فورين بوليسي: دبلوماسية واشنطن الخرقاء لن توقف مشروع إيران النووي
الاتفاق النووي الجديد سيعزز قوة الحرس الثوري الإيراني من دون عرقلة طموحات النظام

ترجمات – السياق
وصفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 -الذي تحاول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إعادة العمل به عبر مفاوضات فيينا- بـ"الميت"، مشيرة إلى أن ما سمتها "الدبلوماسية الخرقاء" للولايات المتحدة لن توقف طهران عن استكمال مشروعها الوطني للحصول على الطاقة النووية.
كانت إيران وافقت عام 2015 على صفقة طويلة الأمد بشأن برنامجها النووي مع مجموعة القوى العالمية الخمس، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا، إذ جاء ذلك بعد سنوات من التوتر بشأن جهود إيران المزعومة لإنتاج سلاح نووي.
وبموجب الاتفاق، وافقت إيران على الحد من أنشطتها النووية الحساسة، والسماح بعمل المفتشين الدوليين، مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، إلا أن ذلك توقف تمامًا بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق عام 2018.
ورأت المجلة الأمريكية، أن ما حققته إيران -منذ قرار ترامب- ليس قليلًا، إذ أكملت عملياتها النووية، وطورت طرقًا جديدة للدفاع عن مواقعها النووية.
مشروع وطني
الأهم من ذلك أن إيران لا تستطيع ولن تتخلى عن مشروع وطني استثمرت فيه على مدى عقود، ودفعت ثمنه بالمال والدم، وفقًا لـ "فورين بوليسي".
وأشارت إلى أنها بالنسبة لها "مسألة احترام الذات، وفن الحكم، والأيديولوجيا"، مشددة على أنه حتى مع النية الحسنة والالتزامات الأكثر صرامة، لا يمكن إحياء الاتفاق النووي القديم بشكل مستدام، سواء وقعت اتفاقية جديدة في فيينا أم لا.
وأوضحت أن التوصل إلى ترتيبات بشأن الجوانب الفنية النووية أمر مهم، لكنه سيكون غير مكتمل، إن لم يكن راسخًا في إطار سياسي وثيق الصلة.
وشددت المجلة الأمريكية، على أن الصراع النووي ليس تقنيًا، وإنما سياسي بحت، مشيرة إلى أن المناخ السياسي تغير بعد رحيل ترامب عن السلطة، خصوصًا عندما لم تشعر إيران بأن العقوبات رُفعت، وأصبحت الولايات المتحدة مُحبطة من سلوك إيران الإقليمي وبرنامجها الصاروخي.
ورأت أنه في الوقت الحالي، ليس لدى الولايات المتحدة سياسة شاملة ومتماسكة تجاه إيران، موضحة أنها تسير بشكل تدريجي من دون أساس سياسي، مرجحة أن تكون إعادة إيران إلى مسودة الاتفاق على أرض الواقع غير قابلة للتحقق حاليًا.
وأشارت إلى أنه جرى التوصل إلى اتفاق 2015 لأنه كان جزءًا من اعتبارات سياسية أوسع، وإن كانت غامضة، أما اليوم فالسياق السياسي مختلف، والمفاوضات مستمرة كما لو كانت عام 2015، عندما كان الطرفان أكثر استعدادًا للثقة في بعضهما، وكان توقع التعاون بشأن القضايا الأوسع أكثر وضوحًا، إلا أنه بعد سبع سنوات "مضطربة"، تبددت تلك الآمال المبكرة بشكل يتعذر إصلاحه.
فوز الحرس الثوري
واعتبرت "فورين بوليسي" أن التوصل لاتفاق نووي جديد -وهو احتمال مرجح- سيكون انتصارًا كبيرًا للحرس الثوري، على غرار طالبان في أفغانستان المجاورة، مشيرة إلى أنه كثيرًا ما اعتقد الأمريكيون أن الصراع على السلطة في إيران كان بين المتطرفين والمعتدلين، أو بين الأصوليين والإصلاحيين، بينما الصراع الحقيقي -الذي غالبًا ما يكون غير مسموع- كان بين الحرس الثوري الإيراني والدولة الرسمية وجيشها.
وأشارت المجلة إلى أن الجيش الإيراني يدافع عن الدولة، بينما الحرس الثوري يدافع عن الثورة، ومن ثمّ فإن التوتر بينهما واضح.
