فايننشال تايمز: قادة الشرق الأوسط تعلَّموا عدم الاعتماد على أمريكا
رأى التقرير أنه يتعين على بايدن، إيجاد طريقة لمنع الكارثة الأفغانية، من زيادة تعزيز قوة إيران في المنطقة، فقد ساعدت السياسة الأمريكية، طهران في بناء محور شيعي عبر الأراضي العربية، منذ أن أتى غزو العراق بالأغلبية الدينية إلى السُّلطة هناك

ترجمات – السياق
منذ أن غادرت آخر رحلة أمريكية مطار كابل، وسط ضجيج نيران طالبان الاحتفالي، بدا أن هذه الكارثة الأمريكية والغربية في أفغانستان، تدق ناقوس الخطر في أماكن أخرى من العالم، من شرقي أوكرانيا إلى مضيق تايوان، إذ أدى الاستيلاء السريع لطالبان على البلاد، بعد حرب استمرت 20 عامًا، إلى إثارة اللامبالاة وسط وجنوب آسيا.
لكن في الشرق الأوسط -ساحة الغزوات الأنجلو أمريكية المتسلسلة- كان رد فِعل القادة على استسلام الولايات المتحدة متحفظاً، بينما بدا للحلفاء والخصوم، أنهم لا يمكنهم الاعتماد على الولايات المتحدة، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
الكل يشاهدون
وذكرت الصحيفة البريطانية، أنه لا أحد أعمى عن القوة العسكرية التي تمتلكها الولايات المتحدة، لكن قبل وقت طويل من قبول واشنطن بالهزيمة في أفغانستان، أظهر الغزو والاحتلال بقيادة الولايات المتحدة للعراق عام 2003 حدود قوة أمريكا، وعدم قدرتها على تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة.
ورغم إنفاق واشنطن، تريليونات الدولارات في العراق وأفغانستان، لتدريب وتجهيز قواتهما المسلحة، فإن الجيش العراقي -الذي يحاصره الفساد والطائفية- ذاب تمامًا قبل هجوم تنظيم داعش عام 2014، مثل الجيش الأفغاني، الذي تركته الولايات المتحدة ليدافع عن نفسه ضد طالبان، وفقًا للتقرير.
لكن عدم الثقة مجددًا في الولايات المتحدة، دفع القادة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إلى بدء حوار يهدف إلى انفراجة في الأزمات المحيطة بهم، بدلاً من الاعتماد على الخارج، وذلك بعد سلسلة من الانتقادات في جميع أنحاء العالم، طالت الرئيس الأمريكي جو بايدن، بشأن تسريع قرار الانسحاب من أفغانستان، وما نتج عن ذلك من اضطرابات.
ومن ثم بدا كأن المسؤولين في الشرق الأوسط، يلاحظون أن مثل هذا النمط من القرارات "السيئة" يتجدَّد من رئيس إلى آخر في الولايات المتحدة.
وسلَّط التقرير، الضوء على بعض القرارات الأمريكية المتخبِّطة دوليًا بين رئيس وآخر، وذكر أن جورج دبليو بوش، اختار البقاء في أفغانستان، بينما حوَّل انتباه الولايات المتحدة ومواردها إلى الفشل الذريع في العراق، ما أدى إلى إحياء الصراع القديم بين السُّنة والشيعة، بينما فشل باراك أوباما عام 2013 في فرض "خطه الأحمر" على النظام السوري، باستخدام غاز الأعصاب ضد المتمردين، الذين شجَّعتهم واشنطن من الخطوط الجانبية.
وأضاف التقرير: "أما دونالد ترامب، فقد كان يتجه بالفعل نحو الخروج من سوريا والعراق بشكل فوضوي، عندما أبرم في فبراير من العام الماضي، اتفاق الانسحاب مع طالبان، ما أدى إلى تقويض الحكومة الأفغانية، التي لم يكلف نفسه عناء التشاور معها".
منع الكارثة
ورأى التقرير أنه يتعين على بايدن، إيجاد طريقة لمنع الكارثة الأفغانية، من زيادة تعزيز قوة إيران في المنطقة، فقد ساعدت السياسة الأمريكية، طهران في بناء محور شيعي عبر الأراضي العربية، منذ أن أتى غزو العراق بالأغلبية الدينية إلى السُّلطة هناك.
وحسب التقرير، يتمثَّل أحد أهداف بايدن، في إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي انسحب منه ترامب عام 2018، كما تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها أيضًا، كبح عدوان إيران والقوات شِبه العسكرية الشيعية، المدعومة من طهران، في بلاد الشام والخليج، في إشارة إلى حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن.
وأدت الاجتماعات غير المباشرة في فيينا، إلى اقتراب واشنطن وطهران من التوصل إلى اتفاق نووي، قبل انتخاب الرئيس الإيراني المتشدِّد إبراهيم رئيسي، وتصور بايدن أن إيران ستدعم الاتفاق النووي، الذي يرفع العقوبات التي أعاد ترامب فرضها، لكن المفاوضات لم تصل لأي جديد، منذ وصول رئيسي إلى السُّلطة في إيران.
وتقول الولايات المتحدة: إن رفع العقوبات على الطاولة في فيينا، لكن بايدن قد يحتاج إلى الذهاب أبعد من ذلك، فقد انسحبت الولايات المتحدة من اتفاق 2015 من جانب واحد، لكن إيران لم تبدأ انتهاك حدودها النووية إلا بعد عام، ومن ثم يمكن أن يبدأ بايدن رفع العقوبات من جانب واحد، وتحديد موعد نهائي لإيران، للعودة إلى الامتثال بشكل يمكن التحقُّق منه.
وقد تكون إيران أيضًا على استعداد، للتعاون مع الولايات المتحدة بشأن أفغانستان (كما فعلت بعد هجمات 11 سبتمبر) للحماية من إعادة احتضان داعش، إذ تحالفت الولايات المتحدة وإيران ضد الجماعة، بعد أن اجتاحت العراق من سوريا عام 2014.
وذكر التقرير، أن إيران تحتاج إلى إغاثة اقتصادية، بينما يريد القادة العرب التركيز على التنمية والتنويع بعيدًا عن النفط، لسد احتياجات السكان الذين أغلبهم من الشباب، بينما قرَّرت الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان، لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع طالبان، بما يتوافق مع مصالحها.
وأضاف: "في منطقة تعلَّمت درسًا آخر، بعدم الموثوقية في الولايات المتحدة، سيكون من المفيد أن تستكشف واشنطن، قوة المصلحة الذاتية للآخرين".