عقل بوتين.. من هو ألكسندر دوجين الذي توقع انقسام أوروبا وسقوط الصين؟

ما الذي سيأتي، حال نجاح بوتين في حل مشكلة روسيا في أوكرانيا؟، يتوقع دوجين تقسيمًا تدريجيًا لأوروبا إلى مناطق نفوذ ألمانية وروسية، مع سيطرة موسكو إلى حد كبير بفضل سيطرتها على حاجات برلين من الموارد، بينما يرى أن بريطانيا العظمى ستنهار، وهو ما ستستغله روسيا وستمتد امبراطورية أوراسيا في النهاية من دبلن إلى فلاديزفوستوك.

عقل بوتين.. من هو ألكسندر دوجين الذي توقع انقسام أوروبا وسقوط الصين؟
ألكسندر دوغين

ترجمات - السياق

سلَّط الكاتب الأمريكي ديفيد فون دريله، الضوء على دور الفيلسوف الروسي الشهير ألكسندر دوجين، في حياة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومدى تأثيره فيه، واصفًا إياه بأنه "العقل المدبر" لتصرفاته.

عشية بدء غزوه الدموي، ألقى الرئيس الروسي، خطاباً طويلاً ومتشدداً، نفى فيه وجود أوكرانيا والأوكرانيين، وهو خطاب أشار إليه العديد من المحللين الغربيين بأنه غريباً وغير متوقع، كان الخطاب غريباً، لكنه لم يكن غير متوقعاً، لأن الفكرة التي طرحها بوتين مستمدة مباشرة من أعمال العقل المدبر للرئيس الروسي، وهو ألكسندر دوجين، بحسب دريله، في مقال لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

عقل بوتين

وقال دريله: تأثير دوجين الفكري في الزعيم الروسي معروف بشكل جيد لدارسي فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي، حيث يسمونه في بعض الأحيان "عقل بوتين"، كما أن أفكاره تبدو مألوفة أيضاً لليمين الجديد في أوروبا، الذي كان دوجين شخصية بارزة فيه، لما يقرب من ثلاثة عقود، وكذلك بالنسبة لليمين البديل في أمريكا، حتى أن الزوجة السابقة للزعيم القومي الأبيض ريتشارد سبنسر، نينا كوبريانوفا، الروسية المولد، ترجمت بعض أعماله إلى اللغة الإنجليزية.

ورأى الكاتب أنه في الوقت الذي يراقب العالم فيه القصف العشوائي لأوكرانيا، بمزيج من الشعور بالرعب والاشمئزاز، فإن هناك حاجة إلى فهم أوسع لأفكار دوجين القاتلة، حيث ظلت روسيا تستخدم كتاب القواعد الخاص به عشرين عاماً، وهو ما أوصلنا إلى الوضع الحالي، الذي أصبحنا فيه على شفا حرب عالمية أخرى.

وأضاف: "لقد كان دوجين نتاجاً للفترة الأخيرة من انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو ينتمي إلى المجموعة الكبيرة الكئيبة من المنظرين السياسيين، الذين ابتكروا ماضياً قوياً ومجيداً لشرح الحاضر الفاشل، كما أن المستقبل -من وجهة نظرهم- يكمن في استعادة هذا الماضي من الحاضر الليبرالي والتجاري والعالمي".

 

امبراطورية كبيرة

ولفت الكاتب إلى أن دوجين يتبنى النهج نفسه، لكن من وجهة نظر روسية، قائلاً إنه قبل أن تدمر الحداثة كل شيء، وعد الشعب الروسي بتوحيد أوروبا وآسيا في امبراطورية واحدة، يحكمها العرق الروسي لكن، للأسف، أحبطت إمبراطورية متنافسة من الفاسدين، بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، مصير روسيا وتقليص فرص "أوراسيا"، وهو مصطلح يعبر عن الامبراطورية الروسية المستقبلية.

