إدارة بايدن تحرق العلاقات الأمريكية السعودية

ذهبت إدارة بايدن في طريقها، في الأسابيع القليلة الأولى، لاتخاذ ثلاث خُطوات متتالية في الشرق الأوسط، قد تأتي بنتائج عكسية على أمريكا، لسنوات مقبلة

إدارة بايدن تحرق العلاقات الأمريكية السعودية
الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي

ترجمات السياق - جوناثان شانزر

تقول إدارة بايدن، إنها تنوي المشاركة، بشكل أقل، في الشرق الأوسط، وقد كرَّر عديد من كبار المسؤولين والوكلاء، ذلك، خلال الأيام المائة الأولى للرئاسة الجديدة.

ومع ذلك، ذهبت الإدارة في طريقها، في الأسابيع القليلة الأولى، لاتخاذ ثلاث خُطوات متتالية في الشرق الأوسط، قد تأتي بنتائج عكسية على أمريكا، لسنوات مقبلة.

في الرابع من فبراير الماضي، أعلن البيت الأبيض، أن البنتاغون سيوقف دعمه، للحملة العسكرية السعودية، ضد مليشيا الحوثي، المدعومة من إيران، والتي أرهبت اليمنيين والسعوديين، على مدى عقد من الزمان.

بعد ذلك بأسبوعين، في 16 فبراير، ألغت وزارة الخارجية، تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية. وبعد عشرة أيام، أمرت إدارة بايدن، مكتب مدير المخابرات الوطنية، بنشر تقرير يؤكد مسؤولية الحكومة السعودية، عن قتل الصحفي جمال خاشقجي، عام 2018، في القنصلية السعودية، في اسطنبول بتركيا.

لقد عارضوا بحزم، لأسباب إنسانية ظاهريًا، تصنيف إدارة ترامب في 11 يناير للحوثيين، كمنظمة إرهابية، قبل أيام فقط، من تولي بايدن منصبه.

ومع ذلك، كانت هذه التطورات الثلاثة مفاجئة، بسبب قربها في الوقت ومدى سرعة حدوثها، إضافة إلى إعلان الولايات المتحدة، إزالة الأصول العسكرية من المملكة، وإعادة الدخول في الدبلوماسية مع إيران، خصم المملكة العربية السعودية اللدود، لذلك يجب أن تشعر الرياض، اليوم، برياح شديدة البرودة، تهب من واشنطن.

_____

في 13 أغسطس 2020، صنعت إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة، التاريخ والسلام في الوقت نفسه، بتوقيع اتفاقيات إبراهيم، وكانت تتويجًا لسنوات من التعاون والدبلوماسية الهادئة، بين إسرائيل ودول الخليج.

وبعد فترة وجيزة، من مراسم البيت الأبيض، حذا السودان والمغرب حذوهما، ولا يزال بإمكان دول أخرى، في جامعة الدول العربية، مثل عُمان وموريتانيا، أن تحذو حذوها.

ولا يخفى على أحد، أن هذه الدول وجدت قضية مشتركة مع إسرائيل، تدفعها ضرورة معارضة التطرُّف الإيراني والسُّني، كما أنهم يريدون شرق أوسط مستقرًا سياسيًا ومزدهرًا.

ومن الأهمية بمكان، ملاحظة أن هذه الدول، لم تكن لتصنع السلام، دون التشجيع السعودي.

في الواقع، لقد خاطروا من أجل السلام، كجزء من استراتيجية سعودية محسوبة، ومن خلال اختبار السعودية للأجواء السياسية مع حلفائهم في المنطقة ، راقبو من كثب، ليروا ما إذا كانت التداعيات السياسية كافية، لثنيهم عن صُنْعِ السَّلام.

من المؤكَّد، أن السلام الرسمي السعودي الإسرائيلي، لا يزال ممكنًا، لكن السعودية بصدد إعادة تقييم خياراتها الآن، خاصة أن أمريكا تقف منها موقف المتفرج.

ومن العدل أيضًا أن نتساءل، عما إذا كانت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، ستظل ملتزمة بصفقات السلام، في ظل تغيُّـرات الرياح السياسية.

قد لا يكون الاتفاق الإبراهيمي، المكسب الاستراتيجي الوحيد، التي تمرّ بمرحلة من الصعوبات، فدول شرقي المتوسط، تتساءل أيضًا عمّا يخبئه لها المستقبل، فقد استثمر السعوديون، بشكل كبير، بمساعدة كبيرة من الإمارات العربية المتحدة، في مواجهة العنف الإسلاموي، المدعوم من قطر وتركيا في ليبيا، سعياً إلى المساعدة في استقرار مصر ، وأملًا في ردع تركيا، عن إحداث فوضى في التنقيب غير القانوني، عن الغاز.

