آثار كارثية لسياسة تغيير الأنظمة... هل تكررها أمريكا مع روسيا؟

في الوقت الذي ما زالت بعض التجارب السلبية لتغيير الأنظمة شاهدة على فشل الاستراتيجية الأمريكية، في التعامل مع التحديات ببعض البلدان كالعراق وأفغانستان وليبيا، أثار الرئيس جو بايدن ضجة، عندما أفاد -خلال خطاب في وارسو- بأن نظيره الروسي فلاديمير بوتين لا يمكنه البقاء في السلطة.

آثار كارثية لسياسة تغيير الأنظمة... هل تكررها أمريكا مع روسيا؟

السياق

خطاب عاطفي للرئيس الأمريكي جو بايدن، عن بقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين في السلطة، أثار العديد من التداعيات والتساؤلات في كثير من البلدان، بشأن سياسة الولايات المتحدة في تعاملها مع الأزمة الأوكرانية.

ففي الوقت الذي ما زالت بعض التجارب السلبية لـ«تغيير الأنظمة» شاهدة على فشل الاستراتيجية الأمريكية، في التعامل مع التحديات ببعض البلدان كالعراق وأفغانستان وليبيا، أثار الرئيس جو بايدن ضجة، عندما أفاد -خلال خطاب في وارسو- بأن نظيره الروسي فلاديمير بوتين «لا يمكنه البقاء في السلطة».

ورغم أن البيت الأبيض سارع للتقليل من أهمية العبارة التي لم تكن ضمن التصريحات المكتوبة، مشددًا على أن الرئيس لم يكن يتحدّث عن تغيير النظام في موسكو، إلا أن بايدن رفض التراجع عن تصريحه، رغم إشارته إلى أنه كان يعبّر عن «غضب يشعر به من الناحية الأخلاقية لا سياسة لإطاحة بوتين».

إلا أن حتى التلميح إلى تكتيك من هذا النوع، يعد ضمن المحظورات في واشنطن، بحسب «فرانس برس»، التي قالت إن الولايات المتحدة تشدد على أنها لا تسعى إلى «تغيير النظام» في روسيا، في توضيح يكشف أن الاستراتيجية التي كانت رائجة في أوساط المحافظين الجدد، تحوّلت إلى قضية مثيرة للجدل، بعد التجارب السلبية الأخيرة.

من جانبها، قالت الأستاذة في جامعة كورنيل ساره كريبس، في تصريحات لـ«فرانس برس»: «إن تغيير النظام قد يبدو مغريًا، إذ إنه يزيح شخصًا مرتبطًا بسياسات لا تروقنا... لكن ذلك يؤدي إلى عدم استقرار».

 

سياسة فاشلة

وحوّل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، رفض تغيير النظام إلى مبدأ أساسي في نهجه الدبلوماسي، متعهّدا منذ مارس 2021 بعدم "الترويج للديمقراطية عبر تدخّلات عسكرية مكلفة، أو من خلال محاولة إطاحة أنظمة استبدادية بالقوة".

وبينما اعترف رئيس الدبلوماسية الأمريكية، بفشل الاستراتيجية السابقة، قائلًا: «جرّبنا هذه التكتيكات، ورغم أنها كانت بحُسن نية، فإنها لم تنجح».

يذكر أن تاريخ سياسة الولايات المتحدة الخارجية مليء بمحاولات من هذا النوع -سواء سرية أم علنية، ناجحة أم لا- لحل أزمة عبر استبدال قادة بلد خصم.

حيث كانت المحاولة أول مرة في أمريكا اللاتينية، عندما لعبت وكالة الاستخبارات المركزية، تحديدًا خلال الحرب الباردة، دورًا في انقلابات عسكرية تهدف لإطاحة رؤساء يساريين.

 

الستار الحديدي

استراتيجية تغيير النظام لم تختفِ مع «الستار الحديدي»، إذ بدأت الولايات المتحدة -التي باتت القوة العظمى الوحيدة على مستوى العالم والواثقة بأنها لا تمس- فرض سلطتها بشكل أكثر علانية مع دخول القرن الحادي والعشرين.

