بعد 11 سبتمبر... أمريكا لم تعد القوة التي لا تقهر

مراسلة أمريكية تروي كيف تغيرت أمريكا بعد 11 سبتمبر

بعد 11 سبتمبر... أمريكا لم تعد القوة التي لا تقهر

ترجمات - السياق

مشاعر تأييد وتصاعد في الهجمات الإرهابية، وحرب بأم القنابل، ووفاة أبناء قرى أمريكية فقيرة... ملامح لما بعد 11 سبتمبر، التي ليست كما قبلها، فالهجمات الدامية شجَّعت الجماعات الإرهابية، في جميع أنحاء العالم، على استهداف المصالح الأمريكية في أي مكان.

جانين دي جيوفاني، الصحفية والمراسلة العسكرية الأمريكية، سلَّطت الضوء في مقال بصحيفة ذا ناشيونال، على المشاعر المختلطة، التي رصدتها في عاصمة بعيدة عن أمريكا، وعلى تبعات الحادث الإرهابي في 11 سبتمبر على أمريكا والعالم.

تقول جيوفاني، إنها كانت قبل الثالثة مساءً بقليل يوم الثلاثاء، الموافق 11 سبتمبر 2001، تسير في شارع سانت أنطوان في باريس، حين دق جرس هاتفها باتصال من صديقة لها، مراسلة في الإذاعة الوطنية العامة، كانت مذعورة فيه، قائلة لها: «ما أنا على وشك أن أخبرك به ليس سهلًا... فقد تحطمت طائرتان في مركز التجارة العالمي».

 

يوم الهجوم

تقول جيوفاني: «تحول مزاجي -الذي كان يبعث على البهجة، لأنني كنت آخذ إجازة 6 أشهر من وظيفتي- إلى حالة من الذعر أيضًا، ووجدت بارًا بالقرب من Place des Vosges بباريس فيه تلفزيون، وطلبت مشروبًا وشاهدت برعب صور مانهاتن السفلى على الشاشة»، وتضيف: ركبت بعد فترة وجيزة، سيارة أجرة وأنا أبكي إلى السفارة الأمريكية في شارع غابرييل، إذ كانت هناك حشود من الناس تضع باقات من الزهور على البوابات.

وروت المراسلة العسكرية الأمريكية، الساعات الأولى لها عقب سماع خبر الهجمات، قائلة: إن رجلًا عجوزًا في كنيسة، حيث كنت أبحث عن تلقى العزاء في الضحايا، قال لي: (أمريكا ليست وحدها... كلنا أمريكيون)، بينما روى لي كبار السن قصصًا عن تحرير فرنسا، وكيف يتذكرون لطف الجنود الأمريكيين، الذين أتوا من نورماندي.

وتابعت: ما أتذكره بعد ذلك هو شيء لم أره مرة أخرى، لا في فرنسا ولا في أي مكان في العالم، وهي لحظة تضامن إنساني عالمي غير معهودة، مشيرة إلى أن هذه هي المرة الأولى، التي تشعر فيها بمشاعر مؤيدة لأمريكا في فرنسا.

«بعد أيام قليلة، كنت في طائرة متجهة إلى موسكو، لتمر أيام، وصلت فيها إلى طائرة صغيرة متجهة إلى دوشانبي عاصمة طاجيكستان، وهناك انضممت إلى طوف مسطح يعبر نهر آمو داريا أوكسوس إلى أفغانستان، التي تسيطر عليها حركة طالبان، وعلى الجانب الآخر من النهر كان مقاتلو التحالف الشمالي، المدعومون من الولايات المتحدة، يشقون طريقهم إلى أفغانستان»، تقول المراسلة العسكرية الأمريكية عن رحلتها إلى أفغانستان، التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأيام قليلة.

 

هنا كابل

وتضيف الكاتبة: هنا كابل... فقد اعتقدت أن الأمر سيستغرق منا بضعة أيام، لكنه استغرق شهورًا، ومع حلول نوفمبر 2001، كنت أنا وزملائي نسير إلى كابل جديدة، فلقد سقطت طالبان، إلا أنه بحلول ديسمبر، كنت في تورا بورا، حيث كانت القوات الأمريكية تلقي قنابل ديزي كاتر -المعروفة بأم القنابل- لاجتثاث أسامة بن لادن من كهفه.

واعتبرت جانين دي جيوفاني، أنه بعد 11 سبتمبر، لم تعد الولايات المتحدة القوة التي لا تقهر، مشيرة إلى أن هذه الهجمات، شجعت الجماعات الإرهابية، في جميع أنحاء العالم، على استهداف المصالح الأمريكية.

«فبعد 11 سبتمبر، لم يكن هناك شيء على حاله، أمريكا ليست التي أصيبت وحدها بجروح خطيرة ومميتة، إنما كل شيء بعد ذلك اليوم يمكن رؤيته من خلال عدسة الإرهاب والهجمات القاتلة»، تقول جيوفاني، مضيفة: «عندما عدت إلى أمريكا في الصيف التالي، أمضيت وقتًا في ميدلتاون، نيوجيرسي، وهي بلدة نهرية جميلة هادئة عادة، حيث يعيش عدد بسيط من السكان فيها، إلا أنها تغيرت وبدت كأنها بلدة ميتة، لأنها كانت ثاني أكثر المجتمعات تضرراً بعد مدينة نيويورك».

 

فقد المئات

وتقول المراسلة العسكرية الأمريكية: في هذه البلدة يعمل العديد من السكان في (كانتور فيتزجيرالد)، البنك الاستثماري الذي تلقى أكبر ضربة، خلال الهجمات، مشيرة إلى أن 658 موظفًا فقدوا في ذلك اليوم «الرهيب».

