حاسوب هانتر بايدن... وأزمة المساءلة في أمريكا

أظهر استطلاع للرأي أن 66% من الأمريكيين يعتبرون أن الكمبيوتر الخاص بهانتر بايدن قصة مهمة وأن والده الرئيس جو بايدن قد يكون متورطا شخصيا بطريقة ما في تعاملات نجله التجارية.

حاسوب هانتر بايدن... وأزمة المساءلة في أمريكا

ترجمات - السياق

رغم مرور أكثر من عام على الانتخابات الأمريكية التي جرت عام 2020، فإن أصداءها مازالت مستمرة، خصوصًا في الجزء المتعلق بفضائح "هانتر" نجل الرئيس الأمريكي جو بايدن.

فقد سلَّط الكاتب البريطاني جيرارد بيكر، الضوء على فضائح "هانتر بايدن"، في تحليل نشرته "وول ستريت جورنال" الأمريكية، مشيرًا إلى أن اعتراف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأن محتويات الكمبيوتر المحمول الخاص بهانتر -الذي تركه في ورشة إصلاح بولاية ديلاوير- حقيقية، يعني أن المؤسسات الإخبارية وشركات التواصل الاجتماعي لن تتكبد ثمن كبحها لمعلومات حيوية عام 2020، في إشارة إلى منعها نشر الحقائق حينها، وهو ما ساعد بايدن الأب في الوصول إلى البيت الأبيض.

وحسب الصحيفة الأمريكية، احتوى الكمبيوتر المحمول لهانتر، على رسائل البريد الإلكتروني المتعلقة بأنشطته التجارية مع العديد من الشركات، بما في ذلك «Burisma»، وهي شركة طاقة أوكرانية كان عضواً في مجلس إدارتها.

واستخدم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، المعلومات التي حصل عليها من ذاكرة التخزين للكمبيوتر، بعد تسريبها خلال الحملة الانتخابية لعام 2020، وأصر الجمهوريون على أن ذلك أثبت أن بايدن، حينما كان نائباً للرئيس، رسم السياسة الخارجية الأميركية في أوكرانيا لصالح ابنه.

ولا يزال نجل الرئيس الأمريكي قيد التحقيق من وزارة العدل، التي تحقق بإخفاقه في دفع الضرائب، ومن المرجح أن يكون الاعتراف محرجًا لبايدن، الذي يشرف على وزارة العدل، ولم يكن هناك ما يشير إلى توسيع التحقيق ليشمل الرئيس.

من جانبه، هاجم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب صحيفة نيويورك تايمز، بعدما أقر تقرير لها بصحة جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بهانتر، وصحة محتوياته، وقال في بيان: "نيويورك تايمز اعترفت بأنها شاركت في محاولة لتزوير الانتخابات لصالح جو بايدن".

 

إعادة الانتخابات

وتعليقًا على تأثير فضائح هانتر في نتيجة الانتخابات الرئاسية لو كُشف عنها وقتها، أشارت "وول ستريت جورنال" إلى أنه في أي انتخابات يقترب التصويت فيها، يمكن لجزء بسيط من إجمالي الأصوات الموزعة في الأماكن الصحيحة تغيير النتيجة، لكن لا يمكننا أبدًا التأكد من التأثير الذي يمكن أن تحدثه القصص الإخبارية المتأخرة، في إشارة إلى أن الإعلان حاليًا لن يضر بنتائج الانتخابات.

واستشهدت بما حدث قبل ساعات من إعلان نتيجة انتخابات عام 2000، مشيرة إلى أنه إذا لم يتعلق الأمر بتقرير جيد التوقيت بشكل مريب، عن اعتقال سابق لـجورج دبليو بوش، لقيادته السيارة تحت تأثير الخمر، فربما لم يكن بوش بحاجة إلى 35 يومًا لكي تصدر المحكمة العليا حكمها لتسليمه البيت الأبيض.

