لماذا نصحت دول غربية مواطنيها بعدم التطوع للقتال في أوكرانيا؟
بينما تحاول الحكومتان الأمريكية والبريطانية تقديم النصح لمواطنيهما، بعدم السفر إلى أوكرانيا والانضمام لفيلق الدفاع الدولي عن أوكرانيا، كما تسمي حكومة كييف المتطوعين، في المقابل، سمحت دول أخرى وحكومات لمواطنيها بالقتال، مثل لاتفيا التي صوَّت برلمانها بالإجماع وسمح للمواطنين بالتطوع بعد فترة قصيرة من الغزو الروسي.

ترجمات – السياق
منذ إطلاق الرئيس الأوكراني فولودمير زيلنسكي، دوعوة للأجانب للقتال ضد الغزو الروسي لبلاده، تواترت معلومات وتقارير صحافية، عن بدء توافد متطوعين أميركيين ومن جنسيات أوروبية مختلفة، للقتال في أوكرانيا ضد القوات الروسية، غير أن صحيفة صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، رأت إن آلاف المقاتلين الذين لبوا نداء زيلينسكي، قد يمثلون عبئاً في الحرب التي دخلت شهرها الثاني.
واستشهدت الصحيفة، بعدد من الأمثلة في التاريخ، لتؤكد وجهة نظرها، ومن ذلك، مقاومة اليونانيين للحكم العثماني عام 1819، إذ كتب الشاعر البريطاني لورد بايرون قصيدة بعنوان "جزر اليونان" تضمنت استعداده للقتال ضد العثمانيين، إلا أنه مات مريضًا أثناء حصار العثمانيين لمدينة ميسولونغي اليونانية.
وأشارت إلى أن القصيدة تضمنت أبيات ملهمة في الحرب، منها: "الجبال تبدو مثل ماراثون، والماراثون يبدو مثل البحر"، و"تأملت مدة ساعة وحلمت بأن اليونان ستظل حرة"، إلا أن لورد بايرون دفع حياته ثمنًا بعد أربعة أعوام من كتابتها.
عقيدة قتالية
وتساءلت "واشنطن بوست" عن إمكانية أن تتحول كلمات بايرون المشحونة كعقيدة قتالية لأكثر من 22.000 متطوع أجنبي من شتى أنحاء العالم، استجابوا لدعوة الحكومة في كييف، وسافروا إلى أوكرانيا لمقاومة الغزو الروسي، مشيرة إلى أن حكومات الغرب باتت أكثر انتقادًا لهذه الجهود كأعمال بطولية أكثر من زمن بايرون، عندما تجاهلت السلطات البريطانية فهم السبب الذي دعا الشاعر إلى مغادرة إنجلترا، وسط سحابة من الفضائح والديون، وقرر حمل السلاح.
وتحاول الحكومتان الأمريكية والبريطانية تقديم النصح لمواطنيهما، بعدم السفر إلى أوكرانيا والانضمام لفيلق الدفاع الدولي عن أوكرانيا، كما تسمي حكومة كييف المتطوعين.
في المقابل، سمحت دول أخرى وحكومات لمواطنيها بالقتال، مثل لاتفيا التي صوَّت برلمانها بالإجماع وسمح للمواطنين بالتطوع بعد فترة قصيرة من الغزو الروسي، وبحسب وزارة الدفاع اللاتفية تطوع سبعة لاتفيين فقط حتى الآن.
وتعليقًا على ذلك، ذكرت "واشنطن بوست" أن هناك أسبابًا تشكك الحكومات في مشاركة مواطنيها بالنزاعات التي تتعاطف معها، لكنها تتخذ موقفًا محايدًا منها، أولها أن هؤلاء المتطوعين المثاليين يُقتلون في النهاية.
وأشارت إلى أن هذا هو ما حدث للمتطوعين في الكتيبة الدولية أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، إذ كانت الفرقة -وهي فكرة من جوزيف ستالين- بداية لوحدات عسكرية أنشأتها الشيوعية الدولية لمساعدة الجبهة اليسارية الشعبية للجمهورية الثانية، التي كانت تقاتل ضد القوات القومية بقيادة فرنسيسكو فرانكو.
وذكرت الصحيفة أن الروائي الأمريكي إرنيست هيمنغواي خلدها في رواية "لمن تقرع الأجراس"، إذ كانت هذه الكتائب أكبر التشكيلات العسكرية في التاريخ، وتطوع فيها ما بين 32.000 و35.000 رجل وامرأة من 50 دولة، بما فيها متطوعون من الولايات المتحدة.
نقص تدريب ومعدات
وأوضحت "واشنطن بوست" أن السجل القتالي لهؤلاء المقاتلين، كشف كوارث عدة، منها نقص التدريب والمعدات، وقيادة عاجزة، وهو ما أدى إلى قتل نحو 15.000 متطوع، أي نِصف القوة تقريبًا.