«فالعديد من سكان ميدلتاون ورومسون و Red Bank، والبلدات المجاورة، كانوا من المصرفيين الاستثماريين، الذين اختاروا هذا المكان لقربه من مكاتبهم في وول ستريت»، بحسب جيوفاني التي قالت إن عائلتها عاشت بالقرب من منطقة البنك الأحمر.

وأشارت إلى أنها قضت الصيف في طفولتها على هذه الشواطئ الجميلة، وسط مزارع الخيول، في قطف التفاح أو المشي بالقرب من نهر شروزبري الهادئ، لكن الآن بعيدًا عن هذا المكان المثالي، تم تكليفي بالتحدُّث مع الناجين وعائلات القتلى، ومن ثم فإن أكثر ما أتذكره -بصرف النظر عن الدموع التي ذرفتها أثناء حديثي مع الأمهات الجدد اللائي أصبن بالصدمة واللاتي ودَّعن أزواجهن في الصباح، لأنهن لن يروهم مرة أخرى- كان الشعور بأنه «ليس من الطبيعي أن تموت في هجوم إرهابي».

وتستعيد المراسلة العسكرية الأمريكية ذكرياتها، قائلة: «كانت مواقف السيارات مليئة بسيارات الأشخاص من منطقة بايشور، الذين لم يعودوا إلى منازلهم، حيث كان تتبع حياة أولئك الذين ماتوا في ذلك اليوم واحدة من أكثر القصص إيلامًا التي كتبتها على الإطلاق، إذ كان من الصعب أن أرى بلدي كمنطقة حرب، أو يعاني الحزن».

 

تأثير 11 سبتمبر

وعن تأثير 11 سبتمبر في الجميع، قالت جيوفاني، إنها بعد بضع سنوات، كتبت مقالًا آخر عن بلدة صغيرة في ولاية ماين -أقصى شمال منطقة نيو إنغلاند شمالي شرق الولايات المتحدة- حيث كان التجنيد للحرب في أفغانستان والعراق مرتفعًا بشكل خاص، إلا أن العديد من هؤلاء الشباب -وبعضهم من المراهقين- قُتلوا في ما بعد بعيدًا عن منازلهم.

وأشارت إلى أن هؤلاء الشباب انضموا إلى القوات المسلَّحة الأمريكية، لأن بلداتهم كانت فقيرة، بعد إغلاق مصانع الورق، التي كانت مصدر الدخل الوحيد في المدينة.

وأضافت: أتذكر والد أحد الجنود الشباب الذين قُتلوا، وهو يصرخ حاملًا أحد الأعلام ويقول: لقد ماتوا بسبب 11 سبتمبر، مشيرة إلى أن كل شيء تغير بعد 11 سبتمبر، فقبل هذه الأحداث ربما مات العديد من الشباب لأسباب مختلفة، لكن بالتأكيد لم يموتوا في هجمات إرهابية كهذه.

وتابعت: لقد أشعلت أحداث 11 سبتمبر سلسلة من الهجمات التي أعقبت ذلك، وشجعت الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، على استهداف المصالح الأمريكية في أي مكان، بينما قبل ذلك، بدت الهجمات الإرهابية بعيدة، حتى الضربات السابقة للقاعدة -كمهاجمة السفارات الأمريكية عام 1998، وهجوم يو إس إس كول عام 2000، وحتى مراكز التجارة العالمية عام 1993- كل ذلك لم يعطِ انطباعًا بأن أمريكا القوة التي تقهر، مثلما فعلت 11 سبتمبر 2001.

 

الحرب الباردة

وتقول جيوفاني، إن الحروب التي تحدَّثت عنها في تسعينيات القرن الماضي، ومعظمها في إفريقيا والبلقان، كانت متجذِّرة نهاية الحرب الباردة، أو كانت لها أصداء إمبريالية أو جذور استعمارية، مشيرة إلى أنها كانت تدور حول مظالم قديمة ومعارك قبلية وتوترات عِرقية وكراهية.

إلا أن الحروب التي تلت أحداث 11 سبتمبر تدور بشكل كبير حول القضاء على الإرهاب أو صعود الجماعات الإرهابية، بحسب المراسلة العسكرية الأمريكية، التي قالت إن الحرب في سوريا، بدأت كصرخة من أجل التحرر من نظام وحشي، فنزلت إلى ساحة معركة داعش والنصرة وتحرير المقدس وغيرها من الحركات الجهادية الأخرى.

وربطت جيوفاني بين الخروج الأمريكي من أفغانستان، والذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر، قائلة: يعد الخروج من أفغانستان وإحياء ذكرى 11 سبتمبر تذكيرًا صارخًا بمكان وجودنا في أمريكا اليوم.

وأضافت: «اليوم لم نكن منقسمين كما كنا -بسبب سنوات دونالد ترامب، وبسبب الوباء، وقرار الحصول على اللقاح، أو البقاء من دون حماية- وإنما يجمعنا الحزن على هذه الأحداث».

وأنهت الكاتبة مقالها: إن بعض الأمريكيين لا يتذكرون أحداث 11 سبتمبر، لكنهم يعرفون الإرث الدائم لهذه الأحداث، ورغم أنه من الصعب عليهم تخيُّل المشاعر التي سادت ذلك اليوم، فإنه بالنسبة للآخرين، يبقى هو اليوم الذي تغيَّـرت فيه السياسة الخارجية الأمريكية.