أحلام توفير لقاح كورونا للجميع تصطدم بكوابيس التمويل

أطلقت كوفاكس في يونيو 2020 بالتعاون بين منظمة الصحة العالمية، وتحالف "غافي" العالمي للقاح، وتحالف الابتكارات من أجل الاستعداد للوباء.

أحلام توفير  لقاح كورونا للجميع تصطدم بكوابيس التمويل
أثناء إعداد اللقاح

إعداد "السياق"

أدى التركيز على التعامل مع لقاح كورونا على مستوى الدول بشكل فردي إلى التغطية على مبادرة كوفاكس العالمية لمحاربة الفيروس على الصعيد الدولي، والتي تهدف إلى ضمان عدم إهمال أي دولة في "سباق اللقاح"، ففي حين بدأت بعض الدول المتطورة في توزيع اللقاح وتطعيم سكانها، فإن مواطني العديد من الدول النامية لا يعرفون متى سيأتي دورهم. تكمن الإجابة في المصير الذي ينتظر (كوفاكس) على الأمد الطويل.

أطلقت كوفاكس في يونيو 2020 بالتعاون بين منظمة الصحة العالمية، وتحالف "غافي" العالمي للقاح، وتحالف الابتكارات من أجل الاستعداد للوباء. وتقوم المبادرة على جمع تمويلات من الحكومات والمنظمات الدولية والقطاع الخاص وشركاء آخرين لمساعدة المصنعين على زيادة الكميات المنتجة، حيث تعد المبادرة بشراء اللقاحات التي يقوم المصنعون بإنتاجها وتوزيعها على الدول الفقيرة التي لا يمكن توفير جرعات كافية لمواطنيها.

وقالت كوفاكس إنها بصدد توزيع ملياري (2) جرعة بحلول نهاية العام 2021، ما يكفي لتطعيم 20% من السكان في 192 دولة، بما فيها أكثر 92 دولة فقراً في العالم. وتعرض المشروع للنقد، حيث أوضحت مراجعة داخلية أن بعض الدول النامية لن تحصل على اللقاح حتى العام 2024.

ويكمن جزء من المشكلة في اعتماد كوفاكس على 9 من اللقاحات الرخيصة، التي يجري تطويرها حالياً حيث ما زالت في مرحلة التجارب السريرية الثالثة، وتستبعد لقاحي فايزر وموديرنا، الأعلى كلفةً. وفيما قد يستغرق الأمر وقتاً أطول لتوفير لقاحات عبر مبادرة كوفاكس، فإن اللقاحات التي ترغب في الحصول عليها تعد مناسبة للدول النامية، ووصفت "غافي" اللقاح الذي تقوم بتطويره جامعة أوكسفور وشركة أسترا زينيكا بأنه سيغير المعادلة، لأن ثمنه مناسب علاوة على إمكانية تخزينه في الثلاجات المنزلية العادية مقارنةً بلقاح فايزر، مثلاً، الذي يتطلب ظروف تخزين خاصة.

أعلنت كل دول العالم (ما عدا بيلاروسيا وكازاخستان وروسيا والولايات المتحدة) مشاركتها في  المبادرة، أو أعربت عن عزمها المشاركة فيها، أو أُعلن عن تأهلها للحصول على جرعات مدعومة، لكن ما زال تحديد نوع التمويل المطلوب للمبادرة يمثل نقطة خلاف بين الدول وشركات الأدوية.

وتهدف "كوفاكس" لتوفير جرعات كافية للدول المشاركة لتغطية العاملين في الخط الأمامي في قطاعي الصحة والرعاية الاجتماعية خلال النصف الأول من العام 2021. وبعد ذلك، تأتي موجة الـ20% التي تعتزم تطعيم الفئات الأكثر تعرضاً للإصابة بالفيروس في كل دولة، على أن توزيع اللقاح سيكون من مسؤولية كل دولة على حدة.

قال يوداي كومار إن تحقيق هدف الـ20% خلال العام الجديد سيكون صعباً جداً، ولا يتوقع الوصول إلى تطعيم 60% إلى 70% من السكان، الذي يمثل المستوى الذي يحقق "مناعة القطيع"، قبل نهاية عام 2022 في أفضل الحالات.

وأضاف أن  "تطعيم معظم الفئات الأكثر عُرضةً للإصابة، والدمج بين اللقاح وبقية إجراءات الصحة العامة سيؤدي إلى إبطاء الانتشار، كما سيتيح خفضاً حقيقياً في الوفيات والعجز، فضلاً عن زيادة ملحوظة في النشاط الاقتصادي".

تحتاج كوفاكس مساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ورفضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المشاركة في المبادرة، في حين تباطأت الصين في البداية لكنها انضمنت للمبادرة في أكتوبر، ربما لتوضح أن أمريكا هي الصوت النشاز في جهود التعاون الدولي، وترميم صورة الصين التي اهتزت مع التغطية على انتشار الفيروس في مدينة ووهان.

