التعاون الاقتصادي الخليجي الإسرائيلي ... مكسب فلسطيني
رغم انتقاد قيادات فلسطينية، لاتفاقيات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل، فمن المرجح أن يستفيد الفلسطينيون من تحسين علاقات إسرائيل مع العرب

ترجمة- "السياق":
أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة خُـططًا لاستثمار 10 مليارات دولار في إسرائيل، تستهدف قطاعات رئيسة كالطاقة والمياه والرعاية الصحية.
ورغم انتقاد قيادات فلسطينية، لاتفاقيات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل، فمن المرجح أن يستفيد الفلسطينيون من تحسين علاقات إسرائيل مع العرب، كما أن التعاون التجاري بين إسرائيل ودول الخليج، يمكن أن يعزِّز الاقتصاد الفلسطيني في وقت حرج، إذا سمحت القيادة الفلسطينية بذلك.
ويُعدُّ التعاون الاقتصادي، من المصالح المشتركة، التي تقود علاقات إسرائيل الناشئة بدول الخليج، إضافة إلى الخصومة المشتركة لإيران، ويتوقَّع وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين، أن يصل التبادل التجاري السنوي، بين الإمارات وبلاده، إلى 4 مليارات دولار، في غضون 3 إلى 5 أعوام.
ويتوقع رجل أعمال إماراتي، أن يصل هذا التبادل إلى 5 مليارات دولار سنوياً، بينما ترى وزارة المالية الإسرائيلية، أنه قد يصل إلى 6.5 مليار دولار سنوياً، يُتوقع أن تشمل المجالات الرئيسة للتعاون الإماراتي الإسرائيلي، التطوير المشترك للطاقة الشمسية، الاستثمارات في الأبحاث والتطوير، والأمن الغذائي، فضلاً عن الأمن السيبراني والطب والزراعة، التي ستكون ذات أهمية كبيرة.
وهناك طرق عدة، يمكن من خلالها لرجال الأعمال والعمال الفلسطينيين، القيام بدور مهم في تلك المعاملات، فعلى سبيل المثال، قد تجمع الشراكات الثلاثية، بين رأس المال الخليجي العربي والتكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة ورجال الأعمال والعمال والباحثين الفلسطينيين، إذ يُجيدُ كثيرون من الفلسطينيين اللغتين العرببية والعبرية، ما يمكنهم من تسهيل الشراكات بين إسرائيل ودول الخليج.
وألمح مسؤولون إماراتيون، إلى أن جزءًا من رؤيتهم يتعلَّقُ بإيجاد طرق لتشجيع مشاركة الفلسطينيين، بما يفيدهم والمنطقة على نطاق واسع، إذ ناقش عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد في دولة الإمارات، كيف يمكن للصفقات والمبادرات الاقتصادية الإماراتية الإسرائيلية، أن تؤثر بشكل إيجابي في الفلسطينيين.
ولتنفيذ هذه الرؤية، على إسرائيل والإمارات والبحرين -وبتسهيل من الولايات المتحدة- عرض مبادرات لإدراج قطاعات الصناعة والأعمال الفلسطينية، ضمن جهود التعاون بين الدول الثلاث، إذ يوجد نوعان من البرامج الناجحة، التي يمكن أن توفر نموذجاً لهذا التعاون.
تأسس برنامج التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط (MERC) عام 1981 لتعزيز التعاون البحثي، بين العلماء المصريين والإسرائيليين، بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وتوسَّع البرنامج، المموَّل من الولايات المتحدة عام 1993، ليشمل التعاون بين علماء من إسرائيل والأردن والمغرب وتونس ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة.
وتركِّـز مشاريع MERC على الزراعة والحفاظ على المياه والبيئة والصحة، وهي المجالات التي تواجه فيها الولايات المتحدة تحديات مماثلة، خاصة الأجزاء التي تقع في الجنوب الغربي من البلاد، التي يشبه مُناخها الشرق الأوسط.
وفي العديد من هذه المجالات، خاصةً الحفاظ على المياه والصحة، يتميَّـزُ الباحثون الإسرائيليون بقدرات عالية، على المستوى العالمي.
نتيجة لهذه العوامل، فإن العديد من نتائج أبحاث MERC دعمت الاقتصاد الأمريكي والسياسة الخارجية لها، وعلى سبيل المثال، طوَّرت سلسلة من مشاريع MERC طُرقاً جديدة لاكتشاف الفيروسات الزراعية المكلفة (وبالطبع مكافحتها) في نباتات تُزرَعُ في الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
وقد كانت الشراكات مع الباحثين الفلسطينيين، من أكبر المتلقين للتمويل من MERC، ومن أكثر المشاريع نجاحاً، تلك التي شهدت تعاوناً بين باحثين من إسرائيل والضفة الغربية ودول عربية.