وفي الجانب الأخر، رحَّبت إسرائيل واليونان وقبرص، بحرارة، بإدراج دول الخليج العربي، في تحالفها الاستراتيجي الناشئ.

وفي أعقاب الهجمات، المدعومة من إيران، على منشآت النفط السعودية، عام 2019، نشرت اليونان أنظمة دفاع صاروخي "باتريوت" في المملكة، إلى جانب 130 جنديًا.

وكان السعوديون صرحاء، في دعمهم لقبرص، وسط التنقيب التركي غير القانوني، في المنطقة الاقتصادية القبرصية الخالصة.

وفي ردِّها على نزاعات اليونان البحرية مع تركيا، العام الماضي، أرسلت الإمارات العربية المتحدة، أربع طائرات إف -16 إلى جزيرة كريت، بل اقترحت أنها قد تبيع طائرات مقاتلة لليونان.

في الوقت الحالي، تبدو المملكة العربية السعودية، ملتزمة بشرقي المتوسط، لكن دون التشجيع والمشاركة الأمريكية، قد تفقد المنطقة نصيرًا بارزًا وغير مرجَّح، لشرق متوسطي أكبر، يمتد من الخليج العربي إلى البلقان.

إذا خرج السعوديون، ستكون المكاسب من نصيب روسيا وتركيا، وربما الصين.

وبالمثل، فإن الدور السعودي، في منطقة البحر الأحمر، أصبح الآن مثار تساؤل، ولا يمكن المبالغة في أهمية هذه المنطقة.

ووفقًا لأحد التقديرات ، فإن كابلات الألياف الضوئية، الموجودة تحت البحر الأحمر، تحمل ما يصل إلى 30 في المائة، من حركة الإنترنت في العالم، كما تمر ملايين البراميل، من النفط الخام يوميًا، والمنتجات البترولية الأخرى، عبر المجرى المائي، ناهيك عن المواد الغذائية والمنتجات الزراعية الأخرى. في حين أن البحرية الأمريكية، هي الضامن النهائي لحركة المرور هذه، فقد قامت المملكة العربية السعودية بدورها، للمساعدة في تأمين هذه المنطقة الحيوية. ومن المُسلَّم به أن كل ذلك، يخدم المصلحة الوطنية السعودية، ومع ذلك، لا يمكن تجاهُل مساهماتها.

عام 2018، استضاف السعوديون (بمساعدة كبيرة من الإمارات العربية المتحدة) قادة إثيوبيا وإريتريا، في توقيع اتفاق سلام، أنهى عقودًا من الخلاف. بعد ذلك بوقت قصير، وقعت إريتريا وجيبوتي اتفاقية مماثلة، مع المملكة العربية السُّعودية وشركائها، الذين تعهدوا بتقديم مساعدات اقتصادية.

كما عقد السُّعوديون قمة، مع قادة سبع دول، على البحر الأحمر ، بما في ذلك مصر والصومال والسودان والأردن، للتعامُل مع قضايا مثل القرصنة والتهريب.

المنطقة بعيدة كل البعد عن الاستقرار (لا سيما وسط أزمة تيغراي في إثيوبيا والخلافات على المياه، بين إثيوبيا والسودان ومصر) لكن السُّعوديين أصبحوا وكلاء على الأرجح، لمستقبل أكثر منطقية.

دور المملكة العربية السُّعودية، لا يقتصر على أن تكون حصنًا ضد تنظيم الدولة ونفوذ النظام الإيراني في العراق، فهي تتدخَّل أكثر فأكثر، لصالح واشنطن، إذ يتطلَّع السياسيون، من اليسار واليمين، بشكل متزايد، إلى الهروب من الاضطرابات، في الشرق الأوسط.

بعبارة أخرى، فإن السعوديين -ربما ضد مصالحهم الخاصة- قد مكَّنوا بعض الاندفاعات الانعزالية الأمريكية.

ويمكن قول الشيء نفسه، بخصوص ما تفعله المملكة العربية السُّعودية في اليمن، فبعد الانهيار السياسي هناك، واندلاع الصراع الداخلي، عام 2015، قاد السعوديون تحالفًا لمواجهة مليشيا الحوثي.

