جيش رقمي.. الأزمة الروسية الأوكرانية تتحول إلى حرب عصابات إلكترونية
تلك الحرب استخدم فيها البلدان جميع أسلحتهما، في محاولة من روسيا لتحقيق نصر سريع، ومن أوكرانيا لدحر الهجوم الكاسح من قبل موسكو على أراضيها، ما خلف قتلى وجرحى بين الطرفين، اللذين تكبدا خسائر بمليارات الدولارت.

السياق
بعد قرابة 35 يومًا من اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية، ما زال الغموض يكتنف مصير الأزمة التي استنفرت العالم، فرغم ختام المفاوضات التي جمعت وفدي البلدين -مساء الثلاثاء- في مدينة اسطنبول التركية، فإن حلًا قريبًا لم يكن حتى اللحظة، حليفًا للمتشاورين.
تلك الحرب استخدم فيها البلدان جميع أسلحتهما، في محاولة من روسيا لتحقيق نصر سريع، ومن أوكرانيا لدحر الهجوم الكاسح من قبل موسكو على أراضيها، ما خلف قتلى وجرحى بين الطرفين، اللذين تكبدا خسائر بمليارات الدولارت.
أحد تلك الأسلحة الذي استخدمته أوكرانيا، كان المناشدة التي أطلقتها حكومة البلد الأوراسي، لاستنفار جيش عالمي من خبراء تكنولوجيا المعلومات، للمساعدة في المعركة ضد القوات الروسية، إلا أن المثير في الأمر، أن الكثيرين الذين يقدر عددهم بـ300 ألف «مقاتل رقمي» لبوا النداء.
واحد من بين هؤلاء المقاتلين، كان المراهق السويسري كالي الذي تعلم كيفية استخدام التكنولوجيا، من خلال اللعب بهاتف جده، بينما هو الآن يحاول شل الوجود الرقمي للحكومة الروسية والسكك الحديدية البيلاروسية.
300 ألف متسلل
كالي والعديد من الأشخاص كانوا من بين 300 ألف سجلوا في مجموعة على تطبيق الدردشة Telegram تسمى «IT Army of Ukraine»، من خلالها يتم تكليف المشاركين بمهام مصممة لنقل المعركة إلى الساحة الروسية.
المهمة الأساسية للجيش الأوكراني الإلكتروني، محاولة إيجاد اتزان بين إحدى القوى العظمى في العالم وأوكرانيا التي تواجه القصف والغزو، ونجح فيها بامتياز، بحسب صحيفة غارديان، التي قالت إن جيش القراصنة المترامي الأطراف نجح في تعطيل خدمات الويب الروسية.
وتقول NetBlocks، وهي شركة تراقب الاتصال العالمي بالإنترنت، إن توفر المواقع الإلكترونية للكرملين ومجلس الدوما -مجلس النواب الروسي- كان «متقطعًا» منذ بدء الغزو، مشيرة إلى أن الجيش الأوكراني الرقمي استهدف مواقع الخدمات الإعلامية المملوكة للدولة، والعديد من البنوك وشركة الطاقة العملاقة غازبروم.
ويقول ألب توكر، مدير NetBlocks: «هجمات التعهيد الجماعي نجحت في تعطيل الحكومة الروسية والمواقع الإعلامية المدعومة من الدولة»، مشيرًا إلى أن روسيا حاولت تخفيف الهجمات وردع المتسللين، من خلال تقييد الوصول إلى مواقع ويب معينة، ما تسبب في مزيد من التعطيل.
تلبية النداء
كالي كان كالعديد من أقرانه، الذين لبوا نداء ميخايلو فيدوروف، نائب رئيس الوزراء الأوكراني وزير التحول الرقمي، الذي يستخدم ملفه الشخصي الموسع على "تويتر" لمناشدة المديرين التنفيذيين في أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، لقطع العلاقات مع روسيا.
