أسعار الطعام المرتفعة جعلت الوجبات الرمضانية رفاهية في لبنان
أصبحت الديموغرافيا المتغيِّرة للأسر المتعفِّفة، خلال شهر رمضان المبارك، محل دراسة، وواحدة من مظاهر تدهور الاقتصاد اللبناني

نشرت وكالة بلومبيرغ الدولية تقريراً، وقفت خلاله، على تداعيات الأزمة المالية، التي تعصف بمختلف الفئات اللبنانية، لاسيما خلال شهر رمضان المبارك، الذي تأخذ فيه أنواع الطعام وأشكاله، حيزاً كبيراً من المجتمعات العربية، باستثناء المجتمع اللبناني، الذي أصبح المواطن فيه، يفتقر إلى أبسط حاجاته الأساسية، بدليل تزايُد وتيرة الإقبال على "بنك الطعام اللبناني" بشكلٍ غير مسبوق، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، الذي سببه انهيار الليرة اللبنانية، وتردي الأوضاع الاقتصادية.
وتضمن التقرير مقابلة مع سهى زعيتر، المديرة التنفيذية لبنك الطعام اللبناني، قالت فيها:" اتخذت المناشدات التي وصلت إلى بنك الطعام اللبناني، منحىً جديدًا، حيث بدأت تصلنا أعداد كبيرة من الرسائل والمكالمات، من فئة المتعلِّمين والمنتمين إلى الطبقة الوسطى".
وأصبحت الديموغرافيا المتغيِّرة، للأسر المتعفِّفة، خلال شهر رمضان المبارك، محل دراسة، وواحدة من مظاهر تدهور الاقتصاد اللبناني، فبالنسبة للسكان البالغ عددهم 6.8 مليون نسمة، اعتاد المسلمون في لبنان، الاحتفال بتناول وجبة الإفطار مع الأصدقاء والأقارب، إلا أن هذا التقليد بات أمراً يتجاوز الإمكانات المادية للكثيرين منهم، وينطبق الأمر كذلك، على قدرتهم على شراء المشروبات والحلويات الموسمية، التي طالما كانت تزيِّن موائدهم في رمضان.
وانخفضت قيمة الليرة بنحو 90% في الأشهر الـ18 الماضية، ما دفع التضخم السنوي لأسعار المواد الغذائية، إلى الارتفاع بـ 400%، كما أدّى ذلك إلى تآكل الرواتب والمدَّخرات، وجرف أكثر من نصف سكان لبنان إلى هوة الفقر.
وتتزامن هذه الأزمة، مع محاولة السلطات، مكافحة تفشي جائحة كورونا، ومعالجة إرهاصات انفجار مرفأ بيروت.
وأفاد التقرير، بأن البنك يقدم لمنتفعيه 5000 صندوق طعام، إضافة لـ1000 قسيمة للأسر المحتاجة، كما يتعاون مع مجموعة من الجمعيات الخيرية التي تدير 7 مطابخ لتقديم وجبات الإفطار المجانية، خلال شهر رمضان.
وبحسب مرصد الأزمات، في الجامعة الأميركية ببيروت، فإن التكلفة الأساسية لوجبة الإفطار لأسرة مكونة من 5 أفراد، خلال شهر رمضان، تبلغ 1.8 مليون ليرة، أي ما يعادل 2.6 ضعف الحد الأدنى للأجور، وهي تكلفة لا تنفك عن الارتفاع أسبوعياً، لاستمرار ضعف العملة.
ويبلغ سعر الكيلوغرام من اللحم البقري حالياً، نحو 65 ألف ليرة، أي ما يقرب من 10% من الحد الأدنى للأجر الشهري البالغ 675 ألف ليرة، وهو ما يعادل 450 دولاراً بسعر الصرف الرسمي، غير المعمول به إلى حد كبير، ويناهز 55 دولاراً في السوق السوداء لصرف الدولار، مقابل الليرة اللبنانية.
وقال ناصر ياسين، رئيس المرصد، الأستاذ المساعد للسياسة والتخطيط في الجامعة الأميركية ببيروت: "للأسف، هذه مُجرَّد بداية، والأسوأ لم يأتِ إلى لبنان، في ظل غياب تنفيذ إصلاحات جادّة".
وأشار التقرير، إلى أن الانقسامات السياسية في لبنان، تركته من دون حكومة كاملة الصلاحيات، منذ أغسطس الماضي، حينما استقال رئيس الوزراء، عقب انفجار الميناء، حيث اتخذت الحكومة صفة تصريف الأعمال، منذ ذلك الحين، بينما دخل زعماء الأحزاب، في مساجلة لم تهدأ حتى اليوم، محورها الأساسي، إلقاء اللوم على بعضهم عبر وسائل الإعلام، متجاهلين الموافقة على اتخاذ خطوات إصلاحية، لن تحظى برضا الشارع اللبناني، مثل خفض الدعم، الذي قد يسهم في استقرار المالية العامة.
كمستورد لمعظم السلع الاستهلاكية، يدعم لبنان القمح والأدوية والوقود، إضافة إلى قائمة من المواد الأساسية.
وقد أدى ذلك حتى الآن، إلى حماية المستهلكين من المشكلات الاقتصادية، التي اجتاحت البلاد.
ومع ذلك، لم يتم تنفيذ خُطة لخفض الدعم تدريجيًا، مع إدخال تحويلات نقدية لأفقر الناس، ما يزيد مخاطر حدوث قفزة مفاجئة في الأسعار، بمجرَّد نفاد احتياطيات البنك المركزي المتضائلة من الدولار.
كل ذلك، جعل الصدقات الغذائية، أكثر من مُجرَّد ظاهرة رمضانية، حيث أنشئ في البداية ما يسمى مطبخ الجميع، في حي مار ميخائيل، الذي تقطنه أغلبية مسيحية في بيروت، كإجراء طارئ فرضه انفجار الميناء، أصبح الآن مبادرة دائمة تنتج 2500 وجبة يوميًا خلال السنة.
وقالت لورا ميد، مشرفة المشروع: "لقد تبين للأسف، أن ما كان مطبخًا للطوارئ، أصبح ضرورة مُلِحَّة في لبنان، نظرًا للوضع الاقتصادي المتردي".