قبضة فيسبوك غير المرئية تقشعِّر منها الأبدان

في أعقاب فوز ترامب بانتخابات عام 2016، كان هناك الكثير من القلق، بشأن الكيفية التي ساعدت بها وسائل التواصُل الاجتماعي في دفع التطرُّف اليميني، الذي أدى إلى ظهور ظاهرة ترامب

قبضة فيسبوك غير المرئية تقشعِّر منها الأبدان
فيسبوك

ترجمات السياق: ذا ريل نيوز

تمارس شركتا التكنولوجيا "فيسبوك" وتويتر" قدراً مفرطاً، من السيطرة على الأخبار والأفكار التي تواجهنا، ففي أعقاب أعمال الشغب، التي قام بها اليمين الأمريكي، في مبنى الكابيتول هيل، اتخذت شركات التكنولوجيا الكبرى، خُطوة غير مسبوقة، بإسقاط الرئيس السابق للولايات المتحدة من منصاتها، وتكثيف عمليات المراقبة على مستخدميها.

الآن، لا ينبغي لأحد أن يشعر بالتعاطُف مع ما حدث لترامب أو اليمين المتطرِّف، لكن القوة المتزايدة، التي تمارسها شركات التكنولوجيا الكبرى، بشكل مكشوف، سبب رئيس لقلق اليسار.

أولئك الذين يشاركون في النضالات السياسية، التي تسعى إلى قلب هياكل العنصرية والإمبريالية وعدم المساواة، وغالباً ما يدافعون عن أفكار خارج التيار الرئيس، وهو المصطلح الذي تحدِّده شركات التكنولوجيا الكبرى القوية، بشكل متزايد.

لذلك، فإن قمع حرية التعبير السياسي، الذي يسعى إلى كبح جماح "تطرُّف" غير محدَّد المعنى، يعني حتماً مهاجمة حرية التعبير السياسي لأولئك، الذين يتحدَّون هياكل السلطة القائمة في مجتمعنا، وهو شيء خطير للغاية.

 

تغيير عادات الوسائط

تتغيَّـر طرق متابعة الأخبار، إذ ولَّت الأيام التي تهيمن فيها المطبوعات والتلفزيونات، على دورة الأخبار، طالما كانت الصحف في حالة تدهور، فانخفض في السنوات الأربع الماضية استخدام الصحف.

أظهر استطلاع حديث أنه عام 2016، حصل 20 في المائة من الأمريكيين "في كثير من الأحيان" على أخبارهم من الصحف، بينما انخفض هذا العدد عام 2020 إلى 10 في المائة (مع خمسة في المائة فقط، يفضِّلون الصحف على وسائل الإعلام الأخرى).

كما انخفض استهلاك الأخبار التلفزيونية، إذ قال 40 في المائة من الأمريكيين عام 2020 إنهم يحصلون "في كثير من الأحيان" على أخبارهم من التلفزيون، بينما كانت النسبة 57 في المائة عام 2016.

وأصبحت الأخبار المنتشرة عبر الإنترنت، إما عبر وسائل التواصُل الاجتماعي، أو من خلال محركات البحث، أو المواقع الإخبارية، الشكل السائد للحصول على الأخبار.

وقال نحو 86 في المائة من المستجوبين، إنهم يحصلون على الأخبار، في كثير من الأحيان، عبر الهواتف الذكية أو أجهزة الكمبيوتر أو الأجهزة اللوحية، إضافة إلى تطبيقات الأخبار والمواقع الإلكترونية، إلى جانب عمليات البحث عبر الإنترنت، وهي الطريقة الأولى، التي يحصل الناس من خلالها على أخبارهم ، ومنصات وسائل التواصُل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"تويتر" تشكَّـل حصة متزايدة من كيفية حصول  الناس على أخبارهم، إذ يحصل 53 في المائة من البالغين، الذين شملهم الاستطلاع، في الولايات المتحدة، على أخبارهم، من وسائل التواصُل الاجتماعي.

