من فيرغسون إلى فلسطين... كيف غيَّـرت حياة السود مهمة النقاش الأمريكي بشأن الشرق الأوسط؟
نزل نشطاء منظمة حياة السود مهمة إلى شوارع إنديانابوليس، للاحتجاج من أجل الفلسطينيين، وغرَّدت نائبة في الكونجرس الأمريكي من التنظيم ذاته أن وقف إطلاق النار ينهي القصف، وليس العنف

ترجمات - السياق
نزل نشطاء منظمة "حياة السود مهمة" إلى شوارع إنديانابوليس، للاحتجاج من أجل الفلسطينيين، وغرَّدت نائبة في الكونجرس الأمريكي من التنظيم ذاته: "وقف إطلاق النار ينهي القصف، وليس العنف"، النائبة كُسرت أسنانها، في اشتباكات المنظمة مع الشرطة، نصراً لفلسطين.
وخلال ذروة الأعمال العدائية الأخيرة في غزة، تواصلت منظمة "حياة السود مهمة" الرسمية مع منظمة "التحرير الفلسطينية"، بعد ست سنوات من قيام قادة الجماعة الأوائل برحلة إلى الشرق الأوسط، زرعوا خلالها بذور التحالف الحالي.
وردَّت "حياة السود مهمة"، التي نمت لتصبح قوة عِرقية سياسية قوية، بقوة على العنف في الشرق الأوسط، لتوسيع نطاق وصولها إلى السياسة الخارجية، ما ضغط على الحزب الديمقراطي، لاعتماد نهج مختلف، على المدى الطويل، بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وبصرف النظر عن تداعيات العنف الاخيرة في المنطقة، لكنها غيَّـرت الجدل بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني -بشكل صارخ- في الولايات المتحدة، وحوَّلته بالنسبة إلى العديد من الليبراليين، من نزاع على مزاعم قديمة ومربكة في كثير من الأحيان، إلى مجال مألوف أكثر عن وحشية الشرطة و الصراع العنصري.
وقالت ميلينا عبد الله، المؤسسة المشاركة للمنظمة في لوس أنجلوس: "نتفهم أن تحرير السود في الولايات المتحدة، مرتبط بتحرير السود في جميع أنحاء العالم، ومرتبط بتحرير المظلومين في جميع أنحاء العالم". وأضافت، أن "التضامن مع الشعب الفلسطيني، كان جزءاً من عملنا، طوال الوقت".
تردَّدت أصداء هذه الرسالة، عبر الحزب الديمقراطي بطريقة جديدة، الأسبوعين الماضيين، وذلك يقابله إحباط من مؤيدي إسرائيل، الذين يقولون إن الصراع العسكري بين إسرائيل وحماس -منظمة فلسطينية صنَّفتها الولايات المتحدة بأنها جماعة إرهابية- لا يشبه التوترات في شوارع أمريكا.
وقال مارك ميلمان، رئيس الأغلبية الديمقراطية لإسرائيل: "يدرك معظم الناس أن هناك ديناميكية مختلفة، في العمل بين منظمة إرهابية تطلق 3500 صاروخ على بلدك من ناحية، والديناميات العِرقية التي تحدث في المدن الأمريكية". وأضاف: "يصبح الفشل في إدراك هذا الاختلاف أمراً مضللاً بشكل أساسي".
بينما يذهب بعض الجمهوريين، إلى أبعد من ذلك، متهمين نشطاء "حياة السود مهمة" بالتطرُّف ومعاداة السامية، ويرد النشطاء بأنهم لا يقفون إلى جانب حماس، بل مع العديد من الفلسطينيين، الذين يقولون إنهم تعرَّضوا للإخلاء والترويع، والمعاملة كمواطنين من الدرجة الثانية.
وتعكس التوترات، نجاح النشطاء السود، في تغيير الإطار المرجعي للحزب الديمقراطي، العام الماضي، بشأن مجموعة من القضايا، بحيث تدعم العدالة العِرقية، النقاش في كل شيء، من تغيُّر المناخ إلى الرعاية الصحية والتخفيضات الضريبية، وتشير التطورات في غزة، إلى امتداد هذا التحول إلى الساحة الدولية.
