قطر تعتقل عاملاً كتب عن معاناته... والدفاع عن الديمقراطيات تنتصر له
الذنب الذي اقترفه بدالي تمثَّل في محاولته استثمار وقته، في توثيق تجارب ومعاناة العُمّال الأجانب، البالغ عددهم مليوني عامل، ووصف الظروف الصعبة التي يواجهونها في قطر تحت اسم مستعار نوح، الأمر الذي سلَّط الضوء مجدداً على السجل السيئ للسُّلطات القطرية، في مجال حقوق العُمّال، والإنسان بشكل عام.

ترجمات السياق
نشرت "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" تقريراً تناول حادثة إلقاء السُّلطات القطرية، القبض على عامل أمن كيني الأصل، يدعى "مالكولم بيدالي"، في 4 مايو الماضي، إثر كتابته مدونة وثَّـق فيها معاناته، في مدينة الدوحة، التي وصلها عام 2016.
وبحسب التقرير، فإن الذنب الذي اقترفه بدالي (28 عاماً) تمثَّل في محاولته استثمار وقته، في توثيق تجارب ومعاناة العُمّال الأجانب، البالغ عددهم مليوني عامل، ووصف الظروف الصعبة التي يواجهونها في قطر تحت اسم مستعار (نوح)، الأمر الذي سلَّط الضوء مجدداً على السجل السيئ للسُّلطات القطرية، في مجال حقوق العُمّال، والإنسان بشكل عام، في الوقت الذي تستعد فيه الدوحة لاستضافة كأس العالم 2022.
تخشى المنظمات الحقوقية أن يكون "بدالي" قد اختفى قسراً، نظراً لحالة الغموض في عملية اعتقاله، فلم تكشف الحكومة القطرية -حتى الآن- أي معلومات عن مكان احتجازه، أو التُّهم الموجَّهة إلى الرجل، أو عرضت عليه مساعدة قنصلية.
و اكتفت السُّلطات القطرية -حتى اللحظة أيضاً- بالقول إنه "قيد التحقيق لخرقه قوانين وأنظمة الأمن القطرية"، ولكن في مكالمة هاتفية، أجرتها المنظمات الحقوقية مع والدته، أفادت بأنه محتجز في الحبس الانفرادي، ولم يتمكن -حتى الآن- من الاتصال بمحام.
سلَّطت حالة "بدالي" الضوء مرة أخرى، على سجل قطر المؤسف، في مجال حقوق العُمّال، إذ يقيم في الأراضي القطرية، نحو مليوني عامل أجنبي، يشكِّـلون نحو 95 في المائة من التعداد السكاني للدولة، مليون منهم يعملون في البناء.
وتفصيلاً، يعمل العُمّال الأجانب في قطر ساعات طويلة، من دون غطاء قانوني يحمي حقوقهم، أو ينصفهم بأجور تتماهي مع ظروف العمل، ورغم أنها من أغنى دول العالم، فإن الأمر يصل أحياناً إلى امتناع أرباب العمل عن دفع أجورهم، فيدخلهم ذلك في دوامة من العمل القسري، وأحيانا ينتهي بهم المطاف ضحايا الاتِّجار بالبشر.
تلقى سجل حقوق العُمّال في قطر، تدقيقاً شديداً في السنوات الأخيرة، إذ تستعد لاستضافة كأس العالم 2022، ما حفز على بناء بنية تحتية ضخمة، نفَّذها إلى حد كبير عُمّال أجانب، توفي خلالها أكثر من 6500 عامل، في العقد الماضي، معظمهم من دول جنوب آسيا، يعملون في مشاريع البنية التحتية، وتُعزى أغلبية الوفيات إلى فشل القلب أو الجهاز التنفسي.
من المحتمل أن يكون الإجهاد الحراري الشديد، الناجم من العمل في شمس الصيف الحارقة في قطر، أحد العوامل، ومع ذلك، نادراً ما تجري عمليات تشريح للجثث، رغم توصية عام 2014 من محامي الحكومة القطرية، بضرورة إجراء عمليات التشريح، في حالات الوفاة المفاجئة، أو غير المتوقَّعة.
وبعد شراكتها مع منظمة العمل الدولية، عام 2017، أدخلت قطر بعض الإصلاحات على قوانين العمل، وفي العام الماضي، ألغت فِعلياً نظام الكفالة، الذي يحظر على العمال تغيير وظائفهم، من دون إذن صاحب العمل، كما وضعت حداً أدنى للأجور، وأنشأت صندوق دعم وتأمين للعمال، إضافة إلى سن قانون جديد، لحماية عاملات المنازل، وتدابير أخرى من شأنها "نظرياً" حماية حقوق العُمّال.
إلا أن ذلك، بحسب التقرير، لن يُعمل به إلا بعد عامين من إنشائه، حيث تعج مراكز الأمن القطرية، بشكاوى عاملات المنازل، من الانتهاكات المستمرة، بما في ذلك مصادرة جوازات السفر والإساءة الجسدية.
كما أدت جائحة كورونا، إلى مزيد من سوء المعاملة، في مارس الماضي، وأغلقت قطر منطقة صناعية للمغتربين في الدوحة، للحد من انتشار الفيروس، ما أدى إلى محاصرة مئات الآلاف من العُمّال، في ظروف شديدة الازدحام، كما طردت الدوحة عشرات العُمّال، بشكل غير قانوني، بعد أن أبلغتهم "زوراً" بأنهم سيؤخذون لإجراء اختبارات كوفيد-19.
ووجَّهت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في تقريرها، رسالة إلى الإدارة الأمريكية، مفادها أن عليها مطالبة قطر بالكشف عن مكان "بدالي" فوراً، وتوضيح التُّهم الموجَّهة إليه، وما إذا كان قد حصل على حق الوصول المناسب إلى المساعدة القنصلية والقانونية، مؤكدة أن على الإدارة أيضاً، الضغط على قطر، لفرض إصلاحاتها العُمّالية، بطريقة متسقة وشفافة، وفي حال لم تستجب، يجب زيادة التدقيق العام، في سجل حقوق العُمّال في قطر، مع اقتراب كأس العالم، كما وجَّه التقرير، رسالة صريحة إلى السُّلطات القطرية، للإفراج عن "بدالي" ما لم يكن لديها دليل موثَّق ضده.
---------------------
بقلم : فاريشا كودفاير