وفي كتابه "أسس الجغرافيا السياسية: المستقبل الجيوسياسي لروسيا"، الذي نُشر عام 1997، رسم دوجين خطة اللعبة بالتفصيل، قائلاً إنه يجب على العملاء الروس إثارة الانقسامات العرقية والدينية والمذهبية داخل الولايات المتحدة، مع الترويج للفصائل الانعزالية فيها، أما في بريطانيا العظمى، فإنه يجب أن تركز الجهود على تفاقم الخلافات التاريخية مع قارة أوروبا، وتعزيز الحركات الانفصالية في اسكتلندا وويلز وإيرلندا، وفي غضون ذلك، يجب أن تنجذب أوروبا الغربية في اتجاه روسيا، من خلال إغرائها بالموارد الطبيعية: النفط والغاز والغذاء، وهو ما سيجعل حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينهار من الداخل، وفقاً للكاتب.

وأوضح الكاتب أن بوتين اتبع هذه النصائح، قائلاً إنه لابد أنه شعر بأن الأمور تسير على ما يرام، عندما رأى مثيري شغب يحطمون النوافذ في أروقة الكونجرس الأمريكي في يناير 2021، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واعتماد ألمانيا المتزايد على الغاز الطبيعي الروسي.

 

تقسيم أوروبا

وأضاف الكاتب أنه بعد نجاح بوتين في تقويض الغرب بشكل كبير، يبدو أنه لجأ إلى صفحات دوجين التي أعلن فيها أن "الدولة المستقلة الأوكرانية ذات الطموحات الإقليمية تمثل خطراً هائلاً على أوراسيا، ومن دون حل المشكلة الأوكرانية، سيكون من العبث التحدث عن أي سياسة قارية".

وتابع: "ما الذي سيأتي، حال نجاح بوتين في حل مشكلة روسيا في أوكرانيا؟، يتوقع دوجين تقسيمًا تدريجيًا لأوروبا إلى مناطق نفوذ ألمانية وروسية، مع سيطرة موسكو إلى حد كبير بفضل سيطرتها على حاجات برلين من الموارد، بينما يرى أن بريطانيا العظمى ستنهار، وهو ما ستستغله روسيا وستمتد امبراطورية أوراسيا في النهاية من دبلن إلى فلاديزفوستوك".

وأشار الكاتب إلى أن تعديات بوتين في الشرق الأوسط متأثرة أيضاً بفكرة دوجين المتعلقة بمحور موسكو طهران، قائلاً إن إغراءه للحكومة القومية في نيودلهي، انعكاس لإصرار دوجين على أن الإمبراطورية الأوراسية يجب أن تمتد إلى المحيط الهندي.

وقال الكاتب: رغم أهمية أن يأخذ صانعو القرار الغربيون أفكار دوجين الغامضة على محمل الجد، فإن الأمر يمثل القدر نفسه من الأهمية للزعيم الصيني شي جين بينغ، الذي أعلن هو وبوتين شراكة الشهر الماضي، لتقليص نفوذ الولايات المتحدة، لكن وفقاً لدوجين، يجب أن تسقط الصين أيضاً، إذ كتب أن طموحات روسيا في آسيا تتطلب "تفكيك الأراضي، وتقسيمها، والانقسام السياسي والإداري للدولة الصينية"، مشيراً إلى أن اليابان الشريك الطبيعي لروسيا في الشرق الأقصى.

 

تدمير بريطانيا

وأضاف الكاتب: يمكن تلخيص كتاب دوجين المكون من 600 صفحة في فكرة واحدة، أن التحالف الخطأ هو الذي انتصر في الحرب العالمية الثانية، إذ إنه لو لم يقم هتلر بغزو روسيا، لكان من الممكن تدمير بريطانيا، وكانت الولايات المتحدة ستبقى منعزلة ومنقسمة، وكانت اليابان ستحكم الصين كشريك أصغر لروسيا"، وتساءل: "هل فكرة تطبيق الفاشية من إيرلندا إلى المحيط الهادئ مجرد وهم؟ آمل ذلك، لكن الأوهام تصبح مهمة عندما يتبناها الطغاة".

وقال: "هذا الوهم من رسم دوجين، الذي قال في مقابلة -نهاية السنة الماضية- إن روسيا هي بوتين وهو الذي يحدد كل شيء في السياسة"، مختتماً حديثه: "في بلادي، القانون لا شيء والحاكم هو كل شيء".