يحتدم الجدل حاليًا، بشأن مدى الدعم الإيراني للجماعة، في السنوات الأولى من هذا الصراع، إذ يجادل البعض، بأن المملكة العربية السُّعودية، دفعت الحوثيين إلى أحضان إيران.

وبصرف النظر عن كيفية حدوث ذلك، تتمتَّع إيران الآن، بنفوذ كبير في اليمن من خلال الحوثيين، وتسعى السُّعودية إلى تحدي ذلك النفوذ.

في لقاءات خاصة، أكد مسؤولون سُعوديون وإسرائيليون، بشكل مستقل، أن أسلحة إيرانية تتدفَّق إلى الحوثيين، بكميات مذهلة.

فمع عدم كفاية عمليات الاعتراض والحماية البحرية، من قِبَلِ المجتمع الدولي، ونظرًا لفشل عُمان في وقف التهريب البري، ازدادت قوة الأسلحة فتكــًا وتعقيدًا... طائرات دون طيار، وصواريخ، وأسلحة متطورة أخرى، تنتشر ضد الشعب اليمني، وتؤدي إلى نتائج مروِّعة، وكذلك على منشآت نفطية سُعودية، ناهيك عن المناطق المدنية السُّعودية.

لكن القرارات الأمريكية الأخيرة، تؤدي فقط إلى تفاقُم مشكلة اليمن، في المملكة العربية السعودية.

إنّ منطق الرياض، الذي تستخدمه للحرب في اليمن، مشروع، حتى لو كان قتالها دون المستوى المطلوب. ويمكن أن تساعد المهمة، التي تقوم بها السعودية، إذا نُفذت بشكل صحيح، في تحقيق الاستقرار، في منطقة الخليج العربي، وفي خدمة المصالح الأمريكية ، مثل منع ارتفاع أسعار النفط، بسبب هجمات الحوثيين.

على نطاق أوسع، إذا استسلمت اليمن للحوثيين، فستصبح نسخة  من لبنان مدجَّجة بالسلاح، وأكثر انفلاتًا من القانون، إلا في حال توفير سيطرة خانقة على مضيق باب المندب -الممر البحري الضيق- بين القرن الأفريقي واليمن.

إن سياسة إدارة بايدن، المتمثِّلة في اللامبالاة النسبية، بالإرهاب المدعوم من إيران في اليمن، مقلقة للغاية، بالنسبة للرياض.

وما يثير القلق أيضًا، قرار الولايات المتحدة، بإعادة الانخراط في الدبلوماسية النووية مع إيران. وبذلك، يتصارع السُّعوديون مع سؤالين كبيرين: هل تتجاهل واشنطن الخُطوط الحمراء السعودية. وهل تقدِّم تنازلات رئيسة، غير نووية لإيران، في مناطق مثل اليمن، من أجل إبرام صفقة؟ وفي خضم هذه العملية، هل تتفوق إيران على نظرائها الأمريكيين مرة أخرى، كما فعلت عام 2015؟

إذا رأى السعوديون أن النتيجتين مرجَّحتان، فقد يتخلون عن محاولة تشكيل منطقتهم. وبدلاً من ذلك، ستكثِّف الرياض النظر في برنامجها النووي.

في الواقع، تعهد قادة الولايات المتحدة، بأنه إذا حصلت إيران على القنبلة، فإن المملكة العربية السُّعودية ستفعل ذلك أيضًا.

_____

يتبنى منتقدو المملكة اليوم، فِكرة تمكين إيران، على حساب جيرانها السُّنّة، لكن على النقيض من ذلك، يرى المدافعون عن المملكة، أنها حصن مهم ضد إيران، وهي النسخة المبسَّطة من القصة.

الحُجة الأفضل، لمنح المملكة العربية السعودية، فرصة لكسب مكانتها، في نظام التحالف الأمريكي، تنبع من خطة الإصلاح الطموحة، التي أُطلاقت عام 2016، والمعروفة بـ "رؤية 2030".

ببساطة، تهدف "رؤية 2030" إلى إخراج المملكة العربية السعودية، من الاعتماد على اقتصادها النفطي،  تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان (يشار إليه عادة باسم "إم بي إس")، حيث وضعت الدولة نصب عينيها تحسين التعليم، ومجموعة من الإصلاحات، التي من شأنها خدمة شعبها بشكل أفضل.

كانت العملية مذهلة، إذ أصبح رجال الدين المتطرفون، الذين سيطروا على الرأي العام في المملكة مهمَّشين، فأصبح بإمكان النساء قيادة السيارات، وفُككت الشرطة الدينية المنتشرة في كل مكان، كما خُلعت أنياب "المطوعين".