وأضاف جيرارد بيكر، مؤكدًا وجهة نظره بتأثير الأزمات التي تسبق أي انتخابات في الرأي العام: "يُقال إن هارولد ويلسون، رئيس وزراء البريطاني عن حزب العمال عام 1970، ادعى بعد ذلك أن هزيمة إنجلترا المفاجئة أمام ألمانيا الغربية، في ربع نهائي كأس العالم لكرة القدم في ذلك العام، تسببت في تعكير المزاج العام للشعب الإنجليزي، لدرجة أن ذلك أدى إلى إبعاده المفاجئ عن 10 داونينغ ستريت في الانتخابات العامة بعد أيام".

وأمام ذلك، يستطرد الكاتب البريطاني: "لن نعرف تأثير مفاجأة أكتوبر لعام 2020، بشأن تقرير نيويورك بوست عن اكتشاف جهاز كمبيوتر محمول خاص بهانتر بايدن، يحتوي على رسائل البريد الإلكتروني المحرجة، الأمر الذي كان من الممكن أن يكون له تأثير كبير في الانتخابات في ذلك العام، إذا تمت إعادة نشرها وانتشارها بشكل أكبر مما حدث"، مشيرًا إلى أنه رغم سيطرة أخبار كورونا على الحملات التي سبقت انتخابات 2020، فإن (أخبار هانتر) قد تكون من أبرز عواصف الأخبار التي كان يتعرض لها الناخبون حينها.

 

بيع العلاقات

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن ما سمتها الادعاءات الواردة في التقرير، بأن بايدن يبيع صلاته السياسية العائلية رفيعة المستوى للأجانب، كانت تستحق المتابعة حينها، لإمكانية تأثيرها في نتيجة الانتخابات، موضحة أن عددًا كبيرًا من المؤثرين في الحكومة وخارجها (في مجمع استخبارات السياسة الخارجية، وفي وسائل الإعلام، وفي شركات التكنولوجيا الكبرى)، كانوا قلقين من أي تسريب قد يحدث، لدرجة أنهم -حتى لا تتأثر نتيجة الانتخابات بهذه الفضائح- استخدموا واحدة من أعظم الحيل على طريقة الساحر الأمريكي السابق هاري هوديني -الذي اشتهر بالخدع الخفية- بمحو آثار الفضيحة طوال أيام الانتخابات حتى الآن.

وبيّن الكاتب جيرارد بيكر، أن الأمر استغرق وقتًا طويلاً، لكن الأسبوع الماضي تراجعت صحيفة نيويورك تايمز عن إخفاء المزيد من المعلومات، واعترفت بدقة القصة، ضمن تقرير عن المشكلات القانونية المتزايدة التي يواجهها هانتر بايدن.

وتعليقًا على ذلك، رأى الكاتب أن "نيويورك تايمز" تجاهلت -مع معظم المؤسسات الإخبارية واسعة الانتشار- القصة في الأيام التي كان من الممكن أن تحدث فرقًا فيها -في إشارة إلى أيام الانتخابات الرئاسية- لكنها خرجت الآن لتقول إنها "صدقت" على محتويات الكمبيوتر المحمول.

ويضيف ساخرًا: "عادة، عندما يكون هناك شك في مصدر القصة المتفجرة، ترى المؤسسات الإخبارية أن مهمتها التأكد من الحقيقة، لكن لا يمكن أن يستغرق ذلك نحو 17 شهرًا".

 

تواطؤ إعلامي

ورأت "وول ستريت جورنال" أن وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا، التي تواطأت في إخفاء هذه المعلومات التي يحتمل أن تكون حاسمة -إبان انتخابات الرئاسة- لم تكن بحاجة إلى أي عذر للقيام بذلك، لكن من المؤكد أنها ساعدت في منحهم التصديق على أفعالهم لتشويه سمعة القصة، حتى لا تؤثر في دوافع الناخبين، وهو ما حدث.

وبينّت أنه في تلك الرسالة الشهيرة -التي زعمت أن تسريبات هانتر مجرد حملة تضليل روسية- صقل أكثر من 50 مسؤولًا سابقًا في الأمن القومي والاستخبارات أوراق اعتمادهم اللامعة، وزعموا أن صحيفة نيويورك بوست كانت مذنبة بنشر قصة تحتوي على "الخصائص الكلاسيكية لعملية إعلامية روسية".

وأشارت إلى أنه عندما نُشرت ملفات من الكمبيوتر المحمول قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2020، شككت صحيفة نيويورك بوست في مصدرها، وربطتها بالمعلومات المضللة الروسية، ولم تبذل أي محاولة للحصول عليها والتحقق منها، لكنها بالمقابل منعت معلومات قيمة، كانت من الممكن أن تغير سير نتيجة الانتخابات الماضية.

وحسب الكاتب البريطاني، أوضحت الرسالة أن السبب المنطقي لذلك أن القصة قد تكون مفيدة لدونالد ترامب، إذ تم تحويل الأمر باتجاه أن روسيا تريد فوز ترامب.

ففي أكتوبر 2020، ذكرت صحيفة نيويورك بوست أن القرص الصلب للكمبيوتر المحمول، يحتوي على ذاكرة تخزين مؤقت لرسائل البريد الإلكتروني والنصوص والصور والوثائق بين هانتر بايدن وعائلته وشركائه في العمل، إذ توضح المراسلات كيف استخدم هانتر منصب نائب الرئيس كرافعة في التعاملات التجارية الخارجية.

لكن موقعي فيسبوك وتوتير منعا المستخدمين من مشاركة تقرير القنبلة الأصلي، بينما ادعى الديمقراطيون أن الكمبيوتر المحمول يمكن أن يكون جزءًا من حملة تضليل روسية.

ويعلق الكاتب جيرارد بيكر على ذلك ساخرًا: "هذا قياس منطقي... بالمنطق نفسه قد تستنتج أن روسيا كانت مسؤولة أيضًا عن أي بيانات اقتصادية جيدة بشكل غير متوقع ساعدت الرئيس الحالي، أو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان وراء الجريمة التي اجتاحت المدن التي يديرها الديمقراطيون".

ويضيف: "الآن يمكننا أن نخمن لماذا كان الكثير من المعلومات الاستخباراتية الأمريكية خاطئة كل هذه السنوات، إما أن 50 أو نحو ذلك من أشهر عملاء المخابرات الدولية غير قادرين على التمييز بين المعلومات المضللة الروسية والمعلومات الحقيقية، أو أنهم شاركوا عن عمد في عمل مكشوف من الاختراق السياسي"، مستطردًا: "ليست لديّ خبرتهم ولا مهاراتهم الاستنتاجية، لكنني على استعداد للذهاب مع الطرح الأخير".

وقال بيكر: "العار الأكبر هو الافتقار إلى المساءلة عبر المؤسسات الأمريكية"، متسائلًا: كيف لم ينزعج أي شخص تواطأ في هذه المؤامرة من طمس الحقيقة عن الرأي العام، مشددًا على أن الطريقة الوحيدة التي من المفترض أن تعمل بها المساءلة الحقيقية في الديمقراطية هي صناديق الاقتراع، لكن كيف يمكن أن ينجح ذلك، عندما يقرر الذين نريد محاسبتهم ما هي المعلومات التي يُسمح للناخبين برؤيتها؟.

تورط هانتر

وأظهر استطلاع للرأي أن 66% من الأمريكيين يعتبرون أن الكمبيوتر الخاص بهانتر بايدن "قصة مهمة" وأن والده الرئيس جو بايدن قد يكون متورطا شخصيا بطريقة ما في تعاملات نجله التجارية.

وكشف استطلاع للرأي لمنظمة "راسموسن ريبورتس" (Rasmussen Reports) شمل 1000 ناخب أمريكي أن 66% يعتقدون أن قصة الكمبيوتر المحمول مهمة، على الرغم من أن العديد من وسائل الإعلام قللت من صحة التقارير الأولية التي تدعي أن الجهاز يخص هانتر بايدن.

وقال 15% فقط من المستطلعين أن القصة "ليست مهمة على الإطلاق" و16% قالوا إنهم ليسوا "مهمتمين بذلك بالمطلق".