لتجاوز عُزلتها وانكماش اقتصادها تركيا تتجه نحو العملاق الصيني
أنقرة، التي عزَّزت علاقاتها الاقتصادية بالصين، اضطرت إلى تعديل مواقفها السياسية أيضاً، في علاقتها بملف الأيغور، بعد أن كانت تركيا تتهم بكين، باضطهاد هذه الأقلية المسلمة، وهذا التغيير، فرضته المصلحة الاقتصادية، والحاجة الماسة إلى الأتراك، لإنقاذ اقتصادهم المتعثِّـر.

ترجمات السياق
تسعى تركيا، إلى تعزيز علاقاتها بالعملاق الصيني، لتجاوز حالة العزلة، التي تواجهها أوروبياً، وتدارُك المؤشرات الاقتصادية المتدنية، مع تداعيات الأزمة الصحية، وانهيار قيمة العملة، وزيادة حجم العجز التجاري.
وذكر تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية، إنّ أنقرة، التي عزَّزت علاقاتها الاقتصادية بالصين، اضطرت إلى تعديل مواقفها السياسية أيضاً، في علاقتها بملف الأيغور، بعد أن كانت تركيا تتهم بكين، باضطهاد هذه الأقلية المسلمة، موضحاً أنّ هذا التغيير، فرضته المصلحة الاقتصادية، والحاجة الماسة إلى الأتراك، لإنقاذ اقتصادهم المتعثِّـر.
وأشار التقرير، إلى تراجُع المؤشرات الاقتصادية في تركيا، ومنها تقلُّص احتياطات النقد الأجنبي، وتصاعُد مستويات العجز التجاري، والانخفاض الحاد والتاريخي لقيمة الليرة التركية، فضلاً عن تأثير جائحة كورونا، في قطاع السياحة، الذي يُعَدُّ أحد المصادر الرئيسة للنقد الأجنبي.
وتتطلَّع تركيا اليوم، إلى الحصول على التمويل والاستثمار الصيني، بعد أن كانت بكين قد تدخلت، لإنعاش الاقتصاد التركي، ويشير التقرير إلى أنّ الحكومة التركية تلقَّت في صيف 2018 في خضم الأزمة المالية، عندما انخفضت قيمة الليرة التركية بنحو 40، قروضًا بـ 3 مليارات يورو، من البنك الصناعي والتجاري الصيني، وفي يونيو 2019 بعد هزيمة حزب العدالة والتنمية (في السلطة منذ عام 2002) في الانتخابات البلدية، حوَّل البنك المركزي الصيني، نحو مليار دولار، إلى البنك المركزي التركي، كجزء من "اتفاقية لتبادل العملات" بين البلدين.
واستعرض التقرير، الإجراءات التي اُتخذت، لتعزيز التعاون المالي، بين تركيا والصين، مشيراً إلى أنه منذ عام 2020، يُسمح للشركات التركية، التي تتاجر مع الصين، باستخدام اليوان الصيني في مدفوعاتها، وأنّ هناك نحو 100 شركة تركية تعمل تجارياً في الصين، ويوجد نحو 800 شركة صينية في تركيا، بينما زادت شركة هواوي، عملاق الاتصالات الصيني، حصتها في السوق التركية من 3% عام 2017 إلى 30% في 2019، واستحوذت شركة "زد تي أي" المتخصِّصة في التكنولوجيا، على 48% من شركة نيتاس، المشغلة الرئيسية لاتصالات مطار اسطنبول الجديد، والمكلَّفة برقمنة البيانات الصحية في تركيا.
وحسب التقرير الفرنسي، فإنّ تركيا تراهن على موقعها الجغرافي، ووزنها الاقتصادي الإقليمي، وعضويتها في حلف شمال الاطلسي، لتكون حلقة وصل مهمة في "طرق الحرير الجديدة" التي أطلقها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ويوضح أنه في يناير 2020 اشترت شركة صينية عملاقة 51% من الجسر الثالث، الذي يربط أوروبا بآسيا، على مضيق البوسفور، وقبل خمس سنوات، اشترت شركات صينية أخرى، ميناء كومبورت التجاري، بالقرب من اسطنبول.
ووفق التقرير، يعتمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على المستثمرين الصينيين، لمساعدته في تحقيق مشروعه الضخم، المزمع افتتاحه في اسطنبول، بين البحر الأسود وبحر مرمرة، في إشارة إلى مشروع القناة الملاحية الاصطناعية، الذي تقدَّر تكلفته بنحو 25 مليار يورو.
ووفق التقرير، فإن هذا التوجُّه المُتصاعد لتركيا، نحو العملاق الشرقي، يأتي بعد تصاعُد حالة التوتر مع الاتحاد الأوروبي من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، لا سيما في العلاقة بملفات حقوق الإنسان، والدور التركي التخريبي، في مناطق التوتر (مثل سوريا وليبيا) وشرق المتوسط، إضافة إلى الموقف الأمريكي، الذي وضع أنقرة في حرج، مع إقرار إدارة بايدن، بارتكاب تركيا إبادة جماعية بحق الأرمن، سنة 1915، في تغيُّـر لافت، لمواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
وتمثِّل هذه السياقات، مُجتمعة، مصدر إزعاج للدبلوماسية التركية، التي تواجه عُزلة مُتصاعدة، في التسويق لصورة البلد، كقوة إقليمية، ولاعب أساسي في قضايا المنطقة، على اختلاف الفاعلين الرئيسيين فيها.