المصالحة الوطنية طريق شائك هل تنجح السلطات الليبية في تعبيده؟
اختتمت السلطات الليبية، ثاني أيام انطلاق المسار القانوني، لتأسيس مفوضية المصالحة الوطنية، بمشاركة أممية - أفريقية، في خطوة عدَّتها الأمم المتحدة، حاسمة لضمان السلام والاستقرار، على المدى الطويل في ليبيا.

السياق
"المصالحة الوطنية"، طريق شائك سلكته السلطات الليبية الجديدة محاولة تعبيده، لتضميد جراح عشر سنوات من الصراع والحروب، في البلد الأفريقي، الذي لم ينعم فيها يومًا بالسلام.
واختتمت السلطات الليبية، ثاني أيام انطلاق المسار القانوني، لتأسيس مفوضية المصالحة الوطنية، بمشاركة أممية - أفريقية، في خطوة عدَّتها الأمم المتحدة، حاسمة لضمان السلام والاستقرار، على المدى الطويل في ليبيا.
خُطوة ضرورية
وقالت الأمينة العامة المساعدة للأمم المتحدة، منسقة الشؤون الإنسانية في ليبيا، جورجيت غانيون، في بيان اطلعت "منصة السياق الإعلامية" على نسخة منه، إن تأسيس المفوضية الليبية "خُطوة ضرورية لإرساء أسس عملية مصالحة وطنية طويلة الأمد، ولتعزيز الوحدة والتماسُك الاجتماعي، قبل الانتخابات المرتقبة في ديسمبر المقبل".
كما أكدت موقف الأمم المتحدة، بشأن حتمية أن تكون عملية المصالحة الوطنية بقيادة ليبية، وبطريقة تشاركية، وقائمة على الحقوق، تتمحور حول حقوق وحاجات العديد من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، في جميع أنحاء ليبيا.
ملفات المصالحة
وبحسب مصادر ليبية، تحدثت إلى "منصة السياق الإعلامية"، فإن مفوضية المصالحة، ستعمل على ملفات عدة، بينها التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان بليبيا، ومعاقبة المليشيات المسلحة، على جرائم القتل خارج القانون، التي ارتكبتها الفترة الماضية، وتعويض المهجَّرين والنازحين قسرًا، وضمان عودة آمنة لهم، إضافة إلى قضايا الإرهاب.
وأوضحت المصادر، أن مفوضية المصالحة ستعمل على نزع السلاح، ودمج المليشيات في المؤسسات الأمنية والعسكرية، مع دعم المؤسسة القضائية، لضمان إنجاز الملفات، بشكل أكثر شفافية وعدالة.
تحقيق العدل
وإلى ذلك يقول المحلِّل السياسي الليبي حسين المسلاتي، في تصريحات لـ"منصة السياق الإعلامية"، إن أي مشروع للمصالحة الوطنية في ليبيا، لا يمكن أن يكتب له النجاح، في ظل غياب العدل.
وعن دور الجيش الليبي، في إنجاح المصالحة، قال المحلِّل السياسي الليبي، إن القوات المسلحة وقياداتها، مستعدة للتعاون في كل ما من شأنه أن يعزِّز المصالحة الوطنية في ليبيا، وحلحلة جميع المشكلات، لا سيما الأمنية منها، كونها الشريك الأساسي والموثوق فيه، لحفظ الأمن في كل المدن الليبية.
استقرار ليبيا
وعن دلالات مشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، في تدشين المفوضية، أكَّد المحلِّل السياسي الليبي، أن المجتمع الدولي يدرك جيدًا، أهمية مثل هذه القضايا، التي هي أساس استقرار ليبيا.
وتوقَّع المحلِّل السياسي الليبي، عدم إنجاز الملفات التي ستعمل عليها مفوضية المصالحة، قبل انتهاء الفترة الانتقالية في ليبيا، إلا أنه أكَّد أنها أمام "فرصة تاريخية" لتأسيس آلية يمكن البناء عليها.
تفعيل أجهزة ليبيا
واشترط المسلاتي، لضمان نجاح المفوضية في أعمالها، تفعيل الأجهزة الأمنية والقضائية والعدلية، لمحاسبة المليشيات المسلحة ومعاقبة الجناة والفارين منهم، على جرائمهم بحق مواطني ليبيا.