ففي 26 فبراير الماضي، نشر رابطًا لمجموعة Telegram، التي أنشأتها الوزارة، قال فيها، إن بلاده «بحاجة إلى مواهب رقمية ستكون هناك مهام للجميع».
وبينما حافظت سويسرا على حيادها النسبي، كان كالي مدفوعًا للعمل عندما رأى تغريدة فيدوروف، مشيرًا إلى أنه أراد المساعدة واستخدام مهاراته الهجومية لمساعدة أوكرانيا.
وتابع: «أنا من سويسرا، لكني مخترق قوي وأنا آسف جدًا لكل الأوكرانيين(..) أفعل ذلك لأنني أقف مع أوكرانيا وأريد المساعدة بطريقة ما(..) أعتقد أنه إذا اخترقنا البنية التحتية لروسيا سوف يتوقفون، ربما».
ورغم أن كالي يحاول عدم إخبار والديه كثيرًا عنه، فإن كارولين، البالغة من العمر عشرين عامًا من مدينة نيويورك، أخبرت والديها بأنها التحقت بجيش تكنولوجيا المعلومات الأوكراني.
وبعد أن شاهدت برعب مقاطع فيديو على "تويتر" و"إنستجرام" تظهر آثار الصراع المدمر في المدنيين الأوكرانيين، شعرت كارولين بأنها مضطرة للتصرف عندما شاهدت تغريدة فيدوروف.
معلومات مضللة
ولقد رأت كارولين كيف كان انتشار المعلومات المضللة مدمرًا خلال حملة دونالد ترامب الرئاسية، إلا أن مشكلة واحدة فقط كانت تواجهها، فلم تكن تعرف ما هو "تليجرام".
وبحسب «غادريان»، طلب من كارولين قصف مواقع الدولة الروسية بهجمات رفض الخدمة الموزعة (DDoS) ، التي يتم من خلالها قصف المواقع بحركة المرور لجعلها غير قابلة للوصول.
لكن كارولين أدركت أن الأشياء تضيع في سيل المعلومات، فيمكن للرسائل باللغة الأوكرانية للمجموعة -على سبيل المثال- تجميع مئات التعليقات في أقل من ساعة، لذلك كانت تساعد المجموعة الناطقة باللغة الإنجليزية، من خلال جمع المعلومات لموقع ويب عن كيفية دعم أوكرانيا ومحاربة حملات التضليل الروسية.
وأكدت أنها تقضي ساعات كل يوم بمشاركة المعلومات في دردشة تليجرام لمساعدة جماهير المشتركين، قائلة: «لا أستطيع أن أشرح ذلك(..) إنه شيء إنساني بالفطرة كان يلهمني، كلما تعمقت أكثر، أدرك أنني لست متميزة بأي وسيلة، لذلك كل ما أفعله هو جمع هذه المعلومات، لمحاولة تفكيك حملات التضليل التي تحدث».
رسائل للروسيين
شاب ثلاثيني من ليتوانيا، يعمل خبيرًا في تكنولوجيا المعلومات، كان أحد المنضمين لجيش أوكرانيا الإلكتروني، أكد أنه شعر بأن الانضمام إلى مجموعة تليجرام «الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله».
إلا أن الشاب كان انضمامه تحت تأثير ما سمعه من والديه، قائلًا: «نشأت مع والدي اللذين يرويان لنا قصصًا عن كيفية نفيهما إلى سيبيريا(..) نحن خائفون من أن نكون التاليين».
وأشار إلى أنه يركز على اختيار الروس العاديين للانتفاض ضد «ديكتاتورهم»، أملا بأن يتمكن العالم من الضغط على الشعب الروسي، لدرجة أنهم سيكونون على استعداد لإعادة تقييم تربيتهم، وفهم أن الناس يطلبون منهم المساعدة، والنظر إلى ما يحدث بالفعل وربما سينتفضون بهذه الطريقة».
