الاقتصاد هو الحل.. عنوان المرحلة للعلاقات بين ليبيا والجزائر

الجزائر تتحرَّك للبحث عن شريك تجاري، وسوق يساعدها في الصمود، في ظِل تراجُع صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي المسال بـ 30 في المئة ديسمبر 2020، مع تراجُع حجم المخزون الاحتياطي وتناقُص الآبار التقليدية، وعدم وجود اكتشافات جديدة، مع تراجُع عائدات صادرات المحروقات إلى 23 مليار دولار، العام الماضي.

الاقتصاد هو الحل.. عنوان المرحلة للعلاقات بين ليبيا والجزائر
وزير الخارجية الجزائري صبري بوقدوم

السياق

"الاقتصاد هو الحل" يبدو أن هذا هو الشعار الذي حرص عليه قادة ليبيا والجزائر، ففي أسبوع واحد شهدت علاقات البلدين، ما يشبه الانقلاب الجذري في مستوى التعاون، وإحياء مسارات قديمة كانت مجمَّدة أكثر من 10 سنوات، في ظِل رغبة البلدين في تحقيق التنمية الشاملة، ولمواجهة التدخلات التي تفسد علاقاتهما.

وكان استقبال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، لرئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبدالحميد الدبيبة والوفد المرافق له بقصر "المرادية"، تتويجاً لمحادثات وخُطط طويلة الأمد، لتعميق التعاون المشترك، وإن كان الجانب الأمني ومكافحة الإرهاب، له أولوية في هذه المرحلة، إلا أن "الاقتصاد" مفتاح جميع القضايا بين البلدين، وهو ما تمت ترجمته في توقيع الجارين 7 اتفاقات تعاون في مجالات عدة، أبرزها الكهرباء والطاقة، وكذا زيادة التبادل التجاري، الذي يُـعَـدُّ -بوصف رئيس حكومة ليبيا عبد الحميد الدبيبة- ضعيفاً جداً، لذلك أكَّد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الاستعداد لفتح المجال الجوي، واستئناف الرحلات بين البلدين، وفتح المنافذ البرية، المغلقة لأسباب أمنية منذ ثماني سنوات، لنقل البضائع والمسافرين، بعد تقييم الوضع الأمني.

وعلى مدى يومين، احتضنت الجزائر أعمال منتدى الاستثمار الليبي الجزائري، لمحاولة رفع مستوى التبادل التجاري، وتبادل الخبرات بين أكبر بلدين مغاربيين مساحة، ولإعطاء ديناميكية ودفع قوي لهذه العلاقات، تم الاتفاق على تفعيل اللجنة العليا المشتركة، وكذا دراسة تفعيل التعاون في قطاعات الداخلية، والعمل والضمان الاجتماعي، والنقل، والأشغال العمومية، والصحة، والمالية، والطاقة، ولإعادة فتح المعبر البري، بين الدبدباب وغدامس في ليبيا، وما يستلزمه من إعادة العمل باتفاقية منع الازدواج الضريبي بين الشقيقين.

فهل هذه التحركات المتسارعة، والرحلات المكوكية لحكومة الدبيبة، الغالب عليها الشق الاقتصادي، تكون طوق النجاة لبلد أنهكته الأزمات والصراع الدموي، أكثر من عقد من الزمان؟

وهل الواقع على الأرض، يسمح بتنفيذ كل هذه التفاهمات؟ وما شرعية الحكومة الحالية، التي لا يتبقى لها في السلطة أكثر من ستة أشهر، وتستعد لانتخابات شاملة في ديسمبر المقبل، حسب اتفاقات جنيف؟

وهل هناك ضمانات، أن تكون للحكومات المقبلة، أو السُّلطة الجديدة، التوجُّه ذاته، في زيادة التبادل التجاري، وتعميق التعاون الاقتصادي؟

ومَنْ المستفيد أكثر مِنْ هذه الاتفاقات: طرابلس أم الجزائر؟ وهل أرادت الجزائر اقتناص الفرصة، وإثبات الحضور في المشهد، بعد تهميشها أو غيابها عن أزمة بلد، تتقاسم معه نحو ألف كيلومتر من الحدود البرية؟

 

أهمية التوقيت

هذه بعض الأسئلة، التي تتبادر إلى أذهان المراقبين، مع مطالعة التحرُّكات الأخيرة، خاصة إذا كان التوقيت له مغزى، في ظِل الترتيبات الدولية، لإعادة إعمار ليبيا، وزيارة الدبيبة لإيطاليا وفرنسا، ومن قبلهما مصر، لعرض اتفاقيات اقتصادية، ثم روسيا لاستعراض ملف القطارات، والترتيب لمنتدى اقتصادي ليبي إيطالي في تونس، عن القطارات والمطارات والبنى التحتية، وإعادة الإعمار في ليبيا قريباً. 

