دمار ينتظر السوريين الذين يواجهون الطرد من الدنمارك...!
أصبحت الدنمارك، أول دولةً أوروبية، لا تجدِّد تصاريح الإقامة للاجئين، مدعيةً أن بعض المناطق في سوريا، أصبحت الآن آمنةً للعائلات للعودة إليها. وأزعج قرار الترحيل، السوريين في الدنمارك، وأصابهم بالذعر لكثرة الأسباب التي تدعوهم للخوف من العودة إلى ديارهم.

ترجمات السياق
لن تجدِّد كوبنهاغن حقوق الإقامة، وتخشى العائلات أن تتم إعادتهم إلى منازلهم، التي لم تعد موجودة...!
تقول السلطات الدنماركية، إن على مصباح مشليم، أن يأخذ ثلاثةً من أبنائه -أصغرهم دنماركي المولد ويبلغ خمس سنوات من العمر- ويعود إلى دمشق إلى منزلٍ لم يعد موجوداً في حيٍّ دمَّرته الحرب، وفي الغالب مغلق، في وجه ساكنيه السابقين، والأمل ضئيل في التعويض عن تلك الخسائر...!
"أنا لا أعرف ما الذي تبقى لأعود إليه. كيف يمكنني حماية أطفالي هناك؟" يقول مصباح، وهو واحد بين أكثر من 100 سوري يعيشون في الدنمارك، ممن فقدوا بالفعل وضعهم كلاجئين، واضطر محاميه إلى الطعن في أمرٍ بمغادرة طفله البالغ من العمر خمس سنوات.
أصبحت الدنمارك، أول دولةً أوروبية، لا تجدِّد تصاريح الإقامة للاجئين، مدعيةً أن بعض المناطق في سوريا، أصبحت الآن آمنةً للعائلات للعودة إليها. وقد أزعج القرار السوريين في الدنمارك، وأصابهم بالذعر لكثرة الأسباب التي تدعوهم للخوف من العودة إلى ديارهم.
لا تزال الحرب مستعرةً في أجزاء من سوريا، والتي اعترفت بها السلطات في كوبنهاغن ضمنياً، من خلال منح اللجوء السياسي، لجميع الرجال الذين قد تجعلهم أعمارهم عُرضةً للتجنيد الإجباري. وقد أدى ذلك إلى حماية أكبر طفلي صباح ، وهما توأمان يبلغان من العمر 19 عاماً، من فقدان وضعهما كلاجئين.
لا يزال جهاز الشرطة السورية المرهوبة الجانب، الذي ساعد في تحفيز انتفاضة 2011 ضد الأسد وعذَّب وقتل طوال الحرب، في ازدهار. أما الاقتصاد فهو في حالة من السقوط، ما يجعل البحث عن عمل أو إطعام الأسر، صعباً على العائدين، الذين يُنظر إليهم عموماً من الناحية السياسية.
وهناك سببٌ ملِّحٌ آخر، لعدم العودة بالنسبة إلى العديد من السوريين، الذين فروا من معاقل المعارضة حول العاصمة، فقد أدت الحرب والإجراءات التي قامت بها الدولة السورية إلى تشريدهم فعلياً، من خلال خُطط الهدم وإعادة تطوير أحياء دمشق، التي كانوا يعيشون فيها ذات يوم.
وقالت سارة كيالي: "نصنِّف هدم هذه الممتلكات، بأنه جريمة حرب، لأننا ما زلنا في حالة نزاع، ولا يوجد غرضٌ عسكري مشروع واضح للهدم، خاصة أن هذه المناطق استعادتها الحكومة". باحثة سورية في Human Rights Watch.
فمن المستحيل الحُكم على حجم الأضرار الهيكلية، من صور المباني، التي لا تزال قائمةً. لكن الحكومة السورية لم تتعامل مع الممتلكات بشكلٍ فردي، ولم تطلب خبرة خبراء إزالة الألغام، بما في ذلك في الأمم المتحدة، لإدارة عمليات إزالة أكثر استهدافاً للمباني الخطرة، والذخائر التي خلفها القتال.
قالت كيالي: "تم تدمير مبانٍ كاملة، على هذا النطاق الواسع، في عملية هدم لا تتناسب مع جهود إزالة الألغام".
كان لأم علاء، مدربة قيادة سابقة، تقدَّمت للعمل في دار المسنين في الدنمارك، منزلٌ في القابون، وهي منطقةٌ متأثِّرة بأحد برامج الهدم الأكثر شمولاً، وتقع بجوار جوبر، حيث كان منزل صباح.
