قضايا المهاجرين في قلب مهرجان البندقية السينمائي
دأب كبار السينمائيين، الذين تتمحور أعمالهم على المواضيع الاجتماعية والسياسية، على تناول الاندماج في المجتمعات الغربية وكراهية الأجانب، ومنهم مثلاً الأخَوان جان بيار ولوك داردين.

السياق
فرضت محنة المهاجرين، الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا نفسها، كموضوع سياسي طاغٍ في مهرجان البندقية، المدينة المطلّة على البحر المتوسط، الذي أصبح مقبرة لآلاف من طالبي العيش على ضفته الشمالية.
ودأب كبار السينمائيين، الذين تتمحور أعمالهم على المواضيع الاجتماعية والسياسية، على تناول الاندماج في المجتمعات الغربية وكراهية الأجانب، ومنهم مثلاً الأخَوان جان بيار ولوك داردين اللذان حاز شريطهما "توري إيه لوكيتا" جائزة في مهرجان كان، عام 2022، والبريطاني كين لوتش الذي عُرِض فيلمه "ذي أولد أوك" هذه السنة في "كان" أيضاً.
لكنّ لطرح الموضوع في البندقية بالذات دلالة مهمة، إذ إن إيطاليا التي تتولى السلطة فيها حكومة يمينية متطرفة، منذ الانتخابات التي أجريت قبل عام، تقف على خط المواجهة الأمامي في مسألة المهاجرين، الذين يحاولون الانتقال إلى أوروبا. وقد وصل إلى اليوم أكثر من 105 آلاف مهاجر إلى إيطاليا منذ بداية السنة، أي أكثر من الضعف مقارنة بعام 2022.
الأسد الذهبي
أشارت الأمم المتحدة إلى أن أكثر من ألفَي مهاجر لقوا حتفهم منذ يناير الفائت، خلال محاولتهم عبور البحر المتوسط، الذي بات عدد الذين يقضون في مياهه الأعلى بين طرق الهجرة في العالم.
وسعى مخرج "غومورا" ماتيو غارون إلى التعريف بهؤلاء المهاجرين وإخراجهم من دائرة المجهولين، بفيلمه Moi, Capitaine (أي "أنا، القبطان") المشاركة في مسابقة مهرجان البندقية والطامح إلى الفوز بجائزة الأسد الذهبي.
ويروي الفيلم القصة الملحمية لمراهقَين سنغاليَين هما سيدو (سيدو سار) وقريبه موسى (مصطفى فال)، اللذان قرّرا ترك عائلتهما من دون إنذار ليجرّبا حظّهما في أوروبا.
وتفادى المخرج مقاربة الموضوع من زاوية البؤس، وركّز في المقابل على المخاطر التي واجهت الشابين، كرحلتهما الطويلة والشاقة عبر الصحراء، والتعذيب الذي تعرضا له في السجون الليبية، والعبودية.
وتوجه الشابان إلى إيطاليا بقارب مكتظ بالمهاجرين.
وأوضح ماتيو غارون (54 عاماً)، أن الفيلم الذي لا يتناول الأسباب التي تدفع الشباب السنغاليين إلى مغادرة بلدانهم، يهدف إلى أن يكون مختلفاً "عن المألوف".
سرد الرحلة
وقال غارون: "منذ سنوات، نرى قوارب تصل من البحر المتوسط. في بعض الأحيان يمكن إنقاذها، وفي أحيان أخرى لا".
وتابع: "بمرور الوقت، يعتاد الناس النظر إلى هؤلاء على أنهم أرقام ليس إلاّ، وينسون أن وراءهم عالمًا كاملاً، وعائلات، وأحلاماً، ورغبات".
وشرح أن "الفكرة تتمثل في وضع الكاميرا على الجانب الآخر، أي في إفريقيا، وتوجيهها نحو أوروبا، لسرد رحلتهم وقبل كل شيء عيشها معهم". ولإنجاز هذا الفيلم، أجرى المخرج أبحاثًا مكثفة، لاسيما من خلال جمع شهادات من المهاجرين.
ويتجاوز الفيلم ذلك، فيثير مسؤولية الأوروبيين الذين تركوا لأنظمة على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط إدارة جزء من سياسة الهجرة بالوكالة عنهم، أو تتقاذف دولة الكرة لتجنب تقديم المساعدة لقوارب المهاجرين التي تواجه صعوبات في عرض البحر.
دفن الرؤوس
تنافس على الدب الذهبي في البندقية أيضاً، مخرجة أوروبية كبيرة هي البولندية أنييشكا هولاند بفيلمها "غرين بوردر".
ودعت هولاند الأوروبيين إلى الكف عن "دفن رؤوسهم في الرمل" لمواجهة الوضع على حدودهم.
وأوضحت أنييشكا (74 سنة) أن "الناس لا يريدون أن يروا ما يحدث على الحدود، ولهذا السبب أنجزت هذا الفيلم".
ويُعدّ فيلمها المصور بالأبيض والأسود، ومدته ساعتان ونصف الساعة، لوحة واضحة وصريحة لوضع المهاجرين الآتين من سوريا وأفغانستان وإفريقيا، الذين تعرّضوا للتقاذف بين بولندا وبيلاروس عام 2021، وتحوّلوا لأسرى لعبة دبلوماسية خارجة عن إرادتهم.
ويهدف الفيلم المُدرج أيضاً في المسابقة إلى "إنصاف أولئك الذين أسكِتوا".
وأثار الفيلم حفيظة الحكومة البولندية، التي هاجمت لفظياً المخرجة التي رُشِّحَت أكثر من مرة لجوائز الأوسكار، والتي عاشت بين ألمانيا وبولندا وفرنسا والولايات المتحدة، حيث أخرجت حلقات من مسلسلات ناجحة مثل "ذي واير" و"ذي كيلينغ" "هاوس أوف كاردز".
لا يكفي ذلك لإرضاء أنييشكا هولاند، إذ حذرت من أن أوروبا ستصبح "حصنًا، حيث سنقتل نحن الأوروبيين الذين يسعون للوصول إلى قارتنا".