الحرب الروسية الأوكرانية تخرج عن مسارها.. ماذا حدث وما التطورات؟

بينما تحتفظ القوات الروسية بتفوق عددي كبير، إلا أن القوات الأوكرانية كافحت مجموعاتها المدرعة بالأسلحة المضادة للدبابات التي يزودها بها الغرب، والطائرات من دون طيار التركية الصنع

الحرب الروسية الأوكرانية تخرج عن مسارها.. ماذا حدث وما التطورات؟

السياق

بعد أكثر من شهر من سقوط أول صاروخ باليستي على مطار كييف الدولي، تعطلت الحملة الروسية وخرجت عن مسارها بسبب المقاومة الأوكرانية التي وُصفت بـ«العنيدة»، بينما تطورت الأمور في الأيام الماضية، بشن القوات الأوكرانية هجمات مضادة سريعة على جبهات عدة.

فبينما تحتفظ القوات الروسية بتفوق عددي كبير، إلا أن القوات الأوكرانية كافحت مجموعاتها المدرعة بالأسلحة المضادة للدبابات التي يزودها بها الغرب، والطائرات من دون طيار التركية الصنع، بحسب شبكة «سي إن إن»، الأمريكية التي قالت إن الدفاعات الجوية الأوكرانية -التي تعززها واشنطن بآلاف صواريخ ستينجر الأمريكية الصنع- ضربت وزنها.

وقالت الشبكة الأمريكية، في تحليل ترجمته «السياق»، إن ضعف الدعم اللوجستي والتكتيكات المشكوك فيها والأدلة المتزايدة على ضعف الروح المعنوية بين الكتائب التكتيكية الروسية، سمحت للجيش الأوكراني بصد التقدم الروسي في مناطق عدة ونقل القتال إلى «العدو».

واستند التحليل إلى صور الأقمار الصناعية ومحتوى وسائل التواصل الاجتماعي والبيانات الرسمية من الجانبين، التي أشارت إلى أن الصراع قد ينتقل إلى مرحلة جديدة، تتمثل في حرب استنزاف قد يخسر فيها الروس أرضًا أكثر مما يكسبون ويعانون مشكلات إعادة الإمداد، مثل قطع الأوكرانيين خطوطهم الممتدة.

وأوضحت «سي إن إن»، أن هناك مؤشرات على أن الجيش الروسي يحاول تعويض ذلك، من خلال زيادة استخدام القوات الصاروخية والنيران غير المباشرة، من المدفعية وأنظمة إطلاق الصواريخ.

فشمال وغرب كييف، يبدو أن الروس قابعون في مناطق مثل إيربين وماكاريف، حيث سيطرة القوات الأوكرانية ضعيفة، بدلاً من السعي للتقدم.

وفي الأسبوعين الماضيين، كان هناك ارتفاع في الضربات الصاروخية الروسية، من لفيف في الغرب إلى جيتومير وسط أوكرانيا وميكولايف في الجنوب، حيث كانت الأهداف الرئيسة مقالب الوقود والمستودعات العسكرية والمطارات.

 

أوكرانيا تهاجم

وبينما كان الأوكرانيون حذرين بشأن شن الهجوم، إلا أن مستشار الأمن القومي أوليكسي دانيلوف قال: «نشن هجومًا مضادًا في بعض المناطق، وهذا الهجوم المضاد مثمر».

وأوضحت الشبكة الأمريكية، أن عمليات القتال هذه محدودة ومركزة، لكنها تشمل جبهات جنوب ووسط أوكرانيا والشمال الشرقي، بينما وصفها معهد دراسة الحرب -في آخر تقييم له- بأنها «حكيمة وفعالة، وسمحت للقوات الأوكرانية باستعادة مناطق صغيرة من التضاريس المهمة من الناحية التكتيكية أو العملياتية، من دون الإفراط في التوسع».

وأشارت إلى أنه ربما يكون الدفع نحو مدينة خيرسون التي تحتلها روسيا هو الأكثر طموحًا، بعد مقاومة محاولات القوات الروسية للاستيلاء على ميكولايف -وهي بمثابة جسر لمهاجمة أوديسا- مؤكدة أن الأوكرانيين شنوا هجمات صاروخية مدمرة ضد القيادة الروسية في مطار خيرسون، ما أسفر عن مقتل جنرال روسي في هذه العملية والسيطرة على الأرض شمال المدينة.

 

عصيان مدني

تطورات أثارت عصيانًا مدنيًا في المدينة ضد القوات الروسية، وأدت إلى نزول حشد كبير، أمس الأحد، إلى شوارع مدينة كاخوفكا شرق خيرسون احتجاجًا على الاحتلال الروسي.

وقال الصحفي المحلي أوليه باتورين لشبكة سي إن إن: القوات الروسية ما زالت تسيطر على المنطقة، مشيرًا إلى أن مدينتهم مهمة لروسيا، كونها قريبة من جسر يربط خيرسون بالنقاط الشرقية.

وبينما أكد أنه سيكون من الصعب الحفاظ على ممر بري روسي يربط شبه جزيرة القرم بحدودها من دون هذا الوصول، شدد على أن هناك معارك عنيفة اندلعت بالقرب من بلدة تافريسك ونوفا كاخوفكا القريبة، حيث كان هناك تركيز كبير للقوات الروسية.

تطورات قد يكون لها تأثير كبير في الحملة الروسية بالجنوب، بحسب الشبكة الأمريكية، التي قالت إن الوحدات الأوكرانية قد استولت أيضًا على أراضٍ قريبة من الحدود الروسية، حول مدينتي خاركيف وسومي.

