هل تستطيع إفريقيا تعويض الغاز الروسي وتلبية حاجة أوروبا؟

الدول الإفريقية لم تكن كلها على حد سواء، فالجزائر التي تعد أكبر دولة إفريقية مصدرة للغاز إلى الاتحاد الأوروبي، أبدت استعدادها لزيادة صادرات الغاز الطبيعي والغاز المسال للقارة العجوز، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

هل تستطيع إفريقيا تعويض الغاز الروسي وتلبية حاجة أوروبا؟

السياق

بعد قرابة شهر من الأزمة الأوكرانية، التي تسببت بفرض عقوبات غربية هي الأولى والأكبر من نوعها، على روسيا، تبحث دول القارة العجوز عن بدائل للغاز الروسي، الذي يغذي أوروبا بـ45% من حاجاتها اليومية.

يفتش الاتحاد الأوروبي عن بدئل قريبة المدى وأخرى بعيدة، من القارة الإفريقية مرورًا بالخليج إلى أمريكا، في محاولة للتغلب على العقبات التي فرضت نفسها، مع اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي.

وأعلنت بلدان الاتحاد الأوروبي -الأسبوع الماضي- عزمها وقف استيراد النفط والغاز من روسيا، ردًا على «غزوها» أوكرانيا، مشيرة إلى أنها تدرس تطبيق حلول على المديين المتوسط والطويل لاستبدال 380 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز الروسي.

 

احتياطات هائلة

ورغم البدائل المتعددة للغاز الروسي، وامتلاك القارة الإفريقية احتياطات هائلة من النفط والغاز، فإن مراقبين أكدوا أن الأمر ليس سهلًا، لما يصاحبه من معوقات داخل بلدان القارة السمراء، ستعيق تنفيذ التزاماتها، إذا ما رأت أوروبا حتمية الاستعانة بها.

وبحسب تقارير اقتصادية نشرت عام 2017، فإن القارة الإفريقية تمتلك احتياطات مؤكدة من الغاز تصل إلى 148.6 تريليون متر مكعب، ما يمثل أكثر من 7% من الاحتياطات العالمية من الغاز، ويؤهلها لأن تكون بديلًا لتعويض الغاز الروسي.

تلك الاحتياطات الهائلة، نظرت إليها بلدان الاتحاد الأوروبي عام 2019، فاستوردت نحو 108 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من إفريقيا، معظمها من نيجيريا التي زودت التكتل الأوروبي بأكثر من 12 مليار متر مكعب.

وتجاوز إجمالي إنتاج النفط والغاز في إفريقيا عام 2019 نحو 327.3 مليون طن متري من النفط، لتصل حصة القارة السمراء في صادرات النفط العالمية، إلى ما يقرب من 9% بداية من عام 2020.

إلى ذلك، قالت خادي كامارا المسؤولة في اتحاد الأعمال الألماني الإفريقي، في تصريحات صحفية: «المنتجون الأفارقة يمتلكون احتياطات تفوق حاجاتهم في الأسواق المحلية»، مشيرة إلى أن البلدان الإفريقية لديها رغبة في زيادة التصدير.

 

4 عوامل

ونقلت وسائل إعلام ألمانية عن أحد الوسطاء العاملين في مجال الطاقة بنيجيريا، قوله إن بلاده لن تتمكن من سد الفجوة المطلوبة منها، حتى تستطيع توفير فائض لا يقل عن 7.4 مليون برميل يوميًا، إلا أنها ليست قادرة على ذلك.

وأكد الوسيط أن نيجيريا، التي تعد وأنغولا أكبر منتجي النفط في إفريقيا، لم يتمكنا من الوفاء بالتزاماتهما في إطار منظمة أوبك، مشيرًا إلى أن نيجيريا تمكنت فقط من ضخ 94% من حصتها البالغة 1.7 مليون برميل يوميًا، بينما ضخت أنغولا 78% من حصتها البالغة 1.4 مليون برميل يوميًا.

عجز الدولتين الإفريقيتين الأكبر عن الوفاء بالحصص المطلوبة منها لأوروبا على المدى القصير، يأتي بسبب عدم قدرتها على جذب استثمارات جديدة في قطاع إنتاج النفط، بحسب الوسيط.

إلا أن ذلك الخلل الواضح في أن يكون البلدان بديلًا لروسيا ليس العائق الوحيد، بل إن البلدان الإفريقية ليست على كلمة سواء، وهو ما اتضح جليًا خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثاني من مارس الجاري على قرار يدين العمليات العسكرية الروسية ويطالب بالانسحاب الفوري وغير المشروط والشامل للقوات الروسية من أوكرانيا.