أما الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، فتُعَدُّ وسائل التواصُل الاجتماعي، الوسيلة المفضلة للوصول إلى الأخبار.

وتُظهر الأرقام في كندا، اتجاهات مماثلة، إذ أظهرت المطبوعات والتلفزيون، انخفاضاً ثابتاً في جمهورها، خلال السنوات الخمس الماضية، إذ يصل مزيد من الأشخاص إلى أخبارهم، عبر الإنترنت، ووسائل التواصُل الاجتماعي.

وتظهر استطلاعات الرأي، كذلك، قبل انتشار الوباء، أن أكثر من 50 في المائة من الناس، يتلقون أخبارهم عبر منصات التواصُل الاجتماعي، ومن المحتمل أن تكون الجائحة، قد زادت هذا العدد.

أي أن شركات وسائل التواصُل الاجتماعي، بات لديها المزيد من القوة والسيطرة، وفي كثير من الأحيان، تكون طريقة استخدامنا للأخبار المنشورة على منصاتها، غير واضحة.

لذلك، تم استخدام  هذه القوة، بطرق خفية أو ظاهرة، للحفاظ على  الوضع الراهن في مجتمعنا، وإضعاف حرية التعبير السياسي، الذي يهدف إلى تحدي ذلك.

 

قوة الشبكة

تستفيد شبكات التواصُل الاجتماعي، وشركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى، مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" و"أمازون" و"أبل" من نطاقها وتكامُلها، للسيطرة على الأسواق.

ويؤدي العدد الكبير من مستخدمي هذه المنتجات، إلى إحداث تأثير على الشبكة، إذ تزداد قيمة هذه الشركات، مع نمو قاعدة مستخدميها، ما يفرز ميولاً احتكارية، ويجعل من الصعب استبدال هذه الشركات بمنافسين.

كما يسهم نموذج عملها، الذي  يعتمد على المراقبة في الشبكة، في جني شركات وادي السيليكون مثل "فيسبوك" أموالها، من خلال جمع المعلومات عن مستخدميها وبيعها للمعلنين.

الواقع هو أن مستوى المراقبة والسيطرة، الذي يمارسه وادي السيليكون ضخم جداً، كما أن صعود وسائل التواصُل الاجتماعي، وفَّـر متنفساً حقيقياً لليسار.

إذ سمح بتوسيع شبكات أفكار اليسار، وبناء جماهير أكبر لأفكارها، وعلى مساحة جغرافية أكبر بكثير، كما أنه سرَّع نشر الأفكار والمعلومات.

حقيقة أن وسائل التواصُل الاجتماعي، تخضع لسيطرة شركات وادي السيليكون الكبرى، لا تعني أن اليسار يجب أن يسجِّل الخروج، أو عدم المشاركة فيها.

على العكس تماماً، يجب أن يكون هناك نقاش أكثر جدية، لكيفية التعامُل مع وسائل التواصُل الاجتماعي، من منظور تنظيمي، ومن خلال طرح تساؤلات عمَا يؤدي إلى بناء جمهور على وسائل التواصل للأفكار المتطرِّفة، كيف يتم استغلال هذا الجمهور، لاتخاذ إجراءات على أساس تلك الأفكار؟ كيف يمكن مقاومة أي ميول فردية سامة، على وسائل التواصل؟

ولكن، بصرف النظر عن مدى تفكيرنا في الانخراط، والمساهمة في تغيير الواقع، لا يزال يتعيَّـن علينا حساب القوة الاستبدادية المتزايدة، لشركات التكنولوجيا الكبرى، تحديداً في مجال الخطاب السياسي عبر الإنترنت، مع ارتفاع  مستوى سيطرتها ورقابتها  الصريحة.

 

ترامب وروسياغيت

في أعقاب فوز ترامب بانتخابات عام 2016، كان هناك الكثير من القلق، بشأن الكيفية التي ساعدت بها وسائل التواصُل الاجتماعي في دفع التطرُّف اليميني، الذي أدى إلى ظهور ظاهرة ترامب.

