قبول السيطرة الروسية... هل تلجأ أوكرانيا إلى التنازلات المؤلمة؟

رغم أن الأوكرانيين ينظرون إلى هذه التنازلات على أنها حتمية، فإنهم يشعرون بخيبة أمل لفشل الغرب في تقديم الدعم المادي لهم

قبول السيطرة الروسية... هل تلجأ أوكرانيا إلى التنازلات المؤلمة؟
المفاوضات الروسية الأوكرانية

ترجمات - السياق

قبل أيام عُقدت جولة جديدة من المفاوضات الروسية الأوكرانية، في مدينة اسطنبول التركية، وصفها الكرملين بأنها "إيجابية"، وفيها بدا أن الطرفين على وشك التفاهم بشأن وقف الحرب الدائرة منذ نحو 40 يومًا، إلا أن مجلة فورين بوليسي الأمريكية، رأت أن هذه المفاوضات قد تفضي -في النهاية- إلى تقديم أوكرانيا تنازلات وصفتها بـ"المؤلمة".

وقالت المجلة إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خطا في الأيام الأخيرة نحو السلام، بإعلان انفتاحه على تقديم تنازلات عدة للمطالب الروسية، بينها الالتزام بالحياد الأوكراني في ما يتعلق بالتحالفات العسكرية، ورفض أي ترسانة نووية، وقبول السيطرة الروسية على المناطق الشرقية للبلاد، حتى إنه أشار إلى استعداد لتغيير السياسات اللغوية التي أضرت بالناطقين باللغة الروسية، مشيرة إلى أن هذه التصريحات منحت المحادثات المباشرة -التي عُقدت مؤخرًا في اسطنبول- بعض الأمل في وقف إطلاق النار.

لا قواعد أجنبية

كانت أوكرانيا اقترحت تبني وضع محايد، مقابل ضمانات دولية لحمايتها من التعرض لهجوم، ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن مفاوضين أوكرانيين، أنهم اقترحوا وضعًا لا تنضم بموجبه بلادهم إلى تحالفات أو تستضيف قواعد لقوات أجنبية، لكن أمنها سيكون مضمونًا بعبارات مشابهة لما ورد في المادة 5، وهي بند الدفاع الجماعي في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

في المقابل، قال ألكسندر فومين، نائب وزير الدفاع الروسي إن موسكو قررت تقليص الأعمال القتالية قرب كييف وتشيرنيهيف لتهيئة الظروف للحوار، بينما وصف رئيس الوفد الروسي المفاوض فلاديمير ميدينسكي المفاوضات الروسية الأوكرانية في اسطنبول بالبنّاءة.

تنازلات حتمية

وقالت "فورين بوليسي": رغم أن الأوكرانيين ينظرون إلى هذه التنازلات على أنها حتمية، فإنهم يشعرون بخيبة أمل لفشل الغرب في تقديم الدعم المادي لهم، رغم الدعوات المتكررة من زيلينسكي، وعدم فرض الغرب منطقة حظر طيران أو إرسال قوات برية.
وأشارت المجلة إلى أنه رغم إعلان الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة المتحدة، معاقبة روسيا اقتصاديًا، وأنهم قد يقطعون حتى واردات الطاقة الروسية تمامًا بمرور الوقت، فإنهم لم يعرضوا أي مساعدات عسكرية سوى بعض المعدات الدفاعية.

تخلي عن الطموحات

ونقلت المجلة الأمريكية عن زاكاري بايكين، الباحث في مركز أبحاث السياسة الأوروبية CEPS ، قوله: الغرب رعى في الماضي طموحات أوكرانيا للانضمام إلى "الناتو" من دون أي نية لإثارة غضب روسيا، إلا أن رد الفعل الروسي لم يكن متوقعًا، إذ إنه وصل لحرب مفتوحة غير معلومة النهاية.

وحسب "فورين بوليسي" فإنه في خضم هذه الحرب التي هددت وجود أوكرانيا بصفتها دولة، يبدو أن زيلينسكي والأوكرانيين أدركوا أنه يتعين عليهم التخلي عن طموحهم في الانضمام إلى تحالف الدفاع الغربي، وربما محو هذا الطموح من دستورهم.