ورغم أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لم يكشف عن كيفية  وحجم المساعدة الأمريكية، وهو الأمر الذي يعتمد على قرار الكونغرس، فإن الولايات المتحدة قد تشارك في المساعدات علماً بأن مشاركتها في المبادرة ستكون دفعة معنوية ومادية قوية. أما الصين فتسعى لتوفير اللقاحات الصينية لحلفائها والعملاء في الدول النامية، ما يتطلب قيامها بتوفير مساعدات مالية كبيرة لتأكيد أن مشاركتها في المبادرة ليست مجرد تكتيك للعلاقات العامة.

كذلك، تتطلب كوفاكس المزيد من المال، وأشار تقرير إلى أن مبادرة الكوفاكس ستتطلب 5 مليارات دولار أمريكي إضافية، علماً بأنها استقطبت نحو 2.1 مليار دولار حتى الآن من الاتحاد الأوروبي ومؤسسة بيل وميلندا جيتس وبقية المتبرعين لتوفير اللقاح لـ20% من السكان في الدول الفقيرة بنهاية العام 2021 لتغطية ارتفاع ا لأسعار وتأخر الإمدادات وارتفاع مخاطر الاستثمار.

ومع عدم توقع ضخ مبالغ كبيرة من الولايات المتحدة أو الصين، فإن كوفاكس يمكنها إصدار "سندات اللقاح" بقيمة تصل إلى 1.5 مليار دولار أمريكي إذا وافق المانحون على تغطية المخاطر الأساسية، مع أنها لا يمكن تغطية العجز في التمويل.

هناك أسباب اقتصادية مغرية للدول الغنية للاستثمار في اللقاح للدول النامية؛ وفقاً لدراسة حديثة قامت به مجموعة أوراسيا سيؤدي توفير اللقاحات بشكل عادل لمختلف دول العالم لتحقيق مكاسب اقتصادية تصل إلى 466 مليار دولار في فترة 5 إلى 10 سنوات لـ10 اقتصادات رئيسة، بما فيها الولايات المتحدة، وهو ما يعد 10 أمثال المصروفات التي تتطلبها كوفاكس لأداء مهمتها، علماً بأن العالم لا يمكنه أن يعود إلى الحياة الطبيعية ما لم تنجح كل الدول في هزيمة الكورونا.

بعد أشهر من إطلاقها، ما زالت كوفاكس تمثل أفضل أمل للدول منخفضة الدخل للحصول على لقاح الكوورنا. مع ذلك، فقد أدى التنافس على اللقاح إلى زيادة اللامساواة بين الدول. وسيكون نجاح أو فشل هذه التجربة للتعاون الدولي درساً أساسياً في مستقبل العلاقات الدولية عندما يتعافى العلم من هذه الصدمة التاريخية.

اللقاح في أرقام

7.7 مليار جرعة هي كمية اللقاحات اشترتها الدول حتى الآن، وهناك 3.9 مليار جرعة قامت بحجزها، إذا قررت الدول أو التحالفات توسعة نطاق الطلبات، وفقاً لإحصاء جامعة دوك.

قامت الولايات المتحدة الأمريكية بحجز نحو رُبع الإمدادات العالمية للقاح (2.6 مليار جرعة)، وتأتي مبادرة كوفاكس في المركز الثاني حيث قامت بحجز 900 مليون جرعة.

أثرياء وفقراء

لا يقتصر دور مستوى دخل الدولة على تحديد إمكانية حصول سكانها على اللقاح فحسب، بل يمتد لنوع اللقاحات المتوفرة، حيث تقوم الدول الأكثر ثراءً بشراء وحجز أنواع مختلفة من اللقاحات.

تعتبر الهند أكثر دولة من حيث صانعي اللقاح، وقامت بإبرام اتفاقات لتوفير اللقاح لسكانها الذين يصل تعدادهم إلى 1.4 مليار نسمة، حيث اتفقت مع نوفافاكس، التي لم تصدر بيانات خاصة بفعالية لقاحها حتى الآن، وأسترا زينيكا، الذي يرجح أن تصل فعالية لقاحها إلى 70% لكنه ما زال في مرحلة المزيد من التقييم والاختبارات.

وقام الاتحاد الأوروبي بشراء كمية كبيرة من الجرعات، لكن هناك تنويع كبير في اللقاحات، منها 300 مليون جرعة من لقاح فايزر، الذي بدأت شحناته تصل إلى أوروبا.

وأبرمت عدد من الدول النامية مثل كازاخستان ونيبال وفنزويلا اتفاقات للحصول على نوع واحد من اللقاحات، عادةً من روسيا أو الصين.

ولم تعلن أي دولة من دول أفريقيا جنوب الصحراء عن أي صفقة لشراء جرعات لقاح، رغم أن جونسون آند جونسون تستهدف إنتاج 300 مليون جرعة في جنوب أفريقيا في العام 2021.

ومن العوائق التي تعترض الدول النامية ارتفاع كلفة اللقاحات، وضرورة  حفظها في درجة حرارة منخفضة، ويؤمل في إنتاج لقاحات أقل كلفة ويسهل نقلها، مثل لقاحي أسترا زينيكا وجونسون آند جونسون.