ناشيونال إنترست: العقوبات لن تسقط بوتين لكنها ستعاقب العالم
صحيح أن الغرب ليس ملزماً بدفع تعويضات إلى الجنوب العالمي، ولا حتى إجهاد موارده لمساعدته، لكنه ملزم بعدم إلحاق الضرر بهم، إلا أن عجرفة الولايات المتحدة دفعتها إلى خرق تلك القاعدة

ترجمات-السياق
سلَّطت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، الضوء على تأثير العقوبات الغربية في روسيا، وقالت إن هناك نقاشًا حادًا لإمكانية التوصل لتسوية سياسية لحرب أوكرانيا، في غضون شهر إلى أربعة أشهر، وإنه سيمكن للعالم -بعد ذلك- نسيان أمر أوكرانيا برمته.
ورأت المجلة، في تقرير، أن هذه النتيجة غير مرجحة إلى حد كبير، قائلة إنها حتى غير قابلة للتصديق على الإطلاق.
وحذرت المجلة من أنه في حال صدق رؤيتها، فإن عدم القدرة على التوصل إلى تفاهمات، ستكون له آثار بعيدة المدى، وكلها قاتمة، على الاقتصاد العالمي.
تسوية سياسية
وقالت المجلة الأمريكية: لن تكون هناك تسوية سياسية، لا يعني أنه لن تكون هناك أي اتفاقيات تفاوضية من أي نوع، لكن هذه الأشياء، من الهدنة إلى ممرات إجلاء المدنيين إلى فترات التوقف العسكرية، واتفاقيات وقف إطلاق النار في أجزاء مختارة من ساحة المعركة، لن ترقى إلى مستوى تسوية سياسية.
وأضافت المجلة: الغرب لن يقبل بنتيجة يُرى فيها أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد ربح من استخدام القوة، بل يريد الغرب إظهار فشله بوضوح، كما أنه يعمل على تجهيز الاتهامات التي ستوجَّه إليه بارتكاب جرائم حرب.
وقالت المجلة: "يمكن القول إن بوتين سينجح في تقوية أوكرانيا، وإن الأخيرة ستوافق على اتفاق يتضمن شروطًا يقبلها الرئيس الروسي، لكن هذه الصفقة لن تشكل تسوية سلمية، لأن كييف لا تتكون من صانع قرار واحد على رأس حكومة موحدة، بل مجموعات من الذين سيتبنون وجهات نظر مختلفة بشأن هذه المسألة، وقد يرغب بعضهم في سلام تفاوضي، بينما يرغب الآخرون في القتال، ويكاد يكون من المؤكد أن الولايات المتحدة ستستمر في حشد مواردها نيابة عن المجموعة الأخيرة، حتى لو انقسم الأوكرانيون أنفسهم أو الدول الغربية الأخرى بشأن هذه النقطة، كما أنه لا يمكن لبوتين أن يحتل أوكرانيا، لأنه ليس لديه القوة الكافية لذلك، ولذا فإنه في مرحلة ما، سيكون هناك شيء يشبه الخط الفاصل بين الشرق والغرب".
سقوط بوتين
وأوضحت المجلة أن أهداف الحرب الاقتصادية الشاملة ضد روسيا، تشير إلى أن إنهاء العقوبات سيأتي فقط مع سقوط بوتين وانهيار روسيا، ومع ذلك، فإن توقع سقوط الرئيس الروسي أو موسكو أمر مُبالَغ فيه، بالنظر إلى الدول التي ستتعرض للضغط بسبب ذلك، ففي حين أنه من الممكن إلحاق ألم هائل بالروس، إلا أن هناك مجموعة من الشعوب الأخرى التي ستعاني أكثر منهم.