"كنت سأرسل الأطفال إلى أسرتي، بينما حملنا أنا وزوجي الحجارة بأيدينا، فلم نتمكن من توظيف عُمْال لمساعدتنا، لذلك فعلنا كل شيء بأنفسنا".
وتذكرت قائلةً: "تحوَّل السطح إلى شرفةٍ جميلة، تتوسطها نافورة رخامية على الطراز الدمشقي، إضافة إلى نباتات وأزهار". وقد كانوا يقومون بتوسيع الطابق الثاني لابنها عندما غادروا.
صمد المنزل سنواتٍ من القتال العنيف، وأظهرت صورةً أرسلها أحد الأقارب قبل فترةٍ وجيزة، من استعادة الحكومة السيطرة على الحي في مايو 2017، أنه لا يزال قائماً، لكن المنطقة المحيطة بها دُمِّرت، نتيجة انفجارٍ وقع بين 13 و18 سبتمبر من ذلك العام، حيث أفادت وسائل الإعلام الرسمية السورية، بانفجار خاضع للرقابة في المنطقة في 14 سبتمبر.
وتصريح إقامة أم علاء في الدنمارك، من النوع الذي يتم رفض تجديده الآن، وتخشى أن تُطلب منها في العام المقبل أيضاً، العودة إلى مكانٍ لم يعد لديها فيه منزل.
تظهر صور الأقمار الاصطناعية، أن ما يقارب نِصْفَ مباني ما قبل الحرب في القابون، دُمِّرت الآن، والعديد من المباني الأخرى، تضرَّرت بشدة، حتى المباني الباقية خالية، لأن المنطقة مغلقة لأسباب أمنية.
تشير مسودات الخُطط، إلى أن الحكومة تريد إعادة الإعمار، لتحويل حيٍ غير رسمي فقير نسبياً إلى ملعبٍ للأثرياء، مع أبراج سكنية شاهقة، وعقارات استثمارية، ومركز تسوق.
وجد العديد من سكان القابون، مثل أم علاء، منازلهم مهدَّمة، من دون سابق إنذار ولا تعويض. تم عرض الأسهم على السكان السابقين في مناطق أخرى، في التطورات المستقبلية، لكن من غير المرجَّح أن تكون المبالغ التخمينية كافيةً لثمن شقة.
قال محمد العبد الله، المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، إنه بينما لا يتمتع اللاجئون بحقٍ مضمون، في العودة إلى ديارهم الأصلية، يجب احترام حقوق الملكية الخاصة بهم، بموجب القانون الدولي.
"يجب اعتبار الدول غير مناسبةٍ للعائدين، عند تدمير منزلٍ أو حي للاجئين -كما هو الحال بالنسبة للعديد من السوريين من دمشق الكبرى- ما لم يتم وضع إطارٍ لاستعادة الممتلكات يعوِّض بشكلٍ مناسب، تدمير الممتلكات. ومثل هذا الإطار غير موجود في سوريا، رغم وعود الحكومة، وهو سببٌ آخر لعدم إعادة اللاجئين قسراً ".
وقالت كيالي، إن العثور على سكنٍ، أمر صعب للغاية. والأزمة الاقتصادية تجعل كسب المال للإيجار، أمراً صعباً، وهناك ندرةٌ في المساكن بسبب الحرب، وجميع العقود تحتاج إلى موافقةٍ من الأجهزة الأمنية.
"لاستئجار أو شراء منزل في سوريا، أنت بحاجةٍ إلى الأجهزة الأمنية لتخليصه، وهي عمليةٌ صعبة في أحسن الأحوال. وبالنسبة لأولئك العائدين، من غير المقبول التعامُل مع مختلف الخدمات الأمنية إلى هذا الحد".
بما أن كوبنهاغن ليس لديها علاقات دبلوماسية مع دمشق، فلا يمكنها ترحيل الأشخاص مباشرةً إلى سوريا. وعلى الأقل تم وضع بعض المتقدِّمين المرفوضين في مركز المغادرة، والذي قال نشطاء إنه يشبه السجن، حيث لا يستطيع السكان العمل ولا الدراسة، ولا الحصول على رعايةٍ صحية مناسبة.
مصباح يحاول البقاء خارج هذه المراكز، وهم يستأنفون ضد أمرهم بالمغادرة، ولأن الأطفال ما زالوا حزينين على والدتهم التي توفيت بالسرطان العام الماضي "حيث كان فقدانها صعباً على عائلتنا. يطلب الأطفال زيارة قبور أمهاتهم بين الحين والآخر، فيذهبون إلى هناك ويتحدَّثون معها".
بقلم إيمي غراهام – ميس كيت