وعام 1998، وقَّع الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون -آنذاك- نصًا للكونغرس ليصبح قانونًا، جاء فيه أنه «على سياسة الولايات المتحدة أن تدعم جهود إزاحة النظام الذي يرأسه صدّام حسين من السلطة في العراق».

وعندما وصل الجمهوري جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض عام 2001، أحاط نفسه بشخصيات من المحافظين الجدد وُصفوا بصقور الحرب، رأوا أن عودة التدخلات الأمريكية الطريقة المثلى للترويج للنموذج الديمقراطي، بحسب «فرانس برس».

وقالت الوكالة الفرنسية، إن اعتداءات 11 سبتمبر سرعان ما أعادت التحوّل، مشيرة إلى أن «الحرب على الإرهاب» أدت إلى سقوط نظام طالبان في أفغانستان.

بعد فترة قصيرة، جسدت واشنطن أقوالها بشأن صدام حسين إلى أفعال في حرب العراق عام 2003، عبر إطاحته بعدما اتهمته خطأ بإخفاء أسلحة دمار شامل.

 

آثار كارثية

ومن العراق وأفغانستان إلى ليبيا، كانت لتلك السياسة آثار كارثية، فالهدف الرسمي لتدخل واشنطن وحلفائها الأوروبيين عام 2011 كان حماية المتمرّدين الذين حملوا السلاح ضد معمر القذافي خلال ما عرف بـ«أحداث الربيع العربي»، إلا أنه جرى تمديد المهمة في الواقع إلى أن قُتل الرئيس الليبي.

وبينما تراءى لواشنطن أن هدف إسقاط الأنظمة في أفغانستان والعراق وليبيا تحقق سريعًا، إلا أنها كانت على موعد مع فشل جديد، يتمثل في تداعيات تدخلاتها التي وصفت بـ«الكارثية».

فبعد إطاحة تلك الأنظمة، كان الفشل مصير جهود «بناء الدولة» أو بناء دولة مستقرّة متحالفة مع الغرب، وهو ما بدا واضحًا في العراق، بعدما استغل تنظيم داعش الإرهابي عدم الاستقرار منتصف العقد الماضي.

وفي أفغانستان، أنهت الولايات المتحدة الأمريكية عشرين عامًا من سياستها ووجودها العسكري في البلد الآسيوي، الذي أطاحت حكامه، بطريقة فوضوية، عندما انسحبت الصيف الماضي، لتعود طالبان إلى السلطة.

ليبيا لم تكن أحسن حالًا، فبعد قرابة 11 عامًا من التدخل الأمريكي والأوروبي، ما زال البلد الإفريقي عاجزًا عن تخليص نفسه من الفوضى، وسيطرة المليشيات المسلحة على المنطقة الغربية.

 

سياسة أقل تدخلًا

سياسات أمريكا التي أثبتت فشلها، دفعت المسؤولين الأمريكيين الذين اتفقوا بالإجماع مع الرأي العام الذي سئم «حروبًا لا تنتهي» للترويج لسياسة خارجية أقل تدخّلًا.

لكن في غياب الخيار العسكري، لا تملك الولايات المتحدة الوسائل اللازمة لتحقيق طموحاتها، بحسب «فرانس برس»، التي قالت إنه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، سعت واشنطن لإطاحة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عبر عقوبات دولية، إلا أن المخطط أخفق نهاية المطاف.

ومنذ بدأت الحرب في أوكرانيا، رسم بايدن خطًا أحمر بعدم الدخول قط في مواجهة مباشرة مع روسيا، لتجنّب «حرب عالمية ثالثة».

من جانبها، قالت الأستاذة في جامعة كورنيل ساره كريبس، إن «صانعي السياسات الأكثر تشددًا، تعلموا على ما يبدو من نتائج السياسة الخارجية التي اتُّبعت في العقود الأخيرة»، مشيرة إلى أن «عدم الاستقرار في ليبيا والعراق وأفغانستان كان سيئًا بما فيه الكفاية، ووفر حالة عدم استقرار في بلد يملك آلاف الأسلحة النووية سيكون كارثيًا».