وعن مدى تأثير ذلك في مستقبل الحكومة الليبية، يؤكِّد الكاتب الليبي د.فوزي الحداد، أنه منذ تسلُّم حكومة الوحدة الوطنية زمام الأمور، تسعى إلى تفكيك الكثير من الملفات الشائكة، خاصة مع دول الجوار "مصر وتونس والجزائر"، فحسب كلامه وبعد خُطوات ناجحة نحو مصر وتونس، جاء الدور على الجزائر، وما ظهر من الزيارة رفيعة المستوى لرئيس الحكومة الدبيبة، واستعادة أطر التعاون الثنائي، في ما يخص الحدود وتبادل البضائع، وتسهيل حركة المسافرين، وإعادة التعاون في مجال الطاقة، سواء الربط الكهربائي، أو عودة شركات النفط الجزائرية إلى عملها في ليبيا، الذي توقف منذ سنوات.

ويضيف الحداد، أن نجاح هذه الجهود، سيكون دافعاً كبيراً نحو ضمان الاستقرار الداخلي للجانب الليبي، بمساعدة دول الجوار، باعتبار المصالح المشتركة والأمن القومي، وإزاحة لتدخلات دول إقليمية، كان تدخلها سلبياً في معظمه.

 

من المستفيد؟

هذا الاتفاق، قد يكون في ظاهره، قارب النجاة لبلد أنهكته الحرب والانقسامات والتدخلات الخارجية، وأصبح فريسة للمرتزقة، وما تبع ذلك من تدهور اقتصادي، إلا أن الجزائر مستفيدة أيضاً بشكل قوي، في ظِل أن ليبيا إحدى بوابات الجزائر لأفريقيا، خاصة أن الجزائر لا تزال من أكثر الاقتصادات المنغلقة في أفريقيا، واقتناص هذا الاتفاق يظهر وزن الجزائر الاقتصادي في القارة، وموقعها الجيواستراتيجي، ويمكِّنها من المنافسة، وفكّ الاختناقات التي يتعرَّض لها اقتصادها، من الشمال الأوروبي والغرب المغربي، ويحميها كذلك، من لاعبين جُدد، قد يشكِّلون خطراً عليها.

كما أن الجزائر -وفقاً للتقارير الدولية- تتجِّه إلى "الفقر النفطي"، وهو ما اعترف به محمد شريف بلميهوب، الوزير المسئول عن الطاقة فبراير الماضي، قائلاً "الجزائر ستكون عاجزة عن تصدير برميل واحد من النفط عام 2035، في حال استمرار وتيرة الاستهلاك الحالية"، وأن "الجزائر بلد غير نفطي، بعكس ما تم الترويج له، خلال فترات سابقة".

الجزائر –إذن- تتحرَّك للبحث عن شريك تجاري، وسوق يساعدها في الصمود، في ظِل تراجُع صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي المسال بـ 30 في المئة ديسمبر 2020، مع تراجُع حجم المخزون الاحتياطي وتناقُص الآبار التقليدية، وعدم وجود اكتشافات جديدة، مع تراجُع عائدات صادرات المحروقات إلى 23 مليار دولار، العام الماضي.

 

منطقة التجارة الحرة

الجزائر -الآن- تتجه إلى القارة الأفريقية، لتعلن بداية مرحلة جديدة من العلاقات الجزائرية الأفريقية، مع دخول منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، التى انطلقت يناير 2021، وفتح الجزائر المعابر الحدودية مع موريتانيا، وليبيا، والنيجر، ومالي، كونها مستقبل التعاون الاقتصادي والتجاري بين الـ54 دولة أفريقية المعنية.

لذا كان من أهم الاتفاقات بين البلدين، دراسة عودة شركة النفط الجزائرية "سونطراك" لاستئناف العمل في استكشاف النفط بحوض غدامس الليبي، وكذلك التفكير في فتح خط بحري، لنقل السلع، وإنشاء منطقة تجارية حرة بين البلدين.

 

تدفق الاستثمارات المباشرة

الطموح المنشود لبلدين، يشتركان في نحو ألف كيلومتر من الحدود، إذن، هو ما أكده وزير الخارجية الجزائري بوقادوم "أكبر من أن يقتصر على رفع قيمة المبادلات التجارية، ويتعداها لتشجيع تدفق الاستثمارات المباشرة المتبادلة، والمشاركة في رأس مال المؤسسات".

وعليه وضع البلدان كل الإمكانات، لتسهيل إجراءات تقوية العلاقات التجارية، منها -حسبما أكد وزير المالية الجزائري- فتح وكالة بنكية على مستوى الدبداب، لتسهيل الإجراءات البنكية المتعلِّقة بالتوطين، ودراسة إنشاء بنك مشترك جزائري ليبي.