فعلى بعد 30 ميلاً فقط من الحدود الروسية، تعرضت لهجوم شبه مستمر منذ اليوم الأول للغزو، لكنها لا تزال في أيدي الأوكرانيين.

 

تحرير المستوطنات

ويبدو أن القوات الأوكرانية استعادت بعض المناطق النائية، بحسب رئيس إدارة منطقة خاركيف، أوليه سينيهوبوف الذي تحدث عن «تحرير مستوطنات عدة» شرقي المدينة.

وأظهر مقطع فيديو حللته شبكة «سي إن إن» هجومًا شنته قوات كتيبة آزوف القومية المتطرفة على قرية بالقرب من خاركيف، وأخذت فيه عددًا من السجناء الروس، يبدو أن بعضهم أصيب بجروح خطيرة.

وبينما أظهرت مقاطع فيديو أخرى سلسلة من القرى الواقعة جنوب خاركيف في أيدي الأوكرانيين، تواصل القوات الروسية محاولة استمرت أسابيع للسيطرة على مدينة إيزيوم الواقعة جنوب خاركيف، لكن المقاومة الأوكرانية مستمرة في المدينة المتضررة بشدة.

من جانبه، قال المسؤول المحلي ماكسيم ستريلينك: «الوضع في إيزيوم معقد للغاية في الوقت الحالي، والقتال العنيف مستمر».

وتظهر مقاطع فيديو وصور، القوات الأوكرانية التي عادت للسيطرة على بلدة تروستيانتس، على بعد قرابة 30 ميلاً من مدينة سومي، مع دروع روسية تتضمن دبابة T-80 ومركبات مشاة قتالية متضررة ومهجورة.

 

مكاسب أوكرانية

ونشر اللواء 93 الأوكراني صوراً عبر حسابه في "فيسبوك" تظهر جنوده في تروستيانتس، قائلًا: «الروس فروا تاركين وراءهم أسلحة ومعدات وذخيرة».

إلى الشرق من كييف، شهدت الأيام القليلة الماضية مكاسب أوكرانية في منطقة ريفية إلى حد كبير على بعد 40 ميلاً (70 كم) من العاصمة، حول قريتي لوكيانيفكا ورودنيتسكي، بحسب «سي إن إن»، التي قالت إنه إذا استمرت هذه المكاسب، فقد تعقد سلسلة إمداد روسية طويلة، بل وتعطل الوحدات الروسية المتقدمة.

ورغم التقدم الأوكراني، فإن مدينة تشيرنيهيف شمال كييف لا تزال محاطة بالقوات الروسية، التي دخلت أيضًا مدينة سلافوتيتش القريبة نهاية هذا الأسبوع.

وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، أنهم يسيطرون على وسط المدينة، مستخدمين قنابل الصوت ورشقات نارية في الهواء، بينما احتج حشد من مئات المدنيين الأوكرانيين.

 

لغة موسكو المتغيرة

ومع تعثر حملتهم البرية، أكد المسؤولون الروس أن تطويق المدن الأوكرانية يخدم هدفًا خفيًا، هو تحديد القوات الأوكرانية ومنعها من التركيز على المناطق الانفصالية في دونباس.

وقال الكولونيل جنرال سيرجي رودسكوي، النائب الأول لرئيس هيئة الأركان العامة لروسيا، إن فرض الحصار على المدن الأوكرانية وإلحاق الضرر بالبنية التحتية العسكرية «يسمحان لنا بتقييد قواتهم ومنعهم من تعزيز تجمعهم في دونباس».

وبإعلانه العملية العسكرية الخاصة في 24 فبراير، قال الرئيس فلاديمير بوتين إنها كانت تهدف إلى تأمين دونباس -المناطق الشرقية من دونيتسك ولوهانسك- من هجوم أوكراني مزعوم.

وبدا أن رودسكوي يشير إلى ذلك، قائلًا: «بشكل عام، تم الانتهاء من المهام الرئيسة للمرحلة الأولى من العملية»، مشيرًا إلى أن نية روسيا لم تكن اقتحام المدن الأوكرانية، لكن رودسكوي أشار أيضًا إلى هدف أكثر طموحًا لبوتين، هو ما يسمى «نزع سلاح» أوكرانيا.

وتشير الأدلة المتاحة إلى أن القوات الروسية تتقدم على أطراف دونباس، لكن عنصرًا مهمًا من تلك القوات تم تقييده في حصار ماريوبول المرهق، بينما ستؤثر الخسائر هناك في قدرتهم على نشر القوة في مكان آخر في الجنوب الشرقي.

وقال معهد دراسة الحرب إن تعليقات رودسكوي «يمكن أن تشير إلى أن روسيا قلصت أهدافها، وستكون الآن راضية عن السيطرة على مناطق دونيتسك ولوهانسك، لكن هذه القراءة غير دقيقة على الأرجح».

إلا أن قيادة القوات المسلحة الأوكرانية غير مقتنعة، فقالت إن الوحدات الروسية تعيد تنظيم صفوفها وتوحيدها، لتحل محل الخسائر القتالية.

يشير كل ذلك إلى أن مرحلة ثانية -ربما تكون أكثر دموية من الصراع- على وشك أن تبدأ، حيث تحاول روسيا تنشيط حملة متعثرة على الأرض، مع مضاعفة استخدامها للصواريخ الانسيابية والبالستية.