أُلقي اللوم على وسائل التواصل، وحال الاستقطاب، عن جزء من الناخبين الأمريكيين، ما اُعتبر انعكاساً غريباً وقتها، بعد إعلان الليبراليين، أن الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" زادت ديمقراطية المواطنين، بعد انتخاب أوباما عام 2008.

وحرص الليبراليون، على شرح سبب فوز ترامب، وخسارة كلينتون بطريقة تبرئهم من أي مسؤولية، ووصلوا إلى سببين متداخلين: الأخبار الكاذبة وروسيا.

لا شك أن ترامب استخدم وسائل التواصل، بشكل فاعل، لبناء قاعدة دعم حقيقية، لكن صعود ترامب لا يمكن تفسيره فقط، من خلال صعود تيار يميني متطرِّف عبر الإنترنت، بسبب الأخبار المزيَّفة.

شعبية ترامب المتزايدة، عامي 2015 و2016، لها علاقة أكبر بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، السائدة في الولايات المتحدة، وتزايُد عدم المساواة، والوعود المنقوصة بمستقبل أفضل، كل ذلك أرسى الأساس لترامب، خاصة في الولايات والمقاطعات المتأرجِّحة الرئيسة، التي صوَّتت لأوباما مرتين.

عندما حقَّق ترامب انتصاره الانتخابي المفاجئ، عام 2016، بدأ الليبراليون على الفور، تدوير قصة إلقاء اللوم على روسيا، قيل إن روسيا اخترقت اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، وعرضت إعلانات مزيفة، ودعمت بيرني ساندرز وترامب، وأذكت التطرُّف على الإنترنت.

وعلى مدى السنوات الأربع التالية، روَّجت لهذه القصة التفصيلية، في وسائل الإعلام الرئيسة، واستُدعي ترامب إلى جلسات الاستماع في الكونجرس.

كانت القصة، بالطبع، سخيفة، وتستند إلى القليل من الأدلة، أو تستند في كثير من الأحيان، إلى الأكاذيب الصريحة، لكنها كانت مريحة لهم.

 

من المنصة إلى الناشر

رسَّخت قصة روسياغيت، وسرد الأخبار المزيَّفة، الاعتقاد بين طبقة من السياسيين والنقّاد، أن المطلوب هو المزيد من الرقابة والسيطرة على المحتوى، من شركات التكنولوجيا الكبرى.

بعد انتخابات عام 2016، زاد "فيسبوك" عدد مراجعي المحتوى، إلى أكثر من 15000، وكثيرون منهم يعملون لمقاولين خارجيين، وسعت الشركة إلى استخدام التكنولوجيا الجديدة، لتعديل المحتوى والإبلاغ عنه.

وفي عام 2018، بعد سنوات من الضغط، قال "فيسبوك" إنه سيُنشئ مجلس إدارة مستقلاً، للنظر في تعديل المحتوى، وبعد ذلك بعام، أعلن الموقع أنه بصدد تشكيل مجلس إشراف مؤلَّف من 40 شخصاً، من شأنه أن يستمع إلى نداءات مستخدمي "فيسبوك" و"انستغرام" الذين حُذفت منشوراتهم.

تتكوَّن عضوية مجلس الإدارة، من شخصيات مؤسسية، من محامين وسياسيين وقضاة وشخصيات إعلامية وأكاديمية، ويعمل مجلس الإشراف، بشكل حاسم، ويسمح للشركة، بأن تكون تحت السيطرة.

على مدى السنوات القليلة الماضية، كانت هناك جهود من الحكومات، لتنظيم وادي السيليكون، وعام 2016، دفع الاتحاد الأوروبي شركتي "فيسبوك" و"تويتر" إلى اعتماد مدوَّنة قواعد السلوك، في ما يتعلق بالإرهاب وخطاب الكراهية، لكن النتيجة كانت ببساطة، التنظيم الذاتي من هذه الشركات.

