هل تغير حرب أوكرانيا كل شيء في العالم؟

مهما كانت النتائج النهائية في كييف، فقد أظهرت روسيا أنها أقل بكثير من أن تكون قوة عظمى

هل تغير حرب أوكرانيا كل شيء في العالم؟

 ترجمات-السياق

قالت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية: رغم أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والاستجابة الأمريكية لها، وتداعياتها كان لها تأثير كبير في مجريات أمور العالم في مرحلة ما، وإن نهاية الحرب الباردة كانت، من الناحية الجيواستراتيجية، أكثر أهمية بكثير، فقد تبين -بمرور الوقت- أنها أيضاً ذات تأثير سريع الزوال.

وقالت المجلة، في تحليل بموقعها، إن الغزو الروسي لأوكرانيا أعاد فتح القضايا، التي كان من المفترض حلها نهاية الحرب الباردة، مضيفة: "نحن الآن نواجه أسئلة مروعة سنستغرق سنوات للإجابة عنها، فأي روسيا سنواجهها بعد غزو أوكرانيا؟ وكيف سيكون امتدادها في أوروبا؟ وهل تتحرك أوروبا نحو وحدة أكبر، بما في ذلك مجال الدفاع، بسبب أزمة كييف؟ وكيف تستجيب الصين وما دورها في هذه البيئة الدولية المتغيرة؟".

أزمات داخلية

قالت المجلة الأمريكية، إن حدود روسيا انحسرت وتوسعت على مر القرون، لكنها عادة ما كانت تواجهه صعوبة في تعبئة قواتها بشكل فعال، إذ كانت الأفضل في الحرب الدفاعية، حيث هزمت ملك السويد تشارلز الثاني عشر ونابليون بونابرت وأدولف هتلر بمساعدة الجنرال وينتر، لكنها مع ذلك فشلت في أوقات أخرى، وكثيرًا ما أدت إخفاقاتها لإطلاق العنان لأزمات داخلية.

إذ أدت حرب شبه جزيرة القرم إلى نهاية نظام القنانة (شكل من أشكال العبودية)، كما تسببت الحرب العالمية الأولى في انهيار النظام القيصري، إذ كانت روسيا في الحالتين غير مستعدة، ولديها جيش فاسد في بعض الأحيان، وقيادة سياسية استبدادية وغير كفؤة، إذ اتضح أنها أضعف بكثير مما تبدو عليه، ونتيجة للحرب، تغيرت حدودها الإقليمية، فعلى سبيل المثال، بعد الحرب العالمية الأولى، أعيد إنشاء بولندا إلى حد كبير خارج الأراضي الروسية، وبعد نهاية الشيوعية، أصبحت الجمهوريات السوفيتية مستقلة.

نفوذ روسيا

منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، خاصة العقد الماضي، أعادت روسيا تأكيد نفوذها في الجمهوريات السوفيتية القديمة، وكانت بعض هذه الدول بالكاد قادرة على البقاء، وبعضها كانت ديكتاتورية غير شعبية، وكان بعضها على خلاف مع جيرانها، كما واجه البعض معارضة من الأقليات العرقية، وتدخلت روسيا لإنقاذ ألكسندر لوكاشينكو في بيلاروسيا من شعبه، وفعل الشيء نفسه بالنسبة للنظام الكازاخستاني، وحمى الأوسيتيين والأبخازيين لتقويض جورجيا، التي انحرفت كثيرًا تجاه الولايات المتحدة، وأدرجت قواتها كـ"حافظة للسلام" بين أرمينيا وأذربيجان.

في الوقت نفسه، تدخلت روسيا في أجزاء أخرى من العالم، مثل ليبيا، وإفريقيا، وسوريا، وعانت القليل من التراجع، ولعل الأهم من ذلك أنها استولت على شبه جزيرة القرم وأجزاء من دونباس عام 2014 بتكلفة قليلة وصفعة على معصم الغرب، حسب المجلة.