وذكرت أن الحرس الثوري الإيراني شُكل لمواجهة نفوذ وسلطة الجيش النظامي، ولحماية النظام من التطفل والانقلابات، مشيرة إلى أنه غالبًا ما لا ترى القوات المسلحة النظامية وذراعها الاستخباري، الأمور بالطريقة نفسها التي تنظر بها وكالة الاستخبارات الإيرانية.
ورأت أن اتفاق 2015 كان بين القوى العالمية والدولة الإيرانية ممثلة في الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، بينما لم يكن الحرس الثوري الإيراني حاضرًا بشكل صحيح في تلك المحادثات، والذي لم تعجبه الصفقة.
وأوضحت المجلة الأمريكية، أن الحرس الثوري تماشى مع الاتفاقية بالطريقة التي كان يراها المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي لم يتخذ موقفًا قويًا مع أو ضد، لكنه سمح للصفقة بالمرور، في انتظار انهيارها، إذ إنه كان في الخفاء -وفي بعض الأحيان بشكل علني- يقف إلى جانب الحرس الثوري.
تحول داخلي
وحسب "فورين بوليسي" فإنه مع مفاوضات فيينا، بدأ ميزان القوى الداخلي الإيراني التحول، وازدادت حدته بسبب الاستياء من العائدات الاقتصادية الضعيفة للصفقة الأصلية، وانسحاب الولايات المتحدة منها، والهجمات الإسرائيلية على المواقع النووية والعلماء، وتوسيع نفوذ الحرس الثوري الإيراني في المنطقة.
مشيرة إلى أنه كثيرًا ما كان الحرس الثوري الإيراني يتطلع إلى الاستيلاء على الملف النووي من الدولة، ومن ثمّ فقد قدمت فيينا هذه الفرصة له، بينما كانت الإدارة الأمريكية شريكًا غير مقصود في هذا الجهد.
وبينّت أنه سُمح لإيران خلال مفاوضات فيينا، مع القليل من المقاومة الأمريكية، بتحديد الشكل والهيكل وجدول الأعمال والتقويم والسرعة ومستوى المشاركين في المحادثات بما يتناسب مع أهدافها، وهو إنجاز لا يُصدق، حسب وصف المجلة.
بينما في المقابل، أمطرت الولايات المتحدة، الإيرانيين بهدايا مرضية، إذ أزالت الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن من قائمة الإرهاب، ورفعت مجموعة من العقوبات التي تستهدف قطاع الطاقة الإيراني، كدليل على نهج واشنطن حسن النية، وسحب القوات القتالية الأمريكية من العراق، والانسحاب بشكل مخزٍ من أفغانستان.
ورأت المجلة الأمريكية، أن الانسحاب من أفغانستان كان لحظة محورية، إذ أثبت لإيران أن الولايات المتحدة ستغادر تحت الضغط، وهي عاجزة -نهاية المطاف- في حرب غير متكافئة، ومن ثمّ أرادت القوى الجديدة في إيران -مثلما فعلت حركة طالبان في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة في قطر- شيئين: الوقت وغطاء دبلوماسي، وبالفعل -مثل طالبان- حصلوا على ما أرادوا.
وأوضحت أن الحرس الثوري الإيراني حصل على وقت ثمين من الولايات المتحدة مقابل حضوره في فيينا -مثلما استغلت طالبان الوقت للاستعداد للاستيلاء على كابل تحت حماية المفاوضات الدبلوماسية التي أنهت الهجمات العسكرية الأمريكية- إذ استغل الحرس الثوري الإيراني الوقت للمضي قدمًا في الملف النووي ومضايقة الوجود الأمريكي في المنطقة، من خلال مهاجمة أهداف أمريكية في العراق وسوريا، تحت غطاء المحادثات التي وفرت الحماية من الضربات العسكرية الأمريكية، وسقفًا للهجمات العسكرية الإسرائيلية.
وذكرت "فورين بوليسي" أنه إذا كانت تقديرات التقدم الإيراني في مشروعهم النووي صحيحة، فقد لا يكون لدى الغرب الوقت أو الدافع لتجميع موارده لمواجهة مثل هذا الاحتمال، مشيرة إلى أنه قد يكون إجراء المزيد من المحادثات محبطًا، وقد تصبح الخيارات الأخرى عفا عليها الزمن، ومن ثمّ فإنه من حيث الجوهر، سينهار الاتفاق النووي، كما أراد له خامنئي والحرس الثوري، ما يتيح لإيران مزيدًا من الوقت والغطاء لمتابعة أهدافها النووية.