سردية مختلفة لأحداث النيجر كما لم يروِها أحد من قبل.. في دقيقتين مع حسينة أوشان
في دقيقتين مع حسينة أوشان
ماذا حدَثَ في النيجر؟!
ضِمنَ تصورهِ الموسوم، بالنظريةِ الدرامية، طوّرَ (إيرفنغ غوفمان) مدخلاً سوسيولوجياً لفَهمِ السّلوك، والتفاعُلاتِ الإنسانية، مِنَ خِلالِ تصويرِهِ للحياةِ الاجتماعية، على أنَّها دراما مسرحية، مشحونةٌ بالأدوارِ التمثيليّة.
هذا أيضًا يحدثُ في السياسة.
إذاً، دعونا نستمعُ إلى هذهِ السرديَّةِ المُختلِفةِ لأحداثِ النيجر، كما لم يروِها أحَدٌ مِنْ قَبل.
هلْ تتذكرونَ كيفَ تقاسمَ دميتري مديفيدف وصديقُهُ فلاديمير بوتين (بُطولةَ) مسرحيةِ الرئاسةِ الروسية، عِندما حَكمَ الأولُ فترةً مِنَ أجلِ أنْ يعودَ الثاني، مِنْ دونِ خَرقٍ واضحٍ للقانون؟!
تصوروا، ماذا كانَ سيحدث، لو نقضَ ميدفيديف عهدَه، وقررَ الاستمرارَ رئيسًا لروسيا؟!
في النيجر، حدثَ أمرٌ مُماثِل، فقدْ كانَ الرئيسُ المُنقلَبُ عليه، محمد بازوم، الذراعَ اليُمنى للرئيسِ السابقِ محمدو إي سوفو"، المُنتمي إلى جماعةِ الهَوَسا، أكبرِ مجموعةٍ عِرقيةٍ في البلاد,الذي حَكمَ عَشْرَ سنوات.
رُبما اختارَ الرجلُ، بازوم، مِنْ خِلالِ تطبيقِ النظريةِ الدراميةِ لغوفمان، على الفضاءِ السياسيِ النيجريِ شديدِ السيولة، فقدْ كانتْ خُطتُهُ أنْ يحكُمَ خلَفُه، المُنتمي عِرقياً إلى جماعةِ (عربِ ديفا) و التي تُمثّل واحِدًا في المئةِ فقط، مِنْ سُكانِ النيجر، خمسَ سنوات، ثُمَ يَرُدُ إليهِ بضاعتَه.
لكنْ يبدو أنَ مقامَ الرئاسةِ طابَ لبازوم، ولمْ يكتفِ بدورِ (المُحلِل الشرعي)، إذْ لمْ يجلسْ على الكُرسي الساحِر، إلا ثلاثَ سنوات، حتى قررَ الاستمرارَ في رئاسةِ الدولة، وحِزبِ النيجر مِنْ أجلِ الديمقراطيةِ والاشتراكية، الحاكِم، وإلاّ لماذا شرَعَ في كلِ هذهِ الإصلاحات؟
ماذا يعتزمُ بوعزوم (بازوم)، وماذا ينوي، ولماذا يُخطِط؟
إنَّ مُجردَ التفكير، في تغييرِ طبيعةِ النُخبةِ الحاكمةِ في بلدٍ إفريقي، مِثلَ حَلِ الحرسِ الجمهوري، وإعادةِ النظرِ في معاشاتِ الضباطِ الضخمة، ورفضِ لَعِبِ دورِ حاكمِ (الواجِهة) إزاءَ الحاكِمِ الفِعلي، الذي يُديرُ البِلادَ مِنْ وراءِ سِتار، قدْ يقودُ إلى(القارِعة).
رُبما ظنَ (بازوم) أنَهُ سينجَح، كما نجحَ الرئيسُ السودانيُ المخلوع، عمر البشير، فحينَ جاءَ بهِ عرّابُ الإخوانِ ، حسن التُرابي، مِنْ أحراشِ الجنوب، حيثُ كانَ ضابطاً مغموراً ينتمي إلى الجماعة، قالَ لهُ بوضوح: "اذهبْ إلى القصرِ رئيسا، وسأذهبُ إلى السِجنِ حبيسا".
لكنَ البشيرَ انقلبَ على عرابِه، ومكثَ ثلاثةَ عُقود، حاكِماً فرداً صمدا.
حاولَ بازوم أيضا، بيدَ أنَهُ وجدَ نفسَهُ على قارِعةِ (القَصْر).
يبدو أنَ الأمورَ تسرّبت، مِنْ بينِ أصابعِهِ الواهِنة، فقبضةُ الحرسِ القديمِ لا تزالُ قوية، لذلكَ ستمضي الأمور -في الغالِب- وفقاً لمشيئتِه، رُبما يحكمُ سَنةً أو اثنيتن، ليعودَ "إي سوفو" عبرَ صندوقِ انتخاباتٍ مثقوب، ويستأثِرَ بالحُكمِ إلى ما شاءَ اللهُ لَه.
هذهِ هيَ الحِكاية، المكتوبةُ على خلفيةِ مسرحِ (نيامي) الوطَني.
2
(أيامُ السوادنة)... هل ثمة (بسوس) جديدة، تلوحُ في الأفُق؟
أصلُ الحِكايةِ مُقتبَسٌ مِنْ عِبارةِ (أيامِ العرب)، والصحيحُ حُروبُ العرب، إذ إنَ أيامَ العرب، ليستْ سِوى توثيقٍ شِعريٍ للوقائعِ الحربية، التي دارتْ بينَ القبائل، إبانَ ما عُرفتْ بحِقبةِ الجاهِلية.
حينَها، وبسببِ العصبيةِ القبلية، سُفِكَتْ دِماءٌ كثيرة، وتوالتِ الوقائعُ في بعضِها زُهاءَ أربعينَ عاما، كحربَي البسوس وداحس والغبراء.
الآن، تلوحُ في الأفُقِ السودانيِ الدامي، جاهليةٌ جديدة، رُبما إنْ حدثت -لا قدّرَ الله- سيوثَّقُ لها تحتَ عنوانِ (أيامِ السوادنة)، فالحربُ الدائرةُ الآن، مُرشحةٌ للانزلاقِ إلى حَربٍ أهليةٍ شامِلة، لا تُبقي ولا تذَر.
أربعةُ أشهرٍ انصرمت، والخامسُ يلوح، بينما الحربُ السودانيةُ لا تزال (مكانك سِرْ) بلغةِ التدريباتِ العسكريّة.
لا تبدو -في أفُقِ أيٍ مِنَ الطرفَيْنِ المُتنازِعَيْن- بِشاراتُ نَصرٍ مُؤزِرٍ وحاسِم.
كلُ شيءٍ مُتأرجِحٌ في الخرطوم، باستثناءِ مؤشرِ تحولِ المعركة، بينَ الجيشِ وقواتِ الدعمِ السريع، إلى حَربٍ أهلية، تتكسرُ خِلالَها النِصالُ على النِصال.
انتِصاراتٌ صغيرةٌ على الأرض، وحَربُ كلاميةٌ على وسائلِ التواصُل، تُغذّي القتلَ وسَفكَ الدمِ الحرام، وتحُفّزُ الانتِماءَ القبَلي، مِنْ خِلالِ تحطيمِ الصورةِ الذهنيةِ لمؤسساتِ الدولة، وتسفيهِ مفاهيمِ الحداثة، مِثلَ القوميةِ والوطنية.
لا مُنتصِر، في حَربٍ قبَلية، والجميعُ خاسِرونَ لا شك.
إذا اندلعتْ (بسوسٌ) سودانية، رُبما -نسمعُ حينَها- مهلهلاً يًرثي كُليباً
"دَعَوتُكَ يا كُلَيبُ فَلَم تُجِبني... وَكَيفَ يُجيبُني البَلَدُ القِفارُ"؟!
حالةُ العجز، التي تسودُ أداءَ الطرفين، على أرضِ المعركة، هيَ التي تمنعُ بروزَ إرادةِ السلامِ لديهِما.
سيفقدانِ إذاً -بمرورِ الوقتِ - السيطرةَ على قواتهِما، ما يزيدُ احتمالاتِ ظهورِ أمراءِ حرب، خارجَ سيطرةِ القيادتَيْن، يعتمدونَ على الاستقطابِ القَبَليِ أو الجِهوي.
ما يخشاهُ السودانيون، هوَ هذا السيناريو، مناطقُ صغيرةٌ معزولةٌ عنِ المركز، يديرُها أمراءُ حرب، كحالتَي الصومالِ وليبيا، على سبيلِ المِثال.
لولا دعوةُ قائدِ الجيش، تحتَ ضغطِ جماعةِ الإخوان -مُمثلةً في حِزبِ المؤتمرِ الوطنيِ المحلول- إلى استِنفارِ الشعبِ السوداني، لظلتِ الحرب، بينَ الجيشِ وابنهِ المُدلَلِ (الدعمِ السريع).
استِنفارُ البرهان، الذي تولي الترويجَ لهُ قادةُ (الكيزان)، الفارونَ مِنْ سِجنِ (كوبَرْ)، صُمِّمَ على أساسٍ قَبَلي وجِهوي، الأمرُ الذي قابلَهُ "الدعمُ السريع"، باصطفافٍ موازٍ ومُضاد، قبيلةً بقبيلة، وجغرافيا بجغرافيا.
ما كانَ سائداً قبلَ (الاستِنفار)، كانَ أقربَ إلى حربِ الوكالة، فكلٌ مِنَ الطرفين، مُتهمٌ بالقتالِ نيابةً عنْ جِهةٍ ما، وليس أصالةً عنْ نفسِه.
في حَربٍ مِثلَ هذه، يلجأُ الوكلاءُ إلى حُلولٍ بديلة، سِلميةٍ في الغالِب.
سيبحثونَ كلَما طالَ أمدُ الحرب، عنْ صفقاتٍ بديلة، تحالُفاتٍ جديدة، خِياراتٍ أخرى، وتنتهي الحربُ بتسويةٍ سياسيةٍ .
لكن، في الحربِ الأهليةِ ذاتِ الطابعِ القبَلي، فإنَ قتلَ ناقة، يمكنُ أنْ يجعلَ الحربَ تستمرُ أربعينَ عاما، ويصبحُ الوطنُ قفراً يباباً، أو قافيةً في قصيدةٍ عمودية، محشوةٍ بالأكاذيبِ والبطولاتِ الزائفة.
"تركْنا الخيلَ عاكِفةً عليه... مُقلَدةً أعِنتُها، صُفونا".
3
اعتِقالُ عمران خان... هَلْ هوَ "مُطاردةُ الساحِرات"؟
عامَ ألفين وثمانيةَ عشَر، قالَ أسطورةِ الكريكيت، الذي قادَ باكستانَ لفوزِها الوحيدِ بكأسِ العالَم، في اثنين وتِسْعين، أمامَ مئاتِ الآلافِ مِنْ مؤيديه، إنَّ هدفَهُ هوَ تحويلُ بلدِه، مِنْ دَولةٍ تُهمينُ عليها فئةٌ صغيرةٌ مِنَ الأثرياء، مُقابلَ مُحيطٍ هادِرٍ مِنَ الفقراء، إلى نظامٍ إنسانيٍ عادِل، ودَولةٍ للرفاهية، لذلكَ فازَ بالانتِخابات.
لم يحدثْ ذلكَ بطبيعةِ الحال، ثُمَ أقيلَ بعدَ تصويتِ البرلمان، بسحبِ الثقةِ مِنه، العامَ الماضي، إثرَ خلافاتهِ معَ قادةِ الجيشِ الباكستاني، في أبريل ألفين واثنين وعِشْرين.
الآن، يَقبعُ الرجلُ خَلفَ القضبان، بعدَ أنْ حُكمَ عليه، في الخامسِ مِنْ أغسطس، بالسَجنِ ثلاثَ سنوات، بتُهمةِ بيعِ هدايا، تلقاها عندما كانَ رئيساً للوزراء، بشكلٍ غَيرِ قانوني.
رُبما تُنهي هذهِ الإدانةُ مُستقبلَ عمران السياسي، لكنَّ المؤكدَ أنَها ستحولُ دونَ خوضهِ الانتخاباتِ، في نوفمبر المُقبل.
"أوجِهُ لكم نداءً واحِداً فقط، لا تقِفوا صامِتين"، هذهِ هيَ العبارةُ التي استخدمَها خان، ضِمنَ مقطعِ فيديو، بثَهُ على وسائلِ التواصُلِ الاجتماعي، قبلَ دقائقَ مِنَ اعتقالِه، لِحَثِّ أنصارهِ على الخروجِ مِنْ أجلِه، والاحتجاجِ السِلمي.
لا أفهم، لِماذا يُصِرُ على الدفعِ بأنصارِه، كوقودٍ لحربهِ الشخصيةِ والسياسية...!
منذُ إطاحتِه، مُنعتْ وسائلُ الإعلامِ حتى مِنْ ذِكرِ اسمِه، كما نجا مِنْ مُحاولةِ اغتيال، واعتقالاتٍ عِدة، ومُلاحقاتٍ بتُهمٍ كثيرة، تفوقُ المئة، يصفُها خان دائماً بأنَها سياسية.
مُطاردةُ الساحرات، التي وردتْ في السؤال، تُذكِرُنا بترامب، كان يستخدم العبارة نفسها ..و هناكَ الان مَنْ يصِفُ ما يحدثُ لعمران خان، بأنهُ شبيهُ بما حدثَ لترامب.
هَلْ خان بريء؟
هُنا علينا التوقُف، عِندَ اعترافٍ نادرٍ واستثنائي، لقائدِ الجيشِ الباكستانيِ السابِق، الجنرال قمر جاويد باجو، بأنَّ مؤسستَهُ لا تزالُ تواصِلُ عُقودًا مِنْ تدخُلِها "غَيرِ الدستوريِ" في السياسةِ الوطنية.
لا أعرفُ ما إذا كانَ خان بريئاً أمْ مُذنباً، ولا أعرفُ ماذا يحدثُ بعدَ ذلك.
ما أستطيعُ قولَه، أنَّ الديمقراطيةَ أصبحتْ مُهدَدة في كل مكان ، بما في ذلك الولايات المُتحدة.