قوة عظمى

رأت المجلة أنه مهما كانت النتائج النهائية في أوكرانيا، فإن روسيا قد أظهرت أنها أقل بكثير من أن تكون قوة عظمى، إذ إن سيطرة بوتين على الدولة لا تبرر فشله، وغياب التفكير الاستراتيجي الكبير، والجاهزية العسكرية الضعيفة.

وقالت: "الطريقة التي أظهرت بها أوكرانيا أنها أكثر تطورًا بكثير من روسيا، في استراتيجيتها وتكتيكاتها وأسلحتها، تبدو مذهلة، فالقصف الشامل للمدن والمدنيين لن يقنع أحدًا ببراعة موسكو، كما أن استخدام الأسلحة الكيماوية أو النووية لن يحسن سُمعتها".

ووفقاً للمجلة، فإنه كان بوسع روسيا، قبل بضعة أسابيع، في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في الصين، أن تدعي بشكل منطقي أنها قوة عظمى متكافئة في علاقتها بالصين، لكن الآن يبدو الأمر أشبه بتمتع بكين بالزعامة، حيث تعرض الاقتصاد الروسي والنظام المالي للبلاد للدمار، وواجهت موسكو احتقارًا وازدراءً دوليًا، وحتى لو انتصرت في أوكرانيا، فإنها خسرت في جميع النواحي، لكنها لن تختفي، ولن تتوقف عن تمثل إشكالية، كما أنه بالنظر إلى التجارب السابقة، لا يوجد ما يجعلنا نثق  بأنها ستتحول إلى نموذج أفضل.

وأضافت: "ما تغير أن أوروبا استيقظت من حلمها بعالم سلمي قائم على سيادة القانون، وعادت إلى عالم من الدم والحديد، العالم الذي لا يزال فيه "الناتو" والولايات المتحدة ضروريين، وهناك شيء آخر هو تأثير الأزمة الأوكرانية في سياسة الطاقة، إذ إنها قد تحفز أوروبا في سعيها للحصول على مصادر الطاقة المتجددة، فصحيح أن الاتحاد الأوروبي أدرك -لبعض الوقت- ضرورات الانتقال إلى أشكال جديدة من الطاقة، لكن الغاز والنفط الروسي كانا مناسبين للغاية وفعالين من حيث التكلفة، إلا أنه من غير المعقول أن تظل القارة معتمدة على الطاقة الروسية، ويتعين عليها البحث عن مصادر أخرى للوقود الأحفوري لتحل محل الطاقة الروسية، لكن من شبه المؤكد أنها ستشرع في برنامج مكثف لحل حاجتها إلى طاقة يمكن الاعتماد عليها ورغبتها في التخفيف من تغير المناخ".

تحدي الصين

قالت المجلة إن الأزمة الأوكرانية تمثل تحديًا هائلًا للصين أيضًا، مضيفة أنه مما لا شك فيه أنها ستدرك بعض المكاسب السياسية على المدى القريب، من التحول في اهتمام الولايات المتحدة والعالم.

وتابعت: "إذا ظلت الصين تركز على تنافسها مع الولايات المتحدة، فقد تدعم روسيا، لكن هناك مزاعم بأن بكين تفكر بشكل طويل المدى، وفي حال فشل روسيا في أوكرانيا وأصبحت منبوذة على الصعيد العالمي، وأرادت الصين إنقاذ بوتين من نفسه وتقديم نفسها كقوة عالمية، فإنها ستكون بحاجة إلى المساعدة في التوسط للتوصل إلى تسوية في كييف، إذ إنه خلال العمل من أجل مصالحها الخاصة، يمكن للصين تسهيل حل الأزمة الأوكرانية، وهو ما قد يشجع بكين وواشنطن على التفكير في إعادة ضبط الوضع، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى معجزة واحدة على الأقل في عصرنا".