فرغم تصويت 28 دولة إفريقية من أصل 54 لصالح القرار، فإن بلدانًا أخرى امتنعت عن التصويت أو لم تشارك في الجلسة، باستثناء إريتريا التي وقفت إلى جانب روسيا وصوتت ضد القرار ، ما يكشف التحديات التي تواجه القارة العجوز إذا لجأت إلى البلدان الإفريقية لتعويض الغاز الروسي.

 

مهمة أوروبية صعبة

كانت مجموعة أعمال ألمانية إفريقية طالبت -الأسبوع الماضي- وزير الاقتصاد الألماني بالتواصل مع نظرائه الأفارقة لبحث إمكانية زيادة إمدادات النفط والغاز من القارة السمراء، إلا أنه لم يعرب أي زعيم إفريقي عن رغبته في لقاء مسؤولين أوروبيين، لبحث المسألة.

انعدام الرغبة وعدم التوافق والفشل في جذب الاستثمارات، جعلت البنية التحتية في مجال النفط والطاقة في إفريقيا المتردية، لا سيما خطوط نقل الغاز والنفط إلى أوروبا، سببًا رابعًا، في جعل المهمة الأوروبية صعبة المنال على المدى القصير.

وهو ما أكدته تقارير صادرة عن شركة برايس ووترهاوس كوبرز للتدقيق والاستشارات في جنوب إفريقيا، التي أكدت أن أزمة ضعف البنية التحتية في قطاع النفط أدت إلى انخفاض إنتاج النفط في القارة 19% عام 2019 عن العام الأسبق ما يمثل 7.8 بالمئة من الناتج العالمي، إضافة إلى انخفاض إنتاج الغاز في إفريقيا 5% خلال الفترة ذاتها.

وبحسب مراقبين، فإن دول القارة السمراء خاصة المنتجة للنفط، عليها بذل جهود لجذب استثمارات أجنبية في هذا القطاع الحيوي.

مصر والجزائر

الدول الإفريقية لم تكن كلها على حد سواء، فالجزائر التي تعد أكبر دولة إفريقية مصدرة للغاز إلى الاتحاد الأوروبي، أبدت استعدادها لزيادة صادرات الغاز الطبيعي والغاز المسال للقارة العجوز، بعد «الغزو الروسي» لأوكرانيا.

وبينما كشفت تقارير رسمية، أن عدد خطوط الأنابيب المباشرة لنقل الغاز من إفريقيا إلى أوروبا أربعة، أكدت أن التحدي الأكبر يكمن في بناء بنية تحتية جديدة في منطقة جنوب الصحراء، لربطها بخطوط أنابيب منطقة شمال إفريقيا.

ولم تكن الجزائر وحدها من البلدان الإفريقية الساعية للفوز بنصيب من الكعكة الأوروبية، بل إن مصر حاضرة على طاولة المنافسات، فوزير بترولها طارق الملا أعرب مرارًا عن إمكانية بلاده تصدير المزيد من الغاز الطبيعي المسال، نظرًا لارتفاع أسعار الطاقة في جميع المجالات.

وهو ما أكدته شركة إيني الإيطالية، التي أشارت إلى أنها ستعمل مع مصر لتوفير مصادر بديلة للغاز إلى أوروبا، التي أكدت أنها ستزيد إنتاجها من الغاز.

 

الغاز الأمريكي

بعد إفريقيا كانت أمريكا إحدى البلدان التي وضعت نصب عينيها تعويض الغاز الروسي لأوروبا، بحسب رئيسها جو بايدن، الذي أعلن  تشكيل فريق عمل للحد من اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري الروسي.

وأكد بايدن أن الولايات المتحدة ستزود الاتحاد الأوروبي بمزيد من الغاز الطبيعي المسال، لمساعدته في تقليل اعتماده على إمدادات الوقود الأحفوري الروسية.

وفي بيان أمريكي أوروبي مشترك، أعلن مساء الجمعة، أن الولايات المتحدة ستعمل على ضمان إمدادات غاز طبيعي مسال إضافية لسوق الاتحاد الأوروبي، بما لا يقل عن 15 مليار متر مكعب عام 2022 مع توقع زيادات في المستقبل.

وستعمل المفوضية على توحيد الطلب، من خلال منصات طاقة جديدة لإمدادات إضافية بين أبريل وأكتوبر، بحسب البيان المشترك، الهادف لتقليل اعتماد أوروبا على الطاقة من روسيا.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لبايدن، إنه بحلول عام 2030، ستضمن أوروبا أيضًا طلبًا مستقرًا على غاز مسال إضافي بما لا يقل عن 50 مليار متر مكعب سنويًا من الولايات المتحدة، لتحل محل ثلث الغاز الروسي، الذي يتدفق حاليًا إلى الاتحاد الأوروبي.