد الطغمة العسكرية واستعداءها من أي تأثير قد تمارسه الولايات المتحدة في منطقة الساحل".

لذلك، تفضل الولايات المتحدة التعامل مع دول المنطقة وانقلاباتها كل على حدة، حيث تستهجن الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو، بينما تظهر موقفًا أكثر تناقضًا -وحتى تساهلاً- تجاه الانقلابات في تشاد والنيجر.

وأضاف الكاتب: "من المؤكد أن الانتقاد له تكاليف دبلوماسية، مثلما حدث مع فرنسا في مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، حيث أصبح جنودها ودبلوماسيوها غير مرحب بهم في هذه الدول".

 

أين النفوذ الأمريكي؟

ويرى ثورستون أن الحديث عن "نفوذ" الولايات المتحدة في المنطقة مبالغ فيه، مشيرًا إلى أنه بعد 20 عامًا من برامج التدريب العسكري، ليس لدى الولايات المتحدة أي إنجاز مهم ودائم، في مجال مكافحة الإرهاب بهذه المنطقة.

وعلى الجانب السياسي، إذا تجنبت الولايات المتحدة رد الفعل العنيف الذي استقبلته فرنسا، فإنها لم تتمكن أيضًا من إقناع جنودها بالعودة إلى ثكناتهم، أو حتى التخفيف من تجاوزات بعض القادة المدنيين المفضلين لديها.

ويرى الكاتب، أن قرار الرئيس السنغالي ماكي سال، بعدم الترشح لولاية ثالثة عام 2024 يعد نقطة مضيئة وحيدة في المنطقة.

ورغم أن القرار يعكس الضغوط الدولية التي يتعرض لها "سال" في الكواليس، فإنه "يواصل قمع المعارضة بشدة".

وبالنظر إلى أن النفوذ الأمريكي لم يثنِ منحنى المنطقة بشكل ملحوظ، خصوصًا في ما يتعلق بانعدام الأمن المتوطن أو عسكرة السياسة، فسيكون من الأفضل للبيت الأبيض، أن يكون متسقًا وصريحًا وواضحًا، عندما يتعلق الأمر بإدانة الانقلابات والجداول الزمنية الانتقالية المشوهة.

فحتى 30 سبتمبر -على سبيل المثال- لم تصدر الولايات المتحدة بيانًا واحدًا ينتقد تأخير المجلس العسكري في مالي للانتخابات.

كما لم توضح الولايات المتحدة -بعد أكثر من شهرين على الانقلاب في النيغر- ما إذا كانت تعد الاستيلاء على السلطة انقلابًا من الناحية القانونية، وهو القرار الذي يؤدي إلى تعليق قدر كبير من المساعدات المقدمة للنيغر.

 

دعم الانقلابات

وكما علق أحد المحللين مؤخرًا، فإن السماح للغموض بالتفاقم عندما يتعلق الأمر بموقف الولايات المتحدة من النيجر، وصفة لتفاقم نظرية المؤامرة، بشأن ما إذا كانت واشنطن والقوى الغربية الأخرى، تدعم بالفعل الانقلابات في المنطقة.

ويرى الكاتب، أن التحدث علنًا في اللحظات الحاسمة، يثير التوبيخ من باماكو ونيامي، لكن من شأنه أيضًا أن يرسل إشارات حيوية إلى القوى الفاعلة في منطقة الساحل، في إشارة إلى الشعوب من جهة والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من جهة أخرى.

وأوضح أن سكان المنطقة جمهور واشنطن الأكثر أهمية في هذه المرحلة، لأن تشكيل تصورات إيجابية عن الولايات المتحدة على المدى الطويل، أكثر أهمية من الالتفاف حول الجنرالات، الذين يحكمون العواصم بالقوة.

علاوة على ذلك، على المدى الطويل، من مصلحة الولايات المتحدة تقديم الدعم المعنوي للثقافة الديمقراطية الشعبية الحقيقية في المنطقة، التي تمثل التاريخ الأبرز لمنطقة الساحل.

وفي الوقت الحالي، ينبغي للولايات المتحدة ألا تدعم ماديًا المنظمات المدنية، التي تسعى إلى تحدي الطغمة العسكرية سياسيًا، لأن ذلك يمكن أن يُشكل مخاطر كبيرة على هؤلاء المدنيين، ويمكن أن يسبب مخاطر غير ضرورية على مصداقية الولايات المتحدة نفسها، وفق الكاتب.

 

التاريخ الاستعماري

من خلال إعلانها صراحةً أن الحكم العسكري غير مقبول، يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في تحديد التوقعات بأن المعايير، وليست الجهود الفظة والمضللة في السياسة الواقعية، هي التي ستوجه سياسات واشنطن وغيرها تجاه منطقة الساحل.

وأشار الكاتب إلى أن انتقاد الحكام العسكريين في المنطقة علنًا والضغط عليهم سرًا، لا يعني أن واشنطن ستكون مكروهة بقدر باريس.

وذكر بأن "واشنطن لا تحمل التاريخ الاستعماري لباريس، بينما تعامل المسؤولون الفرنسيون -بدءًا من الرئيس إيمانويل ماكرون وصولاً إلى السفراء- بغطرسة كبيرة مع المنطقة، ما أهدر عديد الفرص السهلة للظهور بمظهر مرن ومتواضع".

وشدد على أنه "يمكن للولايات المتحدة أن تكون ناقدًا أكثر ودية، من خلال توضيح أنها لا توافق على اختيارات المجلس العسكري، مع ترك الباب مفتوحًا للحوار".