لكن بحلول عام 2018، بدأ "فيسبوك" وشركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى، تغيير موقفهم والترحيب بزيادة تنظيم المحتوى، كما قالت شيريل ساندبرج، مديرة العمليات في "فيسبوك": "يتعيَّن على الحكومات وضع المعايير، بمشاركتنا  للتأكُّد من قدرتنا على الوفاء بها".

في الصيف الماضي، قاد بعض المعلنين حملة لمقاطعة "فيسبوك"، متهمين الموقع بتنظيم المؤامرات وخطاب الكراهية.

السؤال الذي يواجه شركات مثل "فيسبوك" أو "تويتر" في ما يتعلَّق بتنظيم محتوى الخطاب على منصاتها  هو: هل أنتم منصة للمحتوى، أم ناشر له؟

اقترح الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، قواعد جديدة للتحكُّم في شركات التكنولوجيا الكبرى، لفرض غرامات كبيرة على هذه المنصات، في حال لم تقيِّد أو تفرض الرقابة على بعض المحتويات غير القانونية، مثل خطاب الكراهية.

إضافة إلى اقتراح هيئات رقابية جديدة، وقوانين وأنظمة أخرى، قد تحد من الممارسات الاحتكارية للشركات، ومن الواضح أن شركات التكنولوجيا الكبيرة، مرتاحة لبعض أشكال التنظيم، لأنها تخفِّف من المخاطر.

في أستراليا، أقرَّت الحكومة مشروع قانون، يقترح جعل شركات التواصُل الاجتماعي تدفع للناشرين، إذا نُشر محتوى إخباري على مواقعهم، في محاولة منها، لتفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى، وتمويل صناعة الصحافة المتعثِّـرة، وردَّت "فيسبوك" بحظر مصادر الأخبار الأسترالية، من خلاصات أخبار الموقع، في خُطوة غير مسبوقة، ثم استعادت بعد فترة، القدرة على نشر ملفات الأخبار الأسترالية ، بعد الفوز بتنازلات. 

الإجراء الصارم، الذي اتخذته الشركة، رسالة ليس فقط للحكومة الأسترالية، لكن للاتحاد الأوروبي، الذي يفكِّر في تشريع مماثل، وكل الحكومات الأخرى في أنحاء العالم.

في الوقت الذي ما زالت التوترات بين شركات التكنولوجيا الكبرى والحكومات مستمرة، بشأن عمليات التنظيم. وبالطبع، لا تزال العلاقات بين وادي السيليكون وأجهزة الأمن الأمريكية عميقة.

لا تشعر شركات التكنولوجيا الكبرى بالراحة، فقط في التعاون مع الحكومات والأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، وإنما هناك علاقة حميمة بين الحكومة وشركات التكنولوجيا الكبرى، في أنحاء العالم، إذ تساعد شركات التكنولوجيا الكبرى، في فرض الرقابة الصينية على سبيل المثال.

 

خطاب السياسي

على مدى الثمانية عشر شهراً الماضية، أصبح من الواضح أن شركات وسائل التواصُل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"تويتر" تقمع التطرُّف ونظريات المؤامرة والأخبار الكاذبة، وبينما أشاد البعض بهذه الخُطوة، إذ تحمَّلت هذه الشركات "المسؤولية"، فإنها تمثِّل تصعيداً مخيفاً لقوتها.

لكن مَنْ يمكنه تحديد وِجهة النظر "المتطرِّفة"؟ ومَنْ الذي يقرِّر ما الذي يشكِّل نظرية المؤامرة؟

تم الشعور بعواقب القوة المتزايدة لشركات التكنولوجيا الكبرى، للتحكُّم في حدود الكلام المقبول، إذ أعلن "فيسبوك" في أغسطس الماضي، توسيع سياسة "الأفراد والمنظمات الخطرة" التي أدت إلى حظر جماعة كيو أنون "أصحاب نظريات المؤامرة" وصفحات اليمين المتطرِّف، وكذلك الجماعات والأفراد ، من المنصة.