ووفقاً للمجلة، إذا كانت الحرب الاقتصادية قصيرة المدى، فقد يكون من الممكن السيطرة على عواقبها الاقتصادية والمالية، أما على المدى الطويل، فإن العالم سيشهد إعادة تنظيم للاقتصاد السياسي الدولي، لحدوث تحول هائل من العولمة إلى مبدأ تجاري جديد، إذ إنه لا يمكن للصين الهروب من زوبعة هذه العقوبات، حيث وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريقه، بممارسة ضغوط شديدة على بكين، في حال عدم انفصالها عن موسكو، الأمر الذي من غير المرجح أن يحدث.
وقد علم الاقتصاديون -على مدى جيل كامل- أن العولمة كانت مصدراً عظيماً للثروة، وأن النظام النيوليبرالي ولّد ثروة كبيرة، وإن كان ذلك بشكل غير متساوٍ وغير عادل بالنسبة لكثيرين، ولذا فإن العالم بحاجة إلى الاعتراف، ليس بأن إنهاء العولمة قوة مدمرة للثروة فحسب، ولكن أيضاً بأن الأمر سيمثل عبئًا كبيراً على عاتق أولئك الذين كانوا أقل مشاركة في فوائدها، بحسب المجلة.
خسائر الحرب
وقالت المجلة: "منذ عام 1945، كانت الأغلبية العظمى من الصراعات، التي بلغ عددها نحو 260، داخلية، رغم أنه في كثير من هذه الحالات جُلبت قوات خارجية، صحيح أننا لا نعرف الخسائر النهائية لحرب بوتين الحالية، لكن، في أي من هذه الحالات، لم يجنَّد العالم كله لإجبار أحد الأطراف على الهزيمة، كما لم يكن رد الولايات المتحدة -في أي من هذه الصراعات- مجموعة من التدابير الاقتصادية التي ستكون لها هذه الآثار السلبية في الاقتصادين العالمي والمحلي".
وذكرت المجلة أن الزمن تغير بشكل واضح، إذ إن قضية أوكرانيا لم تعد متفوقة -من حيث الأهمية- على النزاعات العسكرية الأخرى في العالم فحسب، بل إنها تتفوق أيضاً على أي مشروع آخر للميلورية العالمية قدَّمته مراكز الفكر على مدى عقدين من الزمن.
ويبدو أنه سيجب على العالم الانتظار حتى سقوط بوتين، للتعامل مع انعدام الأمن الغذائي، فهذه رسالة الطبقة السياسية والعقوبات الاقتصادية، صحيح أن الحكومات الغربية لا تقول إنها تعمل على تعزيز انعدام الأمن الغذائي، لكنها تفعل ذلك، والسؤال الآن ليس ما إذا كانت هذه المشكلة ستسوء، لكن إلى أي مدى ستسوء؟ حسب المجلة.
أساليب متطرفة
رأت "ناشيونال إنترست" أنه في حال عدم وجود تعاون منهجي في القضايا الرئيسة، بين الولايات المتحدة والصين، لن يكون هناك تعاون عالمي على الإطلاق، وحينها سيعقد الغرب اتفاقيات مع نفسه، وهو الطريق الذي يبدو أنه يسير فيه.
وتابعت: "لقد اتخذ الغرب قرار استخدام أساليب متطرفة للحرب الاقتصادية، من أجل قضية غربية قبل كل شيء، فحقوق ومصالح سبعة أثمان البشرية لم تؤخذ في الاعتبار، إذ يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا ونيوزيلندا 959 مليون نسمة، أي 12% فقط من سكان العالم البالغ عددهم 7.9 مليار نسمة".
وتساءلت المجلة: "بأي حق تقرر هذه الدول مصائر الآخرين؟ الغرب يقول إنه ملتزم بتقرير المصير القومي، وحرية الشعوب، فلماذا يضحي بسهولة بقدرته على النضال؟".
وأضافت المجلة: هناك مليارات الأشخاص -من كل الفئات- تحولوا من سكان معدمين إلى الفقر المدقع، بسبب العقوبات الاقتصادية، ورأت أن من حق هؤلاء أن يتوقعوا ألا يتجاهل الغرب وجهة نظرهم.
وأضافت: "صحيح أن الغرب ليس ملزماً بدفع تعويضات لجنوب الكرة الأرