سبايدر نظام دفاع جوي لسد النهضة أمل إثيوبيا في البقاء
رغم الاجتماعات الدبلوماسية المتعدِّدة، وتشكيل لجان من الخبراء، تصر إثيوبيا على ملء السد، سواء توصلت إلى اتفاق مع مصر والسودان، أم لا.

ترجمات - السياق
منذ نحو عقد من الزمان، تتفاوض دول حوض النيل الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، على سد النهضة ، في محاولة للتوصُّل إلى اتفاق ملزم بشأن تشغيل السد.
ورغم الاجتماعات الدبلوماسية المتعدِّدة، وتشكيل لجان من الخبراء، والزيارات البابوية المصرية المتكرِّرة، للكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية، تصر إثيوبيا على ملء السد، سواء توصلت إلى اتفاق مع مصر والسودان، أم لا.
وفي عام 2019، بعد فترة وجيزة من فوزه بجائزة نوبل للسلام، حذَّر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، من أن بلاده مستعدة لتعبئة ملايين الجنود، من أجل قضية سد النهضة.
ووفقًا لموقع ميديوم، قال الجنرال بيرهانو جولا، نائب قائد الجيش الإثيوبي، بعد أشهر، لوسائل الإعلام الحكومية: "المصريون وبقية العالم، يعرفون جيدًا كيف نتعامل مع الحرب متى حدثت".
وأتى هذا التحوُّل الجذري، في لهجة الدبلوماسية الإثيوبية، بعد أشهر فقط من تثبيت نظام الدفاع الجوي سبايدر- إم آر Spyder-MR متوسط المدى، بالقرب من سد النهضة، في يوليو 2019.
وأصبح التساؤل الآن: هل يكون لنظام سبايدر تأثير كبير في الحسابات الإقليمية؟
أفادت تقارير وكالات الأنباء الإثيوبية، بأن شركتين إسرائيليتين، هما "صناعات الفضاء الإسرائيلية" و"رافائيل"، قد ثبتتا أنظمة دفاع سبايدر، بالقرب من سد النهضة، في يوليو 2019، وهو مزوَّد برادار Elta، ما يجعله فعالاً ضد الطائرات، التي تحلِّق على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة، والطائرات المسيَّـرة وصواريخ كروز والذخائر دقيقة التوجيه، ضمن نطاق النظام.
إلا أن الفعالية العسكرية، لأي نظام دفاع أرضي جوي، لا تُقاس بمدى الصواريخ أو نوع الرادار فقط، بل هناك اعتبارات أخرى، تشمل ما إذا كان النظام جزءًا من شبكة دفاع أكبر، وما إذا كانت هذه الشبكة، مدمجة في نظام أكبر، للدفاع عن مجال جوي معين، وهما أمران تفتقر إليهما إثيوبيا، حيث تدير نظام سبادير كوحدة مستقلة، منفصلة عن شبكة الدفاع الإثيوبية، لذلك يحتاج النظام لإدارة طاقم منفصل لتشغيله، ما يقلل من فعاليته.
ولا تستطيع إثيوبيا، دمج نظام سبايدر، في شبكتها الدفاعية حاليًا، لأن أغلبيتها تعتمد على التكنولوجيا السوفيتية القديمة، أو الأنظمة التي اشترتها إثيوبيا مؤخرًا، من أصل صيني.
وإذا دمجت إثيوبيا الأنظمة، فقد يعرِّض ذلك، وصولها المستقبلي إلى الذخيرة، وقطع الغيار والخبرة الفنية المطلوبة، للحفاظ على أصولها العسكرية الحالية، من أصل روسي وصيني، للخطر.
وبالنسبة لنظام الدفاع الجوي الأشمل، تفتقر إثيوبيا إلى القوة الجوية الفعالة، لدعم شبكة أنظمة الدفاع، حيث تعتمد على سربين، عفا عليهما الزمان، من الطائرات المقاتلة من طراز MiG-23 وSu-27، اللذين تُـعَـدُّ حالتهما موضع شك وجدل.
ومن شأن هذين العاملين وحدهما، تقويض فعالية نظام سبايدر في إثيوبيا، خاصة إذا تم نشرهما، لردع خصم مثل مصر، في صراع غير متكافئ، فسلاح الجو المصري لا يتفوَّق على إثيوبيا، من حيث العدد والنوع فحسب، بل يمكنه أيضًا، قصف الأهداف المرجوة، من دون الدخول إلى نطاق نظام سبايدر.