أحد مقاييس ذلك، أن الرئيس بايدن، بعد أن اتخذ في البداية موقفاً أكثر تقليدية، لتأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، تحوَّل إلى موقف أكثر صرامة، بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، وطالب إسرائيل في النهاية، بوقف التصعيد.
إذ تضامن بايدن مع مطالب لـ "حياة السود مهمة" العام الماضي، وركع تضامناً مع المحتجين، في أول حملة غير افتراضية له خلال الجائحة، وتحدَّث مراراً وتكراراً مع عائلة جورج فلويد، الذي أصبح قتله على يد شرطة مينيابوليس، نقطة ارتكاز لإجراء محادثة وطنية، عن وحشية الشرطة ضد السود.
لكن حدود تأثير النشطاء في بايدن، أصبحت موضع التركيز، عندما قال للصحفيين إنه "لا يوجد تحول في التزامي بأمن إسرائيل".
وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، جين بساكي: "الرئيس لا يرى ذلك من منظور السياسة الداخلية" وأضافت: "هناك خلاف على التكتيكات، وهناك خلاف على بعض جوانب مشاركتنا، لكننا نتفق جميعاً على أننا نريد إنهاء المعاناة".
الضغط من النشطاء، ليس سوى جزء من المشهد الديمقراطي المتحوِّل، فنرى أن الرئيس الأمريكي الآن ذو 78 عاماً، وآخرون من جيله، كانوا في سن الرشد، عندما كانت إسرائيل أكثر ليبرالية من الناحية السياسية، وأكثر ضعفاً عسكرياً، وبعد سنوات قليلة من المحرقة وقتها، لكن ازدياد قوة إسرائيل، وتشدُّد سياساتها أكثر، بحيث باتت أكثر ميلاً إلى اليمين، أثارا استياء العديد من المؤيدين الديمقراطيين السابقين.
وأدى احتضان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العلني، للرئيس السابق دونالد ترامب والحزب الجمهوري، على مدى السنوات الأربع الماضية، إلى مزيد من نفور العديد من الليبراليين.
يقول نشطاء "حياة السود مهمة" إن التحالف مع الفلسطينيين أمر طبيعي، لأن الشرطة الإسرائيلية، كما يرون، تسيء معاملة الفلسطينيين، مثل الضباط الأمريكيين الذين يسيئون معاملة السود العُزَّل والمتظاهرين.
هناك جيل جديد من أعضاء البيت الأسود الليبراليين، يطرحون هذه القضية في الكابيتول هيل، والنائبة كوري بوش (ديمقراطية)، وعضو سابق في منظمة "حياة السود مهمة"، اكتسبت مكانة بارزة في الاحتجاجات ضد إطلاق الشرطة النار المميت، على شاب أسود أعزل في فيرجسون بولاية ميسوري، وألقت خطاباً على أرضية مجلس النواب، ربط تلك التجربة بمِحنة الفلسطينيين.
وقالت بوش، في بيان لصحيفة ذا بوست: "بينما نسير دفاعاً عن حياة السود، ولا نقول فقط إن السود في هذا البلد يجب أن يكونوا قادرين على عيش حياة كاملة وسعيدة، إنما نقول إن حكومتنا تموِّل تصرُّفاً وحشياً وعسكرياً تجاه وجودنا ذاته، من فيرغسون إلى فلسطين".
وأضافت بوش، إن الفلسطينيين تحمَّلوا "الاحتلال العسكري والشرطة والفصل العنصري" ، وهي شروط يرفضها العديد من الديمقراطيين الآخرين.
بينما جادل النائب جمال بومان، وهو ديمقراطي جديد من نيويورك، أطاح النائب الديمقراطي فترة طويلة إليوت إل إنجل، ومدافع قوي عن إسرائيل، إن تجربة الفلسطينيين مرتبطة بتجربة الأمريكيين السود.
