اعتراف بايدن بإبادة الأرمن يعزل أنقرة ولا يفكّ تحالفها مع واشنطن
ما قام به الرئيس الأمريكي، هو إيفاء بوعد انتخابي، إلا أن رؤساء كثيرين قبله، وعدوا في حملاتهم الانتخابية بهذا الأمر، لكنهم لم ينفذوا

ترجمات السياق
يشرح المؤرِّخ التركي الأمريكي، العالم السياسي سونر كاجابتاي، تداعيات اتخاذ الرئيس الأمريكي، القرار التاريخي، باستخدام عبارة "إبادة جماعية" في توصيف مذبحة الأرمن، على أيدي الأتراك، مؤكِّداً أنّ السياق مختلف، عن سياقات الرؤساء الأمريكيين، الذين سبقوه، وأنّه "لا أحد يحبّ تركيا" في هذه المرحلة.
ويوضح كاجابتاي، في مقابلة مع صحيفة لوبوان الفرنسية، أنّ ما قام به الرئيس الأمريكي، هو إيفاء بوعد انتخابي، إلا أن رؤساء كثيرين قبله، وعدوا في حملاتهم الانتخابية بهذا الأمر، لكنهم لم ينفذوا، مضيفاً أنه "في الماضي بمجرَّد انتخاب الرؤساء، يقول لهم مستشاروهم: "لقد كان ذلك وعداً لحملتك، لكن المصالح الاستراتيجية مع تركيا، أكثر أهمية، إنه حليف جيد ليس من المستحب أذيته، والفرق الآن، هو أن لا أحد يحب تركيا، هناك إجماع على أن هناك إبادة جماعية للأرمن، وهناك عدد كبير من الأرمن في الشتات، وتقوم الجالية الأرمنية بحملات، على مستوى الدول، منذ عشرين عامًا على الأقل.
ويوضح مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، المتخصص في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، أسباب تنازُل واشنطن، عن تحالفها مع تركيا، قائلاً إنّ "الولايات المتحدة أقامت تحالفات مع دول قوية عسكرياً وديموغرافياً واقتصادياً، مثل تركيا واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، لكن على مدى السنوات العشرين الماضية، نأت تركيا بنفسها عن الولايات المتحدة، أكثر مما وسَّعت نفوذها في الشرق الأوسط" مضيفاً: "لقد انخرطت الولايات المتحدة، في حربين في مناطق قريبة من تركيا منذ عام 2003، في العراق لمدة عشر سنوات، اتبعت تركيا استراتيجية معاكسة لاستراتيجية الولايات المتحدة، التي كانت تدخُّلية، وفي سوريا كان الأمر عكس ذلك، حيث أرادت تركيا عزل بشار الأسد، بينما لم يرغب أوباما في إرسال قوات، واعتباراً من عام 2014، كانت أولوية الولايات المتحدة، هي هزيمة تنظيم الدولة، في حين أن تركيا لم تكن كذلك".
ويتابع كاجابتاي: "طالما اعتبر (البنتاغون) تركيا أفضل حليف لأمريكا في الشرق الأوسط، لكنه الآن يعتبرها مخربة" مستحضراً حادثة الانقلاب الفاشل ضد أردوغان، عام 2016، حين التزم الحلفاء الغربيون الصمت، بينما كان الرئيس التركي في قصره، وبدلاً من تلقي مكالمات هاتفية، من باريس ولندن والأمين العام لحلف شمال الأطلسي أو واشنطن، جاء الدعم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومنذ ذلك الحين قدَّم بوتين نفسه، على أنه حاميه وليس مجاناً بالطبع" وفق تعبيره.
ويشرح كاجابتاي، تداعيات ذلك، معتبراً أن بوتين نجح في كسب الحرب في سوريا، من دون رصاصة واحدة، وفي تحييد أهم جيش مناهض للأسد، كما أنه ضرب إسفيناً، في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، وجعل تركيا تشتري صواريخ الدفاع الجوي الروسية 400S إلا أنه اعتبر أنّ "تركيا وروسيا ليستا، ولن تكونا حليفيتن، لكن أردوغان وبوتين أقاما رابطة" مذكِّرا بأنّ الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية القيصرية خاضتا 17 حرباً تسبَّب فيها الروس وخسرها الأتراك.
