إدارة بايدن وإيران... اتفاق أبعد من برنامج طهران النووي
الحراك الأمريكي لإتمام اتفاق مع إيران أبعد من البرنامج النووي وإنما له علاقة برغبة ما سماه -فصيل أوباما- داخل الحزب الديمقراطي في إعادة تموضع الولايات المتحدة مع إيران

السياق
"الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى بات وشيكـًا"، هكذا صرح جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وقال إن التوصل إلى آلية لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 قريب جدًا وآمل أن يكون ذلك ممكنًا، لكن هناك بعض المسائل العالقة.
وأضاف بوريل: "لا أستطيع القول متى وكيف، لكنّها مسألة أيام"
اتفق مع المسؤول الأوروبي كمال خرازي، كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي، إذ أكد قرب إتمام الاتفاق، لكنه ألقى بالكرة في ملعب واشنطن، قائلًا: لا يمكن أن يحدث إلا إذا أبدت الولايات المتحدة إرادة سياسية.
في المقابل شككت تصريحات روبرت مالي في إمكانية إنجاز "الاتفاق الجديد" الذي استمرت المباحثات بشأنه نحو عام. قائلًا: "لا أستطيع أن أكون واثقاً بأن الاتفاق وشيك، قبل أشهر كنا نظن أننا اقتربنا جداً، وفي أي مفاوضات، عندما تظل هناك قضايا مفتوحة فترة طويلة، فإن ذلك يوضح صعوبة سد الفجوة".
إلى ذلك أصدرت الخارجية الإيرانية بيانًا -على لسان مسؤولها الأول- قالت فيه إن غياب القرار السياسي الأمريكي، لرفع العقوبات المتعلقة بالفوائد الاقتصادية للشعب الإيراني، العقبة أمام تحقيق نتائج نهائية، وأن الاستفادة من الفوائد الاقتصادية والرفع الفاعل للحظر أولويتنا القصوى.
فجوات متبقية
ودلالة على السعي الغربي الدؤوب لإنجاز اتفاق "خطة العمل الشاملة المشتركة" التقى في طهران دبلوماسي الاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا -الذي ينسق المباحثات لإحياء الاتفاق النووي- وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان وكبير مفاوضيها على باقري، ضمن زيارة يرجى منها حلحلة التباينات بين طهران وواشنطن، أو حسب وصف مورا "ردم الفجوات المتبقية في مباحثات فيينا".
وكالة الأنباء الإيرانية ذكرت أن باقري أكد لمورا «عزم إيران على حسم الاتفاق في فيينا» بعدما عاب على الولايات المتحدة افتقادها الرؤية الواقعية اللازمة لإنجاح الاتفاق.
أهم العقبات العالقة بين طهران وواشنطن "الحرس الثوري الإيراني" وإزالته من لائحة الإرهاب الأمريكية.
هذا المطلب، نادى به كبار المسؤولين الإيرانيين بشرط إنجاح الاتفاق، وجاء مؤخرًا على لسان وزير الخارجية في حكومة إبراهيم رئيسي حسين أمير عبد اللهيان، مطالبًا بضرورة إقدام إدارة بادين على هذه الخطوة، منوهاً:" رفع العقوبات الأمريكية عن الحرس الثوري كان من مطالب إيران الرئيسة في المحادثات".
في السياق ذاته أفادت وكالة رويترز للأنباء بأن الولايات المتحدة تدرس إزالة اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، بعد أن كانت إدارة ترامب أضافته إلى القائمة عام 2019.
حيلة أمريكية
المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، روبرت مالي، قال إن العقوبات على الحرس الثوري ستبقى بصرف النظر عن إسقاطه من قائمة المنظمات الإرهابية، في إشارة إلى قرب احتمال إسقاط الحرس الثوري من "اللائحة الأمريكية".