وفي أعقاب اتفاقيات السلام، بين إسرائيل والإمارات والبحرين، ينبغي بذل الجهود لتشجيع التمويل الإماراتي والبحريني، لمثل هذه البحوث التعاونية الثلاثية، وما يترتب عليها من مكاسب تجارية مُحتملة.
أما مبادرة المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز)، فيمكن أن توفِّـر نموذجاً لكيفية استفادة الفلسطينيين من تحسين العلاقات الإسرائيلية مع العرب، إذ أسس الكونغرس المناطق الصناعية المؤهلة عام 1996، لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.
وتسمح هذه المُبادرة، لمصر والأردن، أول شركاء السلام مع إسرائيل، بتصدير منتجات مُعفاة من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة، عند احتوائها على مدخلات إسرائيلية، وفي عام 2019، كانت لمصر 15 منطقة صناعية مؤهلة، والأردن 13 منطقة، تتجاوز صادراتها مليارَ دولار سنوياً، وتوفِّـر سُبلَ العيش لنحو 300 ألف شخص.
ورغم أن فكرة المناطق الصناعية المؤهَّـلة، تستهدف تعزيز التجارة الإقليمية ، فقد أسهمت في تشكيل التبادل التجاري الإقليمي مع الولايات المتحدة، ففي عام 2019، كان ما يقرب من ثلث الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة، من المناطق الصناعية المؤهلة.
ومع أن الأغلبية العظمى، من منتجات المناطق الصناعية المؤهلة الحالية، هي الملابس، فإنها مُناسبة لعمليات التصنيع الأخرى، بالاعتماد على قدرات الأبحاث والتطوير الإسرائيلية.
وعلى افتراض أنه يمكن القيام بذلك، بطريقة لا تؤثِّر في الوظائف الأمريكية، يمكن توسعة مفهوم المناطق الصناعية المؤهلة، بصورة مبتكرة، لتشجيع دول عربية على السلام مع إسرائيل، وتحفيز الشراكات الاقتصادية الثلاثية الإسرائيلية- العربية- الفلسطينية، ومُساعدة الولايات المتحدة في تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها، بعيداً عن الصين، إلى دول الشرق الأوسط، التي تتوفَّـر فيها الأيدي العاملة.
ولا شك أن لتوفير وظائف للفلسطينيين، تأثيره في استقرار المنطقة، إذ تبلغ نسبة البطالة الفلسطينية 26.6% حسب تقديرات البنك الدولي، 18.2% في الضفة الغربية و48.5% في قطاع غزة، وكان للسلطة الفلسطينية دور رئيس في هذه النتائج، بسبب رفضها تحويلات ضريبية شهرية من إسرائيل، احتجاجًا على خططها -المعلَّقة حالياً- لضم أراضٍ في الضفة الغربية، إذ علَّقت الحكومة الإسرائيلية خُطة الضم، بمجرد توقيع الإمارات اتفاقية السلام مع إسرائيل، وقبلت السلطة الفلسطينية التحويلات في نوفمبر 2020، بعد توقف دام 6 أشهر، أدى إلى خفض رواتب عشرات الآلاف من موظفي السلطة الفلسطينية، خلال جائحة كورونا.
وفي النهاية، فإن أي خُطة للتعاون الاقتصادي الخليجي - الإسرائيلي – الفلسطيني، تتوقف على مدى استعداد القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، للسماح بمثل هذا التعاون، وبالنظر إلى سجل السلطة الفلسطينية في الرفض، الذي يغذي تردُّد إسرائيل في تقديم تنازلات، فإن مثل هذا الاستعداد قد لا يتحقَّق، لكن الفرصة سانحة، ومن مصلحة القادة الخليجيين والأمريكيين والفلسطينيين، دعم التنمية الاقتصادية للفلسطينيين، وعليهم ألا يتردَّدوا في الاستفادة من هذه النماذج، وبقليل من التفكير الإبداعي، يمكن أن تكون هناك برامج جديدة، توفَّر مكتسبات حقيقية لشعوب المنطقة.
__________
*أورد كيتري، بروفيسور في القانون وزميل في معهد الدفاع عن الديمقراطيات، وفارشا كوادفيور، باحثة في معهد الدفاع عن الديمقراطيات ومتخصصة في شؤون الخليج العربي، والمقال مترجم عن موقع المعهد.