ويمضي الخبير المتخصص في العلاقات الأمريكية التركية، في شرح أسباب اتساع الهوة، بين الولايات المتحدة وتركيا، قائلاً إنّ "حقيقة أنها تشتري صواريخ 400S هي التي أثارت عداء (البنتاغون) لتركيا، حيث توقف (البنتاغون) الذي كان حجر الزاوية، في هيكلة المؤسسات الأمريكية، للاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، عن نقل هذه الرسالة إلى الرئيس الأمريكي، ومن ثم أصبح يمارس ضغوطاً ضد تركيا، التي أصبحت أكبر منتقديه".
ويؤكد كاجابتاي أنّ "هذا هو السبب أيضاً في توقيع أغلبية أعضاء الكونجرس من الحزبين، رسائل في الأسابيع الأخيرة، تطالب جو بايدن، بتشديد العقوبات على تركيا، فضلاً عن أن تركيا تتمتَّع بسُمعة سيئة في الديمقراطية" موضحا أنّ "الكونجرس أكثر تشدُّداً من بايدن، في ما يتعلَّق بتركيا، حتى أكثر أعضاء البنتاغون، الذين يعارضون أي تعميق للعلاقات معها، ما أخرجها لاحقاً من برنامج مشروع الطائرات المقاتلة الأمريكية 35F وهذا مهم للغاية، لأن التحالف بين الولايات المتحدة وتركيا، يقوم على التعاون الدفاعي، وليس على التجارة، أو الثقافة، أو القُرب التاريخي، وقد كان من المفترض، أن تعزِّز طائرات 35F الروابط بين البلدين، لذلك يشعر أعضاء الكونجرس بالقلق، بشأن أنظمة 400S وأيضاً بشأن انتهاكات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وسياسات أردوغان الاستبدادية" وفق تعبيره.
ويستدرك الباحث قائلاً: "ومع ذلك فإن تركيا لاعب مهم في أفغانستان، وستبقى قواتها هناك، عندما يرحل الجيش الأمريكي، ومن ثم فإنّ واشنطن قادرة على الدخول في خلافات كبيرة مع تركيا، بينما تتعاون في مواضيع أخرى، مثل أفغانستان أو أوكرانيا، وتدرك الولايات المتحدة، أن لتركيا نفوذاً في أفغانستان، لذلك فإن الصورة ليست قاتمة، إنها ليست علاقة استراتيجية دافئة، بل يمكن تجزئتها وتضمين مجالات التعاون".
ووفق كاجابتاي، فإنّ "اعتراف بايدن بإبادة الأرمن، يمثَّل لأول مرة منذ عقود، تأكيداً للالتزام بالديمقراطية، كأحد المبادئ الأمريكية للسياسة الخارجية، إذ لم يعد الأمر مجرَّد كلمات، إنه بسبب الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة في الكابيتول هيل في واشنطن، بعد التشكيك في شرعية الانتخابات، حيث يريد بايدن إظهار التزام قوي بالديمقراطية، لإعادة بناء الثقة في الولايات المتحدة، وتتأثَّر السياسة تجاه تركيا بهذا التوجُّه، والسبب الآخر هو التحوُّل في الدبلوماسية الأمريكية، نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
وبخصوص عواقب الاعتراف بالإبادة الجماعية، أكد كاجابتاي أنّه "يمكن للأرمن في جميع أنحاء العالم، السعي للحصول على تعويضات، بناءً على هذا البيان، كدليل على أنه كانت هناك بالفعل إبادة جماعية، على المدى القصير أو المتوسط، ستكون هناك دعاوى قضائية ضد تركيا، ويمكن لأردوغان أن يماطل، لأنه -رغم كل شيء- يريد الانسجام مع بايدن، ورغم انزعاجه، فإنّه لن يبالغ في رد الفعل".
ويضيف: "لا أعتقد أننا سنرى إجراءات ملموسة، مثل طرد الولايات المتحدة من قاعدة إنجرليك العسكرية، ومن ناحية أخرى، قد تكون هناك نقطة تحوُّل في محاكمة بنكك "خلق" (البنك العام التركي المتهم بغسل الأموال، الذي انتهك العقوبات المفروضة على إيران) والتي من المحتمل ألا يقبل بها أردوغان" وخلص إلى القول: إنّ "العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، تتشكَّـل لتكوّن عاصفة" حسب وصفه.