ولكن لم تُحظر بعض الجماعات اليمينية المتطرِّفة فحسب، وإنما حُظرت المئات من المجموعات والصفحات المناهضة للفاشية والرأسمالية، كما لاحظت الصحفية ناتاشا لينارد، "سواء من الناحية الخطابية أو من خلال سياسات محدَّدة، فإن الحكومة طمست وقلَّلت من خطر التطرُّف العنصري الأبيض، بينما أثارت في الوقت نفسه، المخاطر التي يشكِّلها اليسار المتطرِّف".

ورغم الدعم الصريح، من وادي السيليكون وحركة "حياة السود مهمة"  - المناهضة للعنف ضد السود - همَّشت شركات التكنولوجيا الكبيرة، بشكل منهجي، الأصوات السوداء، وقيَّدت وحظرت "فيسبوك" العديد من الحالات التي ينشر فيها المستخدمون السود، انتقادات للحوادث العنصرية، وتفوُّق البيض.

ووصف الموظَّفون السود السابقون، الثقافة الداخلية في "فيسبوك" بأنها عنصرية، وهَمَّشت أصوات العُمّال السود، وتعرَّضوا لروتين يومي، من العنصرية ضد السود.

ارتفع مستوى الرقابة عام 2021، كما ذكرنا، وشهدت أعمال الشغب في مبنى الكابيتول هيل في يناير، جولة جديدة من القمع، على أقصى اليمين وأقصى اليسار.

أكين أُولا، الناشط الأمريكي النيجيري، كتب علناً كيف حُظر أو قُيِّد حسابه هو ونشطاء يساريون آخرون من "فيسبوك" في الفترة التي سبقت تنصيب بايدن.

وفي فبراير، حظر "فيسبوك" صفحة حزب العُمّال الاشتراكي، في المملكة المتحدة، مع عدد من نشطائه، وعادت الصفحة بعد فترة، وحسابات عدد  من الأفراد.

في الشهر نفسه، حُظر المحتوى الخاص بالاحتجاجات الداعمة للإضراب عن الطعام من السجين السياسي اليوناني اليساري ديميتريس كوفوديناس، وفرض "فيسبوك" رقابة على مقاطع الفيديو والصور، للاحتجاجات التي شارك فيها 3000 شخص.

كما رأى مؤيدو نضالات التحرُّر الوطني، في جميع أنحاء العالم، أن خطابهم السياسي، سيتم كبحه أو مهاجمته، من منصات التواصُل الاجتماعي.

وطالما ناضل الفلسطينيون ومَنْ يدعمون التحرُّر الوطني الفلسطيني، ضد "فيسبوك" لمراقبته آراءهم السياسية، إذ توثِّق منصة صدى سوشيال "مبادرة شبابيبة فلسطينية انطلقت من الحاجة للتعامُل مع إدارات مواقع التواصُل" عدداً كبيراً من الحوادث، التي حُظر الفلسطينيين على هذه المواقع، لانتقادهم الحكومة الإسرائيلية.

 

المنع المضلل

هذه ليست مجرَّد مسألة رقابة وادي السيليكون، عبر الحظر والقيود المباشرة، إنما تدار بطريقة أكثر دهاءً، إذ يتم من خلالها، التحكُّم بالخطاب السياسي،  باليد الخفية للخوارزمية.

يُـعَـدُّ المنع المضلل للمحتوى السياسي، ظاهرة حقيقية للغاية، تؤثِّر بشكل كبير في الحركات الاجتماعية والحسابات على وسائل التواصُل.

إن عدم حظر كلام المرء، بشكل مباشر، مُريح وباعِث للأَمل، إذ يتم التلاعُب بالكلام عن قصد، بحيث يكون غير مرئي أو غير موجود.