وتشير هذه العوامل، إلى أن نظام سبايدر، غير قادر على حماية السد، بشكل فعال، الأمر الذي يثير تساؤلًا عن سبب شراء إدارة آبي أحمد للنظام من الأساس.
فمنذ وصوله إلى السلطة عام 2018، واجه عددًا من التحديات، التي أعاقت مخططاته السياسية، وهدَّدت استقرار نظامه، وكان أول هذه التحديات عِرْقه الأورومو، حيث يشكِّـل شعب الأورومو أكثر من ثلث سُكان إثيوبيا، البالغ عددهم 100 مليون نسمة، وكان من المفترض، أن يشير صعود آبي أحمد إلى السلطة، كأول زعيم أورومو في تاريخ البلاد، إلى بداية جديدة لهذه المجموعة العِرقية.
ومع ذلك واجه آبي أحمد، من البداية، صعوبة في الاستجابة لمظالم الأورومو، من دون الظهور كمتحيِّـز لعِرقه، الأمر الذي من شأنه التأثير في وحدة الدولة.
وفي 29 يونيو، أدى حادث إطلاق النار، على موسيقي الأورومو الشهير، هاتشالو هونديسا في أديس أبابا، إلى احتجاجات حاشدة في ولاية أوروميا، ووجد آبي أحمد نفسه، في مواجهة اختبار اضطر فيه إلى الاختيار بين إخلاصه العِرقي وصورته كرئيس للوزراء لكل الإثيوبيين، واختار الأخيرة.
ومنذ ذلك الحين، أدى اختياره إلى مئات القتلى، واعتقال الآلاف، من أبناء عرقه.
في حين كان التحدي الثاني لقيادة آبي أحمد، علاقته بجبهة تحرير شعب تيغراي، الحزب الحاكم السابق في إثيوبيا، تحديًا لأجندة آبي السياسية، نظرًا لنفوذه الكبير، على المجالات السياسية والعسكرية للدولة.
وكان آبي أحمد، بحاجة إلى الاستحواذ والسيطرة، واستبدال نفوذ الحزب القابض على أجهزة الدولة، عن طريق عزله، حتى لو أدى ذلك إلى حرب أهلية، وأدى الأمر بالفعل، إلى زعزعة استقرار البلاد ووحدتها.
ولمواجهة هذه التحديات، أو على الأقل التعايُش معها، لجأ آبي أحمد، إلى أقدم حيلة سياسية في التاريخ، وهي صرف الانتباه عن الأزمات المحلية، من خلال تحديد عدو أجنبي مشترك، ووجد مُراده في تصوير مصر كشيطان.
وتطلَّب تصوير مصر كعدو، أكثر من مجرَّد حملات سياسية، عبر وسائل الإعلام، التي تديرها الدولة، حيث احتاج آبي أحمد، إلى خُطوات مادية، لدعم هذه الصورة في قلوب وعقول الشعب الإثيوبي، وكان شراء نظام سبايدر، إحدى تلك الخُطوات، رغم عدم فعاليته التكتيكية.
وعندما تعلن دولة ما، نشر نظام دفاع أرضي جوي، بالقرب من موقع استراتيجي، فإن ذلك يشير إلى أنه تحت التهديد، وهذا ما أراده آبي أحمد.
وتؤكِّد التسريبات المتعمَّدة الاستثنائية، عن منطقة نشر نظام سبادير، عبر وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، والتحوُّل المتزامن في اللهجة الإثيوبية تجاه دول حوض النيل، هذه النظرية.
وسمحت لعبة نظام سبايدر لآبي أحمد، بصرف انتباه الشعب الإثيوبي، عن المسار الكارثي لعمله السياسي، الذي أدى إلى حرب أهلية، وتصوير نظامه كحصن ضد المعتدين الأجانب.
ولنظام سبايدر روايتان، واحدة تكتيكية، والأخرى سياسية، فمن الناحية التكتيكية ليست للنظام أهمية، ضد دولة تتمتَّع بقدرات متطوِّرة طويلة المدى، مثل مصر، لكنه أداة سياسية في يد نظام آبي أحمد.