ويصف رئيس الغرفة الاقتصادية الليبية المصرية المشتركة، إبراهيم الجراري، التحرُّكات الليبية الجزائرية الأخيرة بأنها "إعادة بناء الثقة" وتعزيز التبادلات الاقتصادية بين البلدين، موضحاً أن زيادة التبادل التجارى، تستلزم الكثير من الإجراءات، وعلى رأسها فتح المنافذ وتخفيض الضريبة الجمركية على البضائع، الذى قد يعجِّل بازدهار التبادل التجاري قبل نهاية العام، مضيفاً أن الجزائر ستقوم بإنشاء سكة حديدية، عبر المنافذ البرية مع ليبيا، وقد يكون الطموح والخُطة المستقبلية، ربط الخطوط البحرية والبرية والسكك الحديدية، بين ليبيا ومصر وتونس والجزائر.

 

إعادة بعث مشروع اتحاد المغرب العربي

الدكتور علي محمد ربيج، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسة في الجزائر، يرى أن هذه الاتفاقات واللقاءات الأخيرة، في مضمونها، لا ترمى إلى استفادة قصيرة ولا متوسطة المدى، بسبب الظرف السياسي للحكومة الليبية، فالأولوية حالياً لكيفية الخروج  من المأزق السياسي، وإجراء انتخابات، وتشكيل حكومة بديلة للمجلس والحكومة المؤقَّتة، لذا يأتي الاتفاق في وقت تراجعت فيه الصادرات النفطية الجزائرية، في ظِل خبرة شركة النفط الوطنية الجزائرية "سوناطراك" الواسعة في التنقيب والاستكشاف في أفريقيا، وأنها من الشركات الإقليمية الكبرى، وليبيا تريد الاستثمار في ما تملك من إمكانات وخامات.

ويرى ربيج، أن الاتفاق، وفتح الحدود، والتدشين الجديد للعلاقات الاقتصادية، إعادة بعث لمشروع اتحاد المغرب العربي، واستحداث منطقة عبور وتبادل حر، إلى جانب المنطقة الأفريقية الاقتصادية في الجنوب، والمطار المعتزم إنشاؤه في ولاية تمنراست، وكذلك الميناء الكبير الذي يتم إنشاؤه حالياً غربي العاصمة الجزائر في منطقة الحمدانية .

ويختتم علي محمد ربيج، بأن الجزائر جادة في فتح الحدود، فحركة نقل البضائع، كانت قبل الحرب الليبية عبر معبر الدبداب، الأكثر نشاطاً، خاصة مرور المنتجات الليبية إلى جنوب الصحراء، بما يسمى الخط الأفريقي الرابط بين شمال الجزائر وجنوبها، وصولاً إلى مالي والنيجر، ففتح الحدود له أهمية كبيرة لليبيا، لدعم المواد الخام واليد العاملة، في ظِل سوق جزائري مضمون.

الاتفاق في رأي ربيج، رابح، بعيداً عن الضغوط الاقتصادية، ويتناسب مع علاقات الجوار، ولا يتعرَّض لما يمكن أن تتعرَّض له اتفاقات اقتصادية لدول أجنبية أو أوروبية، تدخل بشروط سياسية في المقام الأول، وكلا البلدين لديهما اتجاه واضح في هذا التوقيت، ألا يخضعا لمثل لهذه الضغوط.

 

التحدي الأمني ليس الوحيد

وعن التحديات والعقبات التي ستواجه هذا الاتفاق، على أرض الواقع، هناك -حسب المحلل الجزائري- عراقيل كثيرة، في مقدمتها الأمنية والسياسية، فحكومة الدبيبة مازال أمامها العديد من التحديات، خاصة الحوار بين الشرق والغرب، ومنها الاستعراض الذي قام به الجنرال خليفة حفتر قبل أيام، والتي لا تنبئ بقبول من الحكومة الجديدة، ولا تعطي لإشارة وتوحيد سياسي أمني، فأي شركة لا تستطيع أن تغامر في الاستثمار في مناخ مضطرب أمنيا، خاصة أن الحركات المسلحة والمليشيات والمرتزقة لم تخرج من ليبيا، كذلك قد يصطدم بمدى بسط نفوذ المسؤولين، إلا أن الليبيين مصرون على تذليل العراقيل السياسية، وفتح المجال للحوار.

 

استقرار أم طمع في الثروات؟

ولعل المتابع لما يحدث في ليبيا، على مدى السنوات العشر الأخيرة، هي زمن الفراغ السياسي، يشهد أن الجزائر ومصر تعوِّلان فقط على الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا، تحت رأيه موحدة، من دون طمع في الثروات الليبية، لذا فالبلدان هما الأكثر قدرة على المشاركة في إعادة إعمار ليبيا، وتنمية الاستثمار والاقتصاد الليبي، ولا يمكن أن تكون هناك دبلوماسية واقعية وذكية، تفوِّت مثل هذه الفرصة، لأن الدافع المهم أن لديهما قبولاً على المستوى الشعبي والداخلي الليبي والسياسي... فهل تكون الاتفاقات الليبية الجزائرية الأخيرة، بوابة هذا الاستقرار؟

-----

بقلم شعبان عبد الستار