ويرى توني بدران، الباحث بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن إدارة بايدن لن تتردد في إزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب إرضاءً لإيران، واصفًا نهج الولايات المتحدة في هذا الشأن بـ "الحيلة"، وقال في مقابلة مع "السياق": سيرفعون الحرس الثوري من قائمة المجموعات الإرهابية، مع الإبقاء على عقوبات متعلقة بحقوق الإنسان أو حتى بالإرهاب، مضيفًا: حتى يقولوا نحن لا نخفف الضغط ولا نتخلى عن المبادئ، أو إلى ما هنالك، وإنما هذا مطلب إيراني لأجل إنفاذ الاتفاق.
ووفق توني بدران، فإنها الحيلة ذاتها التي مارستها إدارة بايدن مع الحوثيين، بفرض عقوبات على أفراد داخل الميلشيا، وليس الكيان ككل.
شروط موسكو
الخطوات المتسارعة بين إيران ونظرائها، تأتي بعد وقت من الجمود، تزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ طلبت موسكو تنفيذ عدد من الشروط، منها تعاون تجاري وتكنولوجي غير مقيد مع طهران، كشرط لاستمرار مشاركتها في المفاوضات، بمجرد رفع الولايات المتحدة عقوباتها على إيران.
لكن الرد الرافض لمطالب الكرملين جاء من بروكسل، وفق ما أعلن مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قائلًا: رُفض طلب موسكو وتوقفت المفاوضات بسبب "عوامل خارجية"
هل الرفض جدي؟
في 15 مارس الجاري زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان موسكو وقال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف: "لن تكون هناك على الإطلاق صلة بين التطورات في أوكرانيا ومحادثات فيينا" من ناحيته أكد لافروف أن بلاده لا تريد فرض أي شروط جديدة.
كما أعلن تلقي موسكو ضمانات مكتوبة -واردة في نص الاتفاق- تُمكن الشركات والمتخصصين الروس من المشاركة في المشاريع والأنشطة المنصوص عليها في "خطة العمل الشاملة المشتركة".
نيد برايس لم يذهب بعيدًا عن كلام لافروف، إذ أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن بلاده بالطبع لن تفرض عقوبات على مشاركة روسيا في المشاريع المتعلقة بالمجال النووي، كجزء من الاتفاق الذي يمكن إحياؤه.
تصريحات موسكو وواشنطن -عقب زيارة وزير الخارجية الإيراني- تشير إلى أن روسيا ستسمح بإحياء الاتفاق، بعد محاولات منها لتعطيله.
أهمية روسيا وإيران لبعضهما
من هذا المنطلق يؤكد بدران أن الاتفاق النووي الأول عام 2015 يفرض علاقة أو دورًا لموسكو مع طهران، إذ إنها المسؤولة عن ضمان اليورانيوم الإيراني المخصب، ولها استثمارات ضخمة في المفاعلات النووية هناك، مشيرًا إلى أن شركة "روس أتوم" هي التي عمرت مفاعل "بوشهر" ولديها مشاريع لتطويره بـ 10مليارات دولار.
ويبن بدران أن هذا "الاتفاق" سيفتح الباب للكرملين "أهم تاجر أسلحة لطهران" لكي يبيع لها معدات عسكرية بقيمة عالية جدًا.
وينوه بأن الشركات والمصارف الإيرانية -بعد إتمام الاتفاق الإيراني- ستكون بوابة خلفية لروسيا، لتهرب عبرها من العقوبات الغربية المفروضة عليها.
لماذا يصر بايدن على الاتفاق مع إيران؟
يرى الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن الحراك الأمريكي لإتمام اتفاق مع إيران، أبعد من "البرنامج النووي" وإنما له علاقة برغبة ما سماه "فصيل أوباما" داخل الحزب الديمقراطي في إعادة تموضع الولايات المتحدة مع إيران.
ويشير بدران إلى أن فريق إدارة بايدن هم أنفسهم من كانوا مع الرئيس الأسبق باراك أوباما، وعلى رأسهم المبعوث الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي، إضافة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان.