تركيا تخطب ود مصر وعملية إذابة الجليد تتقدم بنجاح
زيارة الوفد التركي لمصر عبارة عن عملية لذوبان الجليد بين الطرفين، إذ هناك أسبابا موضوعية لهذا التقارب التكتيكي بين مصر وتركيا، بعد سنوات طويلة من العداء الصريح.

السياق
عقد وفد تركي رفيع إلى القاهرة مباحثات مع الجانب المصري، لأول مرة منذ نحو ثمان سنوات، في أبرز تطور على طريق مساعي إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، والتي بدأت منذ أشهر على المستوى الاستخباري والدبلوماسي، والتي قد تقود للقاء قريب بين وزيري خارجية البلدين وإعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل وتبادل السفراء.
ووصف الجانبين في بيان مشترك المباحثات بـ "الصريحة والمعمقة"، وأن المناقشات تطرقت إلى القضايا الثنائية، فضلًا عن عدد من القضايا الإقليمية، لا سيما الوضع في ليبيا، وسوريا، والعراق، وضرورة تحقيق السلام والأمن في منطقة شرق المتوسط.
قد تكون هذه الزيارة عبارة عن عملية لذوبان الجليد بين الطرفين، إذ هناك أسبابا موضوعية لهذا التقارب التكتيكي بين مصر وتركيا، بعد سنوات طويلة من العداء الصريح.
ترويج إعلامي
وسائل الإعلام التركية قالت: إن تركيا تحاول إمضاء اتفاقية حدودية مع مصر، ما يُكسب نحو 26300 كيلو متراً بحرياً، اذا مضت الاتفاقية مع تركيا وليس مع اليونان، علماً أن مصر أجرت ترسيم حدود جزئي مع اليونان في وقت سابق..
كما تحدثت تقارير إعلامية تركية أن تركيا تسعى إلى إبرام اتفاق مع إسرائيل، والتي ستُكسبها نحو 16344 كيلو مرت بحري، بخلاف اتفاقها مع قبرص..
مصر المستفيد من ذلك، لكن الملف المصري التركي أعمق من ذلك.. فما سبب التقارب الآن؟
ساعدت المصالحة الخليجية التي جرت في الخامس من يناير/كانون الثاني الماضي بمدينة العلا السعودية في تهدئة حالة الاستقطاب الإقليمي بشكل عام، ما انعكس بشكل أو بآخر على سياسة المحاور التي تعيشها المنطقة منذ 10 سنوات.
وهذه المصالحة، ألغت مشروع نقل الغاز من قطر لتركيا عبر إيران، وأصبح من الحكمة لتركيا ألا تضع كل رهانتها في مجال نقل الطاقة على هذه المشروع الضخم، لتبدأ التفكير في البدائل.
هذه البدائل، أتت بداية بجر ود مصر، للحصول على مشاركة أكبر في غاز شرق البحر المتوسط، والذي تلعب فيه مصر دوراً محورياً، إذ كانت القاهرة حريصة على عدم الدخول على خط النزاع التركي اليوناني حول التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، وكذلك ما يخص ترسيم المناطق الاقتصادية الخاصة بين أنقرة وأثينا، وهو ما فهمته أنقرة، باعتباره بادرة حسن نية من القاهرة تساهم في تعزيز مناخ الثقة بين الطرفين، وتدفع بمسار العلاقات بين البلدين للأمام.
المشاركة الليبية
إضافة لما سبق الآن في ليبيا حكومة شرعية جديدة، ما وضع اتفاقيات تركيا المبرمة مع حكومة الوفاق الليبية السابقة ، منها اتفاقات بشأن الغاز والبترول، في خطورة شديدة، ما يفسر حتمية اللجوء التركي إلى مصر الآن، على أمل أن تدعمها الأخيرة أمام قبرص واليونان، في مفاوضات غاز البحر المتوسط كما ذكرنا.
واتضح أن التسوية السياسية في ليبيا لم تكن تلقى النجاح دون التوافق التركي المصري، ما انعكس إيجاباً على الأوضاع الداخلية في ليبيا.
ممرات دولية
التبعات الاقتصادية لما سبق، يضاف إليها خسارة تركيا بوابتها إلى العالم العربي، سورية، وإعلان مصر عدم نيتها تجديد اتفاقية الخط الملاحي "الرورو" كبديل عن الطريق السوري البري لنقل البضائع التركية إلى دول الخليج، ما ألجأ تركيا للموانئ السعودية لنقل بضائعها إلى دول الخليج، والتي يبلغ حجم التجارة معها نحو أربع مليارات دولار.
كما تحملت أنقرة أعباء اقتصادية أخرى في مجال إيواء وإغاثة اللاجئين السوريين تخطت خمس مليارات دولار، كما تستنزفها سخونة الأوضاع في العراق وسوريا، وتداعيات "الحرب على الإرهاب" الدائرة على حدودها.
العزلة التركية، ومشكلة كورونا وإغلاق عديد من الدول أبوابها، تأثرت السياحة التركية سلبياً، ما يوجه تركيا إلى مصر وإلى الإعلام المصري لحاجة للقوى الناعمة التي تؤثر في المنطقة العربية، لإينعاش الاقتصاد التركي.
تركيا حريصة لهذا التقارب نتيجة، لانها دفعت - وفق بعض سياسييها - ثمن مواقفها في بعض الملفات، مثل فشلها في الحصول على مقعد في مجلس الأمن، أو إخفاقها في الفوز بتنظيم مسابقات رياضية عالمية، إضافة لحاجتها التنسيق مع دول الخليج ومع مصر في بعض الملفات المهمة، وعلى رأسها الأزمة السورية والتحالف الدولي في مواجهة تنظيم الدولة.
مقابل كل ذلك، هل تركيا مستعدة للتنازل عن دعم الإخوان؟
براغماتية السياسة التركية، تُرجح أنها ستتخلى في الأغلب عن جماعة الإخوان المسلمين، خاصة وأن لا دور بارز لهم في صناعة الفكر والوجدان التركي.
وفي كل الأحوال، سيكون من الصعب على القيادة التركية أن تغيِّر موقفها 180 درجة في فترة قصيرة، ليس فقط لمدى تأثير ذلك على مصداقيتها في الشارع المصري والقوى السياسية المعارضة، ما يجعل أي تقارب كبير مع النظام في مصر مغامرة سياسية لا تخلو من مخاطرة، فيما تركيا تستعد لخوض انتخابات برلمانية مهمة بعد أشهر.