وأشارت إلى أن ربع القتلى، أي نحو 3.000 متطوع كانوا ضمن الفرقة الأمريكية "إبراهام لينكولن"، التي عانت أسوأ الخسائر في أبريل 1937 عندما أمرت بمهاجمة مقر للفاشية في مدريد بلا أي غطاء مدفعي.
وزادت الصحيفة الأمريكية، أنه نهاية عام 1938 تم حل قوة المتطوعين، كجزء من جهد غير حكيم لإقناع داعمي فرانكو الألمان والإيطاليين بسحب قواتهم، وحث الدول الغربية الديمقراطية التي ظلت محايدة على رفع الحظر عن تصدير السلاح للجمهوريين.
وذكرت أن ذلك لم يحدث حينها، ففي عام 1939 سقطت عاصمة الجمهوريين "برشلونة"، في يد فرانكو، وبعد ذلك انهارت الجمهورية، مشيرة إلى أن أسطورة الفرقة الدولية بدأت بعد انهيار الجمهورية، وظلت حتى يومنا هذا، وهو ما يفسر قرار وزارة الدفاع الأوكرانية استعارة اسم الفيلق الدولي من تلك التجربة، مشددة على أن هناك تباينًا شديدًا بين شهرة مجموعات المتطوعين وما حققته على أرض الواقع.
وأشارت إلى أن هذا هو الحال مع معظم المتطوعين الأجانب بداية القرن العشرين، واستشهدت بفرقة "إسكارديل لافاييت" التي حملت اسم "ماركيز دي لافاييت" البطل الفرنسي في الثورة الأمريكية، وقاتلت في الحرب العالمية الأولى، حيث حاولت دفع أمريكا للتخلي عن حيادها والانضمام إلى دول الحلفاء، إلا أن هذه المشاركة كانت متواضعة، حتى أن 38 طيارًا أمريكيًا تابعين لهذه الفرقة، قرروا ركوب طائرات نيبورت وسباد لمواجهة الطائرات الألمانية، إلا أنه في النهاية قُتل معظمهم.
وبينّت الصحيفة الأمريكية، أنه رغم فشلها، فإن شهرتها استمرت للآن، لدرجة أن أكثر من 4.000 شخص زعموا عام 1931 أنهم شاركوا في سرب الفرقة المشهورة، كما أن السينما الأمريكية خلدت ذكرى هذه الفرقة في عدد من الأفلام منها "الأولاد الطيارون" عام 2006.
مجموعة النمور
وأوضحت "واشنطن بوست" أنه بالمقارنة فقد جرى تجاهل مشاركة معظم الفرق الفاعلة في الحرب الأهلية الإسبانية، والأمر نفسه كان مع مجموعة من المتطوعين الأمريكيين، تشكلت بموافقة الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين رزوفلت، لمساعدة حكومة الصين ضد اليابان نهاية عام 1941 وبداية 1942 وقبل دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، مشيرة إلى أن هذه المجموعة عرفت باسم "النمور الطائرة"، وكان عدد المتطوعين فيها 100 وتكونت من ثلاثة أسراب بي-40 كيرتيس وورهوك، وقد طليت مقدمتها بتوقيع الفرقة المزيف "وجه القرش".
وأشارت إلى أنه عندما ضربت اليابان ميناء بيرل هاربر الأمريكي، ودخلت أمريكا الحرب كانت فرقة النمر في الصين، ومن ثمّ فقد طلب قائدها كلير تشينولت من الطيارين التحليق والمرور من جانب العدو وضربه بدلًا من الدخول في مواجهة وجهًا لوجه، ولذلك سيطرت على الأجواء فوق الصين وميانمار.
وأوضحت الصحيفة أن الطيارين الذين تم دمجهم في الفرقة الجوية 14 من سلاح الجو الأمريكي، نجحوا في إسقاط 296 مقاتلة للعدو وخسروا 14 طيارًا فقط، بشكل جعلهم أنجح فرقة جوية عسكرية في التاريخ، لكن -حسب "واشنطن بوست"- من يتذكر اليوم "النمر الطائر"؟
وعادت "واشنطن بوست" للتحدث عن لورد بايرون، ووصفته بأن أهم متطوع في تاريخ الحروب، مع أنه لم يشهد أي معارك، فقد وصل الشاعر الإنجليزي البالغ من العمر 35 عامًا إلى ميسولونغي باليونان في يناير 1824 واستقبله المتمردون بحفاوة، وقضى وقته محاولًا التوفيق بين المتمردين المتخاصمين، لكن موته كان بطوليًا.
ففي الليلة التي كان من المفترض دخوله المعركة بعد شهر من وصوله، خرج الشاعر المعروف راكبًا فرسه للهجوم على موقع تركي في ليباتو ثم خرّ مريضًا، ولم يساعده أطباؤه الذين حاولوا استخدام "النزف العلاجي"، وبعد شهرين مات الثوري الطامح، وصدمت وفاته السلطات البريطانية، وكان سببًا في دخول بريطانيا وفرنسا في الحرب ضد الأتراك، ودمرتا الأسطول التركي في نافارينو.