 

الهجوم على الخطاب السياسي

يجب أن نتذكَّر أن أكبر التهديدات، لحرية التعبير السياسي، ليست في مستخدمي وسائل التواصُل، لكن في طبقة الأغنياء والأقوياء، الذين يسيطرون على تلك المنصات، والحكومات التي تسعى إلى الحد من الأفكار التي يتبناها مجتمعنا.

ومن المقرَّر أن تقدِّم الحكومة الليبرالية، مشروع قانون، هذا الشهر، يعالج الكراهية عبر الإنترنت، إذ أن هناك بعض التذمُّر، من أن مشروع القانون، قد يحتوي على إعادة تعريف، لما يمكن اعتبارها كراهية.

لا يمكن لشركات التكنولوجيا الكبرى، أن تكون حكماً محايداً لماهية الخطاب السياسي ومحتواه، لأن سعيها إلى تحقيق الأرباح، وعلاقاتها بالحكومات، يؤثِّران -بشكل حتمي- في مواقفها.

هذا هو السبب، في أننا يجب أن نقاوم الرغبة في تمكين الشركات التكنولوجية الكبيرة، من لعب دور أكثر نشاطاً، في ضبط الخطاب السياسي  على الإنترنت، يجب ألا نتعاطف مع الفاشيين المحظورين من شركات التكنولوجيا الكبرى، لكن يجب أن نكون حذرين، من توسيع صلاحيات هذه الشركات، إذ تُظهر السجلات، أن الحركات اليسارية، ستعاني بشكل غير متناسب.

 

ماذا بقي لنفعل؟

لليسار تاريخ طويل، في النضال من أجل حقوق حرية التعبير، من معارضة الحروب إلى الدفاع عن حقوق العُمّال، في غضون ذلك، طالما كانت الحكومات وأرباب العمل والشركات الإعلامية، معارضين متحمسين، وليسوا دعاة أو حماة، لحرية التعبير.

كما تلاحظ الكاتبة جودي كوكس، "لا يوجد سوق مجاني للأفكار، الأغنياء يمتلكون وسائل الإعلام، ومَنْ في السلطة يقمع مراراً وتكراراً، حرية التعبير للأغلبية".

عندما يُعاقب العُمّال على التعبير عن آرائهم السياسية، في مكان العمل، وعندما تحظر شركات التواصل الاجتماعي، ما تعتبره خطاباً غير مقبول، هل يمكننا القول إن لدينا حقاً قوياً في حرية التعبير؟

يجب مقاومة  العنصرية وخطاب الكراهية، دون تمكين الطبقة الحاكمة والشركات التي تستفيد في النهاية، من العنصرية البنيوية.

وسائل التواصل، جزء مخصَّخص من المجال العام، يجب إضفاء الطابع الاجتماعي عليه، وإضفاء الطابع الديمقراطي كذلك.

من الواضح، أن هذه مهمة سياسية ضخمة، وفي غضون ذلك، يجب أن نهدف في كل حالة، إلى الحد من قوة التكنولوجيا الكبيرة، يجب أن نطالب بالمزيد من المساءلة والشفافية والرقابة، وعلينا أن نكافح من أجل فرض ضرائب أعلى، على هذه الشركات، للمساعدة في تمويل وسائل الإعلام العامة.

ونظراً لأن نسبة متزايدة من الأشخاص، تتجه إلى وسائل التواصُل، للحصول على الأخبار والمعلومات، فإن معركة السيطرة على هذه الوسائل تزداد أهمية.

على مستوى أدق، نحتاج  إلى التعامُل مع استخدامات وسائل التواصُل الاجتماعي، بعدسة استراتيجية، وإيجاد طرق للتغلُّب على الخوارزمية.

على مستوى كلي، لا بد من إيجاد طرق لمحاربة التطرُّف، دون تمكين شركات التكنولوجيا الكبرى ولا الحكومات، من كبح  حرية التعبير السياسي.