وأكَّد ضرورة أن يكون هناك تعاون، مع النائب العام ووزارة العدل والأجهزة الأمنية ومشائخ القبائل، على وضع آلية لجبر الضرر للمتضررين، ودفع المظالم، وتقديم الجناة أمام محاكم عادلة، وتفعيل آليات تضمن عدم تكرار مثل هذه الأفعال.
روشتة النجاح
شروط إنجاح المصالحة -وفقًا للمسلاتي- وافقه فيها الحقوقي الليبي عصام التاجوري، إلا أنه زاد عليها، قائلاً: "الشراكة، الشفافية، الحيادية، إشراك أصحاب المصلحة من الضحايا والمسؤولين عن الانتهاكات"، خُطوات أساسية، لكي يرى المشروع النور.
ورغم وضعه شروطًا لنجاحها، فإنه انتقد في تصريحات لـ"منصة السياق الإعلامية"، إطلاق مفوضية المصالحة الوطنية، مشيرًا إلى أنه كان لزاماً العمل على مشروع للعدالة الانتقالية، لا المصالحة الوطنية، كون الأخيرة نتيجة للعدالة الانتقالية.
عدالة انتقالية
وقال التاجوري، إن ليبيا أسوة بأي بلد، يحاول الخروج من دائرة العنف إلى الاستقرار، يحتاج أولاً إلى مشروع عدالة انتقالية، وصولاً إلى المصالحة الوطنية.
وأشار الحقوقي الليبي، إلى أن طبيعة النزاعات في منطقة الجنوب والغرب، ليست نفسها شرقي البلاد، بينما الخلاف متجذِّر والأطراف متغيرون، متسائلاً: هل يتمكَّن المجلس الرئاسي الليبي، من إشراك كل الفئات والمكونات المجتمعية، وكيف سيعوض المتضررين؟
العربي الورفلي، المحلِّل السياسي الليبي، قال في تصريحات لـ"منصة السياق الإعلامية"، إن الحديث عن المصالحة، في ظل غياب سلطة الدولة الفِعلية، في بعض مدن ليييا، خاصة مدن الغرب، يظل غير ذي جدوي، مع وجود مليشيات مسلَّحة تحمل السلاح، وتمارس الإرهاب ضد المواطنين.
المليشيات المسلَّحة
وحذَّر المحلِّل السياسي الليبي، من عرقلة المليشيات المسلَّحة والتنظيمات المتطرفة لعمل المفوضية، الذي وصفها بأنها "جسم جديد لإهدار المزيد من المال العام".
وطالب الورفلي، المجتمع الدولي، بأن يكون له دور في دعم المصالحة، والبعد عن التدخل في الشؤون اللييية، ودعم دور الجيش الليبي، الذي يسعى إلى استرداد البلد الأفريقي، من براثن الإرهاب، وهو ما سيساعد في إنجاح أي مشروع وطني نحو المصالحة.
إشراك دولي وإقليمي
إشراك المجتمع الدولي –وفقًا لرؤية الورفلي– وافقه فيها المحلِّل السياسي الليبي محمد يسري، الذي أكَّد أن مسار المصالحة الوطنية، الذي وصفه بـ"أصعب الملفات" يحتاج تكاتفًا إقليميًا ودوليًا، لنبذ وإنهاء خطاب الكراهية، الذي مازالت تمارسة أجسام سياسية وعدد من التيارات السياسية، على حد قوله.
وأشار إلى هناك شرخاً تجذَّر في المجتمع الليبي، من جراء الأحداث والحروب والانقسامات السياسية، التي حدثت في السنوات العشر الماضية، ما يجعل مهمة عقد مزيد من الملتقيات تجمع أطياف الشعب الليبي كافة، وفق مشروع المصالحة، أمرًا ضروريًا.
توحيد المؤسسات
وأوضح المحلِّل السياسي الليبي، أنه يجب أن يتماشى مسار المصالحة الوطنية، مع توحيد المؤسسات الليبية، فالاستقرار السياسي والاقتصادي، سيهيئ الأجواء أمام ذلك الملف، مطالبًا بضرورة ضمان المكونات الاجتماعية الليبية المختلفة، عن طريق تشريعات واضحة، تحدِّد ماهيتها، وما لها وما عليها من واجبات.
الطريقة الأفقية
وعن أسباب اختيار الطريقة الأفقية، في ترشيح المشاركين في مفوضية المصالحة، وصف يسري، هذه الطريقة بـ"الأنسب" والأسرع، عوضًا عن الترشُّح والتعيين، الذي قد يُدخِل ليبيا في مدد زمنية طويلة، وغير ذات جدوى، إضافة إلى احتمال اختيار شخصيات غير توافُقية، من شأنها تعميق المشكلة الليبية.
وأشار إلى أن الطريقة الأفقية، ستعتمد على عقد خمسة ملتقيات، تضم الفاعلين في ملف المصالحة الوطنية، مع مراعاة التنوع الثقافي والتقسيم الجغرافي، وضم كل فئات الشعب الليبي، على أن يكون الاختيار من المشاركين، الأكثر إقناعًا.
ملف المهجَّرين
ملف المهجَّرين، له خصوصية في خارطة طريق المصالحة الوطنية، بسبب الأوضاع التي تعيشها تلك الفئات، وسط مخيمات غابت عنها وسائل العيش الآدمية، بحسب أحد مهجَّري تاورغاء، الذي رفض الإفصاح عن هويته.
وأكَّد أحد مهجَّري تاورغاء بليبيا، في تصريحات لـ"منصة السياق الإعلامية"، أنه يعيش رفقة المئات من مهجَّري تاورغاء شمالي ليبيا، وسط مخيمات الصفيح، وسط غياب للحدود الدنيا من الخدمات، التي قد يتمتَّع بها بعض الليبيين.
أوضاع سيئة
ورغم ما وصفه بـ"سوء الأوضاع" في المخيمات التي يقطنها مع آخرين في المنطقة الغربية، فإنه أشار إلى أن وضع المهجَّرين في بنغازي وضواحيها، أفضل بكثير، خاصة مع اشتباكات المليشيات المسلحة، بين الحين والآخر، في العاصمة الليبية طرابلس.
وعن مطالبهم، قال إنها تتمثَّـل في عودة آمنة وسريعة، وإعادة تهيئة منازلهم، التي دمَّرها الإرهاب واشتباكات المليشيات المسلحة، خاصة مع حالة العوز التي يعيشون فيها.
مطالب مهجَّري تاورغاء "جديدة قديمة"، كما وصفها عضو مجلس البلدي تاورغاء سالم الصغير، الذي عبَّر عن استيائه، لعدم تواصُل السُّلطات الليبية معهم، وإشراكهم في تأسيس مفوضية المصالحة الوطنية.
شُح الدَّعم
وقال الصغير في تصريحات لـ"منصة السياق الإعلامية"، إن المجلس البلدي للمدينة، يعاني شُح الدَّعم الحكومي، مشيرًا إلى أن الحكومة الليبية المؤقتة المنتهية ولايتها، كانت ترسل مساعدات للمهجَّرين في المنطقة الغربية والجنوبية، إلا أن تلك الإمدادات توقفت مع تولي المجلس الرئاسي الحالي مهامه في 10 مارس الماضي.
وأزاح المسؤول الليبي الستار عن توصيات عاجلة، أصدرها المجلس البلدي إلى الحكومة الليبية الحالية، بقيادة عبدالحميد الدبيبة، بشأن ملف النازحين والمهجَّرين، في المنطقة الشرقية والغربية، التي من بينها ضرورة ضمان العودة الآمنة للمهجَّرين وجبر الضرر.
وعن أعداد نازحي تاورغاء، قال إن هناك 16 ألفًا و375 فردًا في المنقطة الغربية، و14 ألفًا و626 نازحًا في المنطقة الشرقية، إضافة إلى عائلات نازحة في المنطقة الجنوبية وداخل تاورغاء نفسها (لم يحصرها) تحتاج إلى التدخل بشكل عاجل.
وكان ملف المصالحة الوطنية، أحد بنود خُطة رئيس المجلس الرئاسي الليبي، لمعالجة شرخ الانقسام السياسي، الذي أدمته الأزمات المتلاحقة، منذ ثورة 2011.
وكشف المنفي، في أول خطاب له، بعد توليه رئاسة المجلس الرئاسي، أن ملف المصالحة الوطنية يأتي "ضمن أولوياته خلال الفترة المقبلة"، ليعلن عن زيارات إلى المدن الليبية، التي آلمتها يد الإرهاب، بهدف تضميد جراحها.