أحد هؤلاء الشباب الذين انضموا لجيش أوكرانيا الرقمي، كان سام الذي يعمل في شركة تكنولوجيا إعلانات عالمية، أكد أنه كان يستخدم خبرته لإرسال ما يسميها «الدعاية المضادة» للروس من خلال المنصات الإعلانية.
يقول سام: «لقد كنا في حرب مختلطة وحرب مباشرة مع روسيا منذ عام 2014(..) كان الأمر نفسه، لكن على نطاق أصغر(..) نحن نفهم كيف تتصرف روسيا، إنهم يقومون بالدعاية هنا، ثم داخل بلادهم، ثم يحاولون مشاركة رؤيتهم مع المجتمع العالمي».
ويقوم نحو 100 متخصص إعلاني من 50 وكالة بتصميم إعلانات ونشرها لمحاولة زيادة الوعي داخل روسيا وبيلاروسيا بما تفعله موسكو، والتهرب من حظر الإعلانات وإغلاق المنصات.
مساعدة أوكرانيا
إنريكي الذي أعجب بالعمل الجماعي لجيش تكنولوجيا المعلومات المتطوع، قال في تصريحات لـ«غارديان»: «لم أر قط هذا العدد الكبير من الراغبين في فعل شيء ما في حياتي كلها».
ويقول أليكس، مهندس برمجيات أوكراني: مجموعة Telegram تستخدم في الغالب لهجمات DDoS، مضيفًا: «أتمنى أن يكون هناك المزيد من الأشياء التي يجب القيام بها في ما يتعلق بمساعدة حرب تكنولوجيا المعلومات»، مشيرًا إلى أنه لا يريد عزل روسيا عن الإنترنت، بل إيجاد طريقة لعرض صور الحرب على الروس.
إلا أن ذلك الجيش يشعر بعض خبراء الأمن السيبراني بالقلق، بينهم آلان وودوارد، أستاذ الأمن السيبراني في جامعة ساري، الذي قال: «هناك بعض المخاطر في وجود هذا الجيش التطوعي»، إنه قلق بشأن عدم وجود مساءلة في ما يتعلق بمن يدير خطة المعركة والاستراتيجية الشاملة».
وأضاف: «في أحسن الأحوال، ما يفعلونه هو التدخل في العمل(..) قد يكون مصدر إزعاج للروس، لكن الهجمات التي شهدناها حتى الآن لم تؤثر حقًا في القدرة القتالية الروسية بأي تأثير حاسم».
ويقول وودوارد إن جيشًا قوامه 300 ألف متسلل، سيضم دائمًا بعض البذور السيئة، مشيرًا إلى أن هؤلاء المتطوعين قد يبدأون مهاجمة أهداف ليست في الحقيقة ما تريده الحكومة الأوكرانية.
مخاوف وتساؤلات
وحذر من أن هناك خطرًا يتمثل في أن هذه الدعوة المفتوحة، يمكن بسهولة أن يتم استقطابها من الروس لتوليد عناوين الأخبار السلبية، مضيفًا: «أنت لا تعرف من هو في مجموعة المتطوعين(..) لا يمكنهم فقط فعل شيء غير مرغوب فيه باسم أوكرانيا، لكن يمكنهم أيضًا فعل شيء يلعب مباشرة في خطاب الروس».
لم يكن وودوارد وحده الذي أثار قلقه الجيش الأوكراني، بل إن أغنيس فينيما، من أكاديمية الأمن القومي والاستخبارات في جامعة مالطا، أعرب عن تخوفاته من أعمال التسلل، مضيفًا: «مدى فائدتها يعتمد على قدرتك في فحصها، وتنسيقها جيدًا ومهارتهم».
وأضاف: إعادة تسمية يخت بوتين أمر لطيف، لكن هل اختراق محطات التلفزيون الروسية، لتشغيل النشيد الأوكراني، يساعد الأوكرانيين في تحقيق أهدافهم الاستراتيجية؟!