موسكو تستخدم اليمين المتطرِّف للتسلُّل إلى برلمان الاتحاد الأوروبي

كان الهدف من رحلة السياسيين إلى شبه جزيرة القرم، مراقبة التصويت على التغييرات في دستور الاتحاد الروسي، والتغييرات التي أدخلها الرئيس فلاديمير بوتين في يناير 2020، من أجل الحصول على إمكانية البقاء في السلطة حتى عام 2036.

موسكو تستخدم اليمين المتطرِّف للتسلُّل إلى برلمان الاتحاد الأوروبي
البرلمان الأوروبي

ترجمات - السياق

هبطت طائرة مستأجرة تديرها شركة Severstal Air الروسية بسيمفيروبول، في مساء دافئ 30 يونيو 2020، عاصمة شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في مارس 2014.

وكان ما يقرب من نصف الركاب المسافرين من موسكو إلى شبه جزيرة القرم، في رحلة خاصة من السياسيين الأوروبيين، إضافة إلى سياسيين ونشطاء من دول أخرى، كأفغانستان وتشيلي وفنزويلا أيضًا.

ورافق السياسيين مترجمون فوريون، معظمهم من الروسيات في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، وبعضهم في شبكة تلفزيون RT الروسية التي تسيطر عليها الدولة، ووزارة الخارجية الروسية.

كان الهدف من رحلة السياسيين إلى شبه جزيرة القرم، "مراقبة" التصويت على التغييرات في دستور الاتحاد الروسي، والتغييرات التي أدخلها الرئيس فلاديمير بوتين في يناير 2020، من أجل الحصول على إمكانية البقاء في السلطة حتى عام 2036.

ومع كل ذلك، واتباعًا لتقليد روسي باستخدام آليات بديلة للتأييد الدولي لأي انتخابات مشكوك فيها، دعت موسكو العشرات من السياسيين والصحفيين والناشطين الأجانب، الذين كانوا على استعداد لأن يشيدوا بأي عملية انتخابية في روسيا، واعتبارها ديمقراطية ومنفتحة وحرة ونزيهة، مهما كان سلوكهم الفعلي.

وقد "راقب" بعضهم عملية التصويت في روسيا فقط، بينما تم إحضار ركاب طائرة سيفيرستال لفعل الشيء نفسه بالقرم.

وكان الجزء الأكبر من الوفد مجموعة من أعضاء البرلمان الأوروبي الفرنسيين، ويضم كلاً من فيرجيني جورون، وإيرفي جوفين، وجان لين لاكابيل، وفيليب أوليفييه، وتيري ماريان، إضافة إلى جميع أعضاء حزب التجمع الوطني اليميني المتطرِّف بقيادة مارين لوبان، وجميع أعضاء مجموعة الهوية والديمقراطية اليمينية المتطرِّفة في البرلمان الأوروبي.

وتُـعَـدُّ لوبان مؤيدة قوية للكرملين، وكانت المفضَّلة لدى موسكو في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017، مع العلم بأن السياسيين والنشطاء الأوروبيين الآخرين، الذين وصلوا إلى سيمفيروبول، لم يكونوا أقل شهرة من لوبان.

 

قائمة المدعوين

النائب السويدي السابق إريك المقفيست، الذي كان عضواً في أقصى اليمين الديمقراطي السويدي، ويدير الآن مؤسسة "وسائل الإعلام البديلة" Exakt24.

الناشط الفنلندي يوهان باكمان، الذي أُعلن أنه غير مرغوب فيه في إستونيا ومولدوفا، بسبب أنشطته المؤيدة للكرملين، والذي حُكم عليه عام 2018 بالسجن 12 شهرًا مع وقف التنفيذ، بتهمة التشهير الجسيم، ومطاردة الصحفية الفنلندية جيسيكا أرو، التي حقَّقت في مصنع الترول الروسي.

ناشط الجبل الأسود المناهض للناتو إيغور داميانوفيتش، ويكتب لموقع IN4S، كما يعلِّق بانتظام على وسائل الإعلام الروسية المتحالفة مع الدولة.

فولكر تشابكي، موظف ألماني في أفريك، وهي شبكة من عملاء وأصحاب النفوذ الروسي بأفريقيا وأوروبا، وأنشأتها مجموعة رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، المعتمد من الولايات المتحدة.

العضو السابق في لجنة الانتخابات البلغارية، مارتن رايكوف، نائب رئيس حزب "يسار الوسط البلغاري البديل من أجل النهضة البلغارية"، ليوبوميرا غانتشيفا.

وقد رأس الوفد الفرنسي تييري مارياني، النائب السابق عن يمين الوسط (2012-2017)، ووزير النقل سابقًا (2010-2012)، الذي انضم إلى التجمع الوطني اليميني المتطرف، عام 2019، وانتخب عضواً في البرلمان الأوروبي في ذلك العام.

وشارك مارياني في أنواع مختلفة من الأنشطة المؤيدة للكرملين سنوات عدة، وعلى وجه الخصوص، سافر بشكل غير قانوني إلى شبه جزيرة القرم، برفقة امرأة تبلغ من العمر 30 عامًا، وهي مستشارته السياسية في البرلمان الأوروبي.

 

من هي تمارا فولوخوفا؟

ربما كان أكثر ركاب طائرة Severstal إثارة للاهتمام، مواطنة روسية، نتعرَّف من خلالها إلى مظهر آخر في كيفية استمرار روسيا في التسلُّل إلى البرلمان الأوروبي، من خلال استخدام أقصى اليمين الأوروبي.