وقال في بيان: "كرجل أسود في أمريكا، أفهم على المستوى الشخصي، ما يعنيه العيش في مجتمع مصمَّم لإدامة العنف ضد الذين يشبهونني، وتجربتي في الظلم المنهجي، بما في ذلك الضرب على يد الشرطة في سن 11 عاماً، تُعلمني ما يحدث الآن في إسرائيل وفلسطين".
خلال الأعمال العدائية الأخيرة، حتى بعض الديمقراطيين الوسطيين غيَّـروا دعمهم الثابت لإسرائيل، داعين إلى وقف إطلاق النار، بدلاً من دعم تأكيدات إسرائيل، بضرورة الدفاع عن النفس ضد غزة.
ويشير بعض الديمقراطيين، إلى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشارلز إي شومر (ديمقراطي من نيويورك) كمثال على الاتجاهات الحالية في الحزب، شومر من الصقور المدافعين عن إسرائيل، منذ فترة طويلة، الذي أعرب عن دعمه لبيان من زملائه، يحث على وقف إطلاق النار، حتى قبل أن يفعل بايدن ذلك.
يواجه شومر إعادة انتخابه في دولة، يدعم العديد من سكانها إسرائيل، لكن الليبراليين الشباب، مثل بومان والنائب ألكساندريا أوكاسيو كورتيز يكتسبون النفوذ، واقترح بعض الجمهوريين أنه استسلم لخصوم إسرائيل، لتفادي التحدي الأساسي، ورفض متحدِّث باسم شومر التعليق على انتقادات الحزب الجمهوري.
الآن وبعد إعلان وقف إطلاق النار، أصبح من غير الواضح أن نشطاء "حياة السود مهمة" وحلفائهم، يمكن أن يتحدوا على مجموعة من المطالب، التي ستثير الجدل في الشرق الأوسط، في الأشهر المقبلة.
بعض منتقدي إسرائيل، يدعمون حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، على سبيل المثال، بينما يعارضها آخرون بشدة، وبينما يفضِّل البعض، فرض شروط على إسرائيل، مقابل المساعدة الأمريكية، فإن الاتفاق، على ما يجب أن تكون عليه هذه الشروط، بعيد المنال.
وتبقى التساؤلات عمّا إذا كان الديمقراطيون البارزون سينأون بأنفسهم عن نشطاء "حياة السود مهمة"، إذا استمر هؤلاء النشطاء في الإدلاء بتصريحات صريحة عن الشرق الأوسط.
وبعد أن غرَّدت النائبة بدعم الفلسطينيين، ردَّت اللجنة الوطنية للمقاطعة: "شكراً لتضامنكم، من فيرغسون إلى فلسطين، نضالنا ضد العنصرية وتفوق البيض، ومن أجل عالم عادل متحد!"
حتى أن بعض المدافعين لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إسرائيل، مثل السناتور بيرني ساندرز، لا يؤيدون مقاطعة حليف الولايات المتحدة.
بينما يكتسب التحالف حالياً مزيداً من الاهتمام، كان النشطاء السود يشكِّـلون روابط مع القادة الفلسطينيين لعقود، وغالباً ما يصفونهم بأنهم ممثِّلون لمجموعة مضطهدة.
عام 2015، انضم ستة من أعضاء منظمة "حياة السود مهمة" إلى نشطاء آخرين في رحلة لمدة 10 أيام إلى الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، على أمل الاتصال بنشطاء على الجانب الآخر من الكرة الأرضية.
وهناك التقوا أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك شاعراً شاباً، أُجبرت عائلته على تسليم نصف منزلها للمستوطنين اليهود، ولدى عودتهم، أصدرت المنظمة بيان تضامن مع الفلسطينيين.
وقالت المؤسسة المشاركة للمنظمة في لوس أنجلوس: "علينا أن نربط كل النضالات من أجل التحرير، فلا يمكنك أن تكون في الخطوط الأمامية للنضال، من أجل الحرية لمجموعة واحدة من الناس، ثم التزام الصمت تجاه مجموعة أخرى".