لكن هذه الجهود، ما زالت بعيدة عن الكمال. ولقد دعاني السعوديون إلى رؤية التغيير بنفسي ، ورغم أنه لا يزال هناك الكثير من العمل، يمكنني أن أشهد على حدوثه.

تعلَّق أكثر شكوكي، بكيفية نظر السعوديين إلى اليهود، كانت رابطة العالم الإسلامي، التي تموِّلها الحكومة، منظمة غير حكومية تروج لمعاداة السامية، لكن في السنوات الأخيرة، تحت قيادة رجل الدين محمد العيسى، تواصلت المنظمة غير الحكومية، مع اليهود، ما يشير إلى تحولات كبيرة في وجهات نظرها.

حتى أن رابطة العالم الإسلامي، أطلقت حملة تندِّد بإنكار الهولوكوست، ما يمثِّل تحولًا ملحوظًا، عن خطابها قبل 11 سبتمبر/أيلول.

لكن "رؤية 2030" وعملية الإصلاح السعودية المصاحبة لها، ليست قضية بين الأديان، فمن المرجَّح أن يظهر التأثير الحقيقي للإصلاح السعودي في الدول ذات الأغلبية السُّنية، التي تأخذ إشاراتها من خادم الحرمين الشريفين وزعيم العالم الإسلامي السُّني.

وهذا يمكن أن يؤدي إلى احترام أكبر لحقوق المرأة في أفغانستان، ويساعد في تمهيد الطريق لسياسات إسلامية، أكثر اعتدالاً في باكستان.

كما يمكن أن يعطي صوتًا أكبر للمعتدلين، في إندونيسيا وماليزيا، بعد عقدين من الحرب على الإرهاب.

_____

لذلك، فإن سياسة أمريكا الخارجية التي تنتهجها تجاه السعودية، تقف عند مفترق طرق، فسياسة دونالد ترامب، كانت تقوم على أساس التعاملات المتبادلة، بعدما سعى وراء السعوديين لإبرام صفقات أسلحة وعمل اتفاقيات سلام إقليمية.

وعلى المنوال نفسه، كانت سياسة عديد من الرؤساء الأمريكيين الآخرين، بهدف الحفاظ على إمدادات ثابتة وميسورة التكلفة من النفط.

من السهل أن ننسى، كيف أن السعوديين لا يزالون قادرين على استخدام ثرواتهم النفطية، لصالح أمريكا أو في غير صالحها، كما فعلوا مرات عدة.

لقد فهم جورج دبليو بوش ذلك، لكنه مع ذلك، رسم سياسة إصلاح، إذ دفع السعوديين للانضمام إلى أمريكا، في المعركة الآيديولوجية ضد التطرُّف الإسلامي.

كان بإمكان بوش، أن ينفي المملكة بسهولة، من هيكل التحالف الأمريكي، لكنه لم يفعل، فقد رأى تحولًا لهذه المملكة الصحراوية، التي تحمل مثل هذه الأهمية للمنطقة. قد يكون النفط جزءًا من حساباته، لكن أهدافه كانت أسمى من الطاقة.

أما سياسة بايدن، فهي ليست تعامُلية أو تحوّلية، إنها عقابية، فهي لا توفِّر أيَّ طريق للإصلاح، ولا سبيل للإرضاء، فليس إلا الإذعان السعودي للاتفاق النووي الإيراني بوساطة أمريكية، والتي من المرجَّح أن تشمل إشارة إلى الطموحات الإيرانية للهيمنة، قد تعيد ضبط العلاقات، في ظل الظروف الراهنة، وهذة لعنةٌ على رؤية الرياض لمستقبلها.

فمع العلاقات الثنائية، في أدنى مستوياتها على الإطلاق، يجب على المملكة العربية السعودية الآن، التفكير في خُطواتها التالية.. وإذا وجدت المملكة نفسها منبوذة، مرارًا وتكرارًا، في النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، فقد يحتاج السعوديون إلى البحث عن حلفاء في مكان آخر.

ولن يجد السعوديون راعيًا وحاميًا آخر يشجع التحول، لكن على الأصح يمكنهم العثور بسهولة على راعٍ جديد، متعطِّش للنفط، وسيكون راضيًا بالعلاقات التعامُلية.

ووسط تصاعُد المنافسة بين القوى العظمى، واشنطن وبكين، ستكون هذه خسارة فادحة لواشنطن، وخسارة لن تنتهي عند ذلك الحد.