هل يستطيع عمران خان تغيير مسار العلاقات السعودية الباكستانية؟
تتمتع إسلام أباد والرياض بشراكةٍ إستراتيجية منذ عقود، وتاريخياً أنقذت المملكة باكستان بشكلٍ دائم على الصعيد المالي.

ترجمات - السياق
تتعرَّض العلاقة، التي استمرت عقوداً، بين باكستان والمملكة العربية السعودية، لتحديات، تتطلَّع الرياض إلى تنويع اقتصادها المعتمد على النفط، من خلال زيادة الانخراط مع دول جنوب آسيا الأخرى، بينما تكافح إسلام أباد، لتوسيع العلاقات، مع شريكها طويل الأمد، بما يتجاوز التعاون الأمني والعلاقات الثقافية.
ففي أحدث محاولةٍ لإحياء العلاقة، وصل رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى جدة بالمملكة العربية السعودية، قبل أيام، في زيارة لثلاثة أيام، وسبقه قائد الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوا، لوضع الأساس لبدايةٍ جديدة.
وقال الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني، إن باجوا ناقش الأمن الإقليمي والدفاع الثنائي، من بين أمورٍ أخرى، في اجتماعاتٍ مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وآخرين.
وفي غضون ذلك، قال طاهر أشرفي، المساعد الخاص، إن المحادثات ستتضمن "تعزيز التعاون التجاري، والتعاون في مجال الإعلام والمعلومات والتبادل الثقافي" وأضاف أن المناقشات ستشمل أيضاً استراتيجيةً مشتركة ضد الإرهاب.
تتمتَّع إسلام أباد والرياض، بشراكةٍ استراتيجية منذ عقود، وتاريخياً أنقذت المملكة باكستان بشكلٍ دائم، على الصعيد المالي.
فمنذ الستينيات، تلقَّت باكستان مساعداتٍ من المملكة العربية السعودية، أكثر من أي دولةٍ أخرى خارج العالم العربي، ولم تسدِّد أي قروضٍ تقريباً.
وبدورها، قدَّمت إسلام أباد مساعداتٍ وخبراتٍ عسكرية للرياض. وقال خان هاشم بن صديق، السفير الباكستاني السابق لدى المملكة: "تعرف المملكة، في أعماق قلبها، أنه يمكنها الاعتماد على دعم باكستان، في حال تعرُّض أمنها للتهديد، وهناك رابطة ثقةٍ تاريخية في التعاون الأمني".
لكن في الآونة الأخيرة، بدت إسلام أباد والرياض، وكأنهما ليستا على التردُّد نفسه، فقبل ست سنواتٍ، قررت إسلام أباد الانسحاب من تحالف دعم الشرعية في اليمن، وعندما يتم إخراج التعاون الدفاعي من الصورة، اتضح أن باكستان لديها القليل لتقدِّمه للمملكة.
في غضون ذلك، بدأت المملكة العربية السعودية، السعي إلى توثيق العلاقات الاقتصادية، وزيادة التعاون العسكري، مع دول جنوب آسيا الأخرى، بما في ذلك الهند، عدو باكستان اللدود.
وفي أبريل 2016، أطلق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حزمة جديدة من مشاريع التعاون الثنائي، مع الرياض.
ومع تقارُب نيودلهي والرياض، شرعت إسلام أباد -التي تشهد تحولاً مضطرباً في علاقتها مع الرياض- في إصلاح العلاقة، ففقدان مصلحةٍ واحدة، مع أقوى الدول الإسلامية، سيعني غضباً بين الباكستانيين المتدينين في الداخل، إضافة الى ما يمثِّله الأمر، من معوِّقات اقتصادية وأمنية.
وتسعى إسلام أباد، إلى زيادة حصص السعودية في باكستان، من خلال تقديم ومتابعة الفرص الاقتصادية للمستثمرين السعوديين، ليصبح ذلك جزءاً من جهود المملكة، لتنويع اقتصادها.
بدأت محاولات إسلام أباد، للدفع بالعلاقات مع الرياض، عام 2018، حين وضعت باكستان مجهودها بشكلٍ أساسي، في التحالف لإعادة الشرعية في اليمن ضد الحوثيين، من خلال إرسال قواتٍ في "مهمة التدريب وتقديم المشورة".
بعد ذلك، سعى الطرفان إلى تنويع العلاقات، إلى ما بعد التعاون الأمني، وتفاوض رئيس الوزراء الباكستاني السابق شهيد خاقان عباسي، على حزمةٍ اقتصادية وثقافية، تتضمَّن زيادة حصة القوى العاملة الباكستانية، في مشاريع البناء بالمملكة، وتأمين الاستثمار السعودي لمحطات الغاز الطبيعي المُعاد تحويله إلى غاز، ومصفاة لتكرير النفط، والطاقة البديلة.
وتم تحديد جدول لعلاقةٍ أوثق، تبع ذلك انتخاب باكستان لرئيس وزراء جديد.
و في أكتوبر 2018 حصلت باكستان على حزمة بـ 6.2 مليار دولار من المملكة، و3.2 مليار دولار لإمدادات النفط والغاز، بنظام الدفع المؤجَّل.
أخرج الدعم المالي باكستان، من أزمةٍ اقتصادية تلوح في الأفق. وفي فبراير 2019، وصل محمد بن سلمان إلى إسلام أباد، لتوقيع الحزمة الاقتصادية والثقافية، التي تم التفاوض عليها بين البلدين، بداية عام 2018.
ورغم أن ذلك، بدا ظاهرياً وكأنه يرسم صورةً مظفرة للعلاقات الباكستانية السعودية، فإن انزعاج المملكة من القيادة الباكستانية، كان يتزايد.
وقال السفير الباكستاني السابق: إن خان أخبر السعوديين بأن باكستان "يائسةٌ" للحصول على قرضٍ سعودي، وعرض التوسُّط بعد ذلك علانيةً، للتوصُّل إلى هدنة سعودية - إيرانية.
وقال المسؤول السابق: "إذا كان هناك شيءٌ واحد يكرهه السعوديون، فهو الوساطة" وردَّد سفيرٌ سابق آخر، هو عبد الباسط، مخاطر مثل هذا التدخُّل بقوله: "إلى جانب ذلك، نحن لسنا في وضعٍ يسمح لنا بالوساطة، لأننا لا نملك أي نفوذٍ على إيران" وتابع: "لا يوجد لدينا سببٌ، لإضعاف علاقاتنا مع المملكة، في تصورنا الخاطئ، بأن نكون محايدين بين الرياض وطهران".
وأضاف المسؤول السابق: "من حُسن حظهم، أن السعوديين لم ينتقدوا باكستان علناً" رغم هذه المواقف، بل نقلوا انزعاجهم سِراً إلى القيادة العسكرية الباكستانية.
ووسط كل ذلك، قرَّر خان أيضاً حضور مؤتمر ديسمبر 2018 في كوالالمبور، الذي تنظمه ثلاث دولٍ، تشترك في علاقاتٍ سيئة مع المملكة العربية السعودية (تركيا وماليزيا وإيران).
وقال الصحفي كامران يوسف، إن إسلام أباد اضطرت إلى الانسحاب في اللحظة الأخيرة، بعد أن حذَّرت الرياض من عواقب وخيمة.
كما ازدادت التوترات في أغسطس 2020، عندما حذَّر وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي من أن إسلام أباد ستبحث في مكانٍ آخر، عن دعمٍ إقليمي، إذا لم تدعو السعودية إلى عقد اجتماعٍ لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن كشمير، فردَّت الرياض على التهديد، بسحب القرض الميسَّر بـ 3 مليارات دولار، وعدم تجديد ائتمان النفط والغاز البالغ 3.2 مليار دولار، الذي انتهى في مايو 2020، ولأول مرةٍ في التاريخ، سعت المملكة إلى استعادة أموالها من باكستان.
وأضاف المسؤول، الذي يعتقد أن المشكلة تكمن في اعتماد إسلام أباد على التعاون الأمني، كأساسٍ للعلاقات الباكستانية السعودية: "علاقاتنا الاقتصادية دون المستوى، وعلاقاتنا في الشرق الأوسط، جزءٌ من الدبلوماسية الدفاعية"، وهو ليس مخطئاً، فالمشاريع الموقَّعة في اتفاق فبراير 2019 لم تتحقَّق، فرغم أن وزارة الخارجية الباكستانية لديها سلطة توقيع اتفاقياتٍ تجارية، مع دول أخرى، فإنها لا تستطيع إنفاذها، لأنها لا تملك أي سلطةٍ على الوزارات الأخرى، ما أدى إلى تأجيل المشروع.
في حين بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 2.181 مليار دولار من2019 إلى 2020، و بلغ حجم تجارة المملكة العربية السعودية مع الهند 33.09 مليار دولار، خلال الفترة نفسها.
إلا أن مجرَّد اندفاع نيودلهي إلى الأمام، لا يعني عدم وجود أملٍ للمسؤولين في إسلام أباد، لتحسين العلاقات مع أصدقائهم السابقين في الرياض.
هذا العام، وسط محادثاتٍ مغلقة محمومة، بين إسلام أباد والرياض، تراجعت باكستان عن سداد المليار دولار، المتبقي من القرض الميسَّر البالغ 3 مليارات دولار، واستأنفت المحادثات بشأن إنشاء مصفاة نفط ومجمع للبتروكيماويات، في مدينة جوادر الساحلية الباكستانية.
إضافةً إلى ذلك، تطرَّق خان ومحمد بن سلمان في مارس، بعد توقفٍ دام 15 شهراً، إلى مناقشة أوجه التشابه بين حملة Clean Green Pakistan ومبادرة Green Middle East للمملكة، انتهت بدعوةٍ لزيارة الرياض.
ومع ذلك، ما لم تسِر إسلام أباد، على طول الصفقات الاقتصادية الموقَّعة بين البلدين، فإن سحابةً دائمة من عدم اليقين، ستخيَّم على العلاقات، خاصةً في ظل جائحة كورونا، حيث يجب على باكستان، تنفيذ اتفاقياتٍ ثنائية مع المملكة العربية السعودية، لتعزيز اقتصادها، والزيارة الأخيرة، على الأقل، وقتٌ جيد للبدء.