وأشارت إلى أن الروس من جهتهم بدأوا -بعد مفاوضات اسطنبول الأخيرة- يعتقدون أن نظراءهم الأوكرانيين لم يعودوا مهتمين بأن يكونوا جزءًا من "الناتو"، ومن ثم فقد وصفوا هذه المحادثات بأنها "ذات مغزى"، وقالوا إن روسيا "ستقلص نشاطها العسكري في أوكرانيا"، وإنهم تشجعوا لعقد لقاء بين زيلينسكي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في وقت أقرب مما كان متوقعًا في البداية.

لماذا الإصرار على الضمانات الأمنية؟

وحسب المجلة الأمريكية، رغم ظهور أوكرانيا خلال مفاوضات اسطنبول بشكل الساعي إلى السلام، فإن زيلينسكي يصر على أن تعهد أوكرانيا بالبقاء محايدة وغير نووية، يعتمد على الضمانات الأمنية من دول الناتو (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا)، مشيرة إلى أن هذا الإصرار على الضمانات الأمنية، ينبع من خبرة طويلة في "أكاذيب روسيا وخداعها".

وعود الغرب مستبعدة..!

تعود المجلة وتستشهد بمذكرة بودابست 1994، التي وافقت أوكرانيا بموجبها على التخلي عن ترسانتها النووية، التي تعود إلى الحقبة السوفيتية مقابل إنهاء تدخل روسيا في شؤونها الداخلية، ووعد بأن أوكرانيا ستحافظ على السيادة والسلامة الإقليمية، ورغم هذه التأكيدات، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 وشنت غزوًا شاملاً لأوكرانيا في فبراير الماضي.
وتعليقًا على ذلك، قال بايكين: أوكرانيا تبحث عن التزام جماعي بالدفاع عن وحدة أراضيها حال انتهاك حيادها، مضيفًا: "من الناحية النظرية، يجب أن يمثل ذلك خيارًا قابلاً للتطبيق لاحترام حقوق الدول في أن تكون محايدة"، مشيرًا إلى أنه من غير المحتمل أن يقدم الغرب أي وعود ترقى إلى التورط المباشر في أي صراع مستقبلي.

مصير المناطق الشرقية

ورأت "فورين بوليسي" أن القضية الرئيسة بين البلدين، وضع المناطق الشرقية، لكن في محادثة مع الصحفيين الروس قبل محادثات اسطنبول، ألمح زيلينسكي إلى حل وسط، قائلًا: "أتفهم أن من المستحيل إجبار روسيا على الخروج من الأراضي الأوكرانية"، مضيفًا أن "من شأن ذلك أن يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة"، وعلقت المجلة الأمريكية، بأن أوكرانيا تدرك عدم شعبية التنازل عن أي إقليم، وقررت عدم كشف تفاصيل ما قد تبدو عليه التسوية المحتملة.

ووصفت المجلة الأمريكية، قضية المناطق الشرقية، بأنها من أصعب القضايا، مشيرة إلى أن التوصل إلى تفاهم ضمني بشأنها، يتطلب براعة دبلوماسية بين أوكرانيا وروسيا.

ونقلت "فورين بوليسي" عن نيك رينولدز زميل أبحاث الحرب البرية في المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة قوله: تصريح زيلينسكي قد يُعد اعترافًا بواقع أنه "حتى إذا أحبطت الأهداف الأوسع نطاقًا لروسيا، ستظل قادرة على التمسك ببعض الأراضي الأوكرانية في المستقبل، وأنه لا يريد أن تمنع هذه الحقيقة حدوث المفاوضات".


"إزالة النازية"

وبينّت المجلة، أن القيادة الأوكرانية تجرأت -خلال مفاوضات اسطنبول- على اتخاذ وجهة نظر واقعية، واقترحت خطة لتسوية قضية شبه جزيرة القرم على مدى الـ15 عاما المقبلة، وذلك يعني أنها لن تحاول أخذها بالقوة، واقترحت مناقشة مستقبل دونيتسك ولوغانسك عندما يلتقي الرئيسان.

وأضافت، أنها من جانبها، لم تكرر روسيا المطالب الغريبة والغامضة المتمثلة في "إزالة النازية" (التي فُسرت على نطاق واسع بأنها مطالبة بإسقاط حكومة زيلينسكي) ونزع السلاح من أوكرانيا التي قدمها بوتين.


هل يريد بوتين السلام؟

تساءلت "فورين بولسي" اعتمادًا على عرض أوكرانيا حل عظم مخاوف روسيا على أمل أن تنهي الحرب: هل الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، على استعداد للالتزام بضمانات أمنية موثوقة يعتمد عليها مستقبل المفاوضات؟وهل الرئيس الروسي يريد السلام الدائم؟