اسمها تمارا فولوخوفا، درست  الاتصال والعلاقات العامة في مدرسة الاتصالات الأوروبية. وأجرت تدريبًا داخليًا في المرصد السمعي والبصري الأوروبي التابع لمجلس أوروبا، عام 2012، وذلك قبل الانتقال إلى فترة تدريب في المديرية العامة للتواصل في البرلمان الأوروبي، عام 2013.

وأصبحت ملحقًا برلمانيًا متدربة في العام التالي، مع مجموعة أوروبا الحرية والديمقراطية اليمينية المنتقدة للاتحاد الأوروبي، التي كان يرأسها زعيم حزب Ukip آنذاك نايجل فاراج، وعضو حزب الرابطة اليميني المتطرف الإيطالي فرانشيسكو سبيروني.

وفي عام 2014، بعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية في مايو، حصلت فولوخوفا على عقد ملحقة برلمانية للعمل مع إيمريك تشوبريد، ثم عضوا في الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينية المتطرفة (FN) ، و مستشارة لوبان للعلاقات الدولية.

وفي 16 مارس من ذلك العام، وبدعوة من الرئاسة الروسية، كان تشوبريد أحد "المراقبين" على الاستفتاء غير المشروع، في شبه جزيرة القرم، الذي أعقبه سريعًا ضم روسيا لهذه الأراضي الأوكرانية.

كما شارك تشوبريد من العام نفسه، في المفاوضات بين جمعية التمويل السياسي لجين ماري لوبان، التي تم استخدامها لإقراض الحملات الانتخابية لأعضاء الجبهة الوطنية. وقد حصلت الجبهة الوطنية نفسها على قرض بـ 9.4 مليون يورو من بنك روسي في سبتمبر 2014.

وبصفتها ملحقًا لشوبريد، فقد نسَّقت فولوخوفا رحلتها إلى مؤتمر "المؤيد للأسرة" المسمى العائلة الكبيرة ومستقبل الإنسانية، وفي موسكو حيث حظي تشوبريد بامتياز المشاركة في الجلسة العامة، وشارك على طاولة واحدة كل من بطريرك موسكو وكل روسيا، فلاديمير (كيريل) جوندياييف، والحاخام الرئيسي لروسيا بيريل لازار، والمفتي الأعلى لروسيا تالغت تاج الدين، وكذلك صاحب النفوذ الروسي الخبيث في أوروبا، فلاديمير ياكونين وكونستانتين مالوفيف.

كما كتبت فولوخوفا ثلاث مقالات لموقع تشوبراد الإلكتروني، جميعها من منظور الكرملين لحرب الناتو والولايات المتحدة وروسيا على أوكرانيا.

وفي عام 2015، استقال تشوبراد من الجبهة الوطنية لكن فولوخوفا ظلت ممثله الخاص. وفي العام التالي، وبناءً على طلب تشوبراد، تواصلت مع رجل الأعمال ياكونين، واقترحت عليه إنشاء معهد تشوبراد العالمي المتعدِّد الأقطاب والذي اعتبر عنصراً مهماً في مشروع  ياكونين لحوار الحضارات.

ورغم أن  تشوبراد وياكوني التقيا في سان بطرسبرج، يناير 2016، فإن مبادرة تشوبراد فشلت.

ورغم كل ذلك، تلقت فولوخوفا ترقية عام 2017، حيث أصبحت مستشارة سياسية، بعد أن وظَّفتها بشكل مباشر مجموعة أوروبا للأمم والحرية، وحصلت  على حق الوصول إلى أعمال لجنة البرلمان الأوروبي للشؤون الدستورية، ولجنة مراقبة الميزانية، ولجنة حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، ووفد الاتحاد الأوروبي إلى روسيا.

وفي عام 2017، شاركت في عملية ترتيب التأشيرات الروسية لعدد من أعضاء البرلمان الأوروبي الأوروبيين، ولكي تستطيع المطالبة بتأشيرات روسية لهم، كانت فولوخوفا على اتصال مع ليونيد سلوتسكي، رئيس لجنة الشؤون الدولية في البرلمان الروسي.

وطالما شارك سلوتسكي في تعزيز مصالح السياسة الخارجية الروسية في أوروبا، وكان نشطًا بشكل خاص في تجنيد السياسيين الأوروبيين لقضية الكرملين، وتنظيم بعثات وهمية لمراقبة الانتخابات، وتنسيق الجهود الرامية إلى إضفاء الشرعية على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

وبحلول عام 2020، حصلت فولوخوفا  التي تصف نفسها بأنها "مناهضة للأوروقراطية" على إحدى شبكاتها الاجتماعية، على الجنسية الفرنسية، مع الاحتفاظ بالجنسية الروسية.

كما سمحت لها الجنسية الفرنسية بخوض الانتخابات البلدية لعام 2020 في مقاطعة بارين في الألزاس، التي من المتوقع، أن تتجه إلى قائمة التجمع الوطني، واحتلت المرتبة الخامسة على قائمة 65 مرشحًا للتجمع الوطني، لكن الحزب لم ينجح في تلك الانتخابات.

ورغم الفشل في الانتخابات البلدية، تظل فولوخوفا موظفة روسية مهمة في التجمع الوطني في البرلمان الأوروبي، في ستراسبورغ وبروكسل.

وصولها إلى لجان البرلمان الأوروبي، التي تساعد في تشكيل السياسات الخارجية والدفاعية الأوروبية، جنبًا إلى جنب مع رئيسها مارياني بمقعد في اللجنة الخاصة للتدخل الأجنبي -وهو مكتب تم إنشاؤه ودوره  هو التحقيق في التدخل الروسي في شؤون الاتحاد الأوروبي- يمثِّـل تهديدًا أمنيًا واضحًا للبرلمان الأوروبي، الذي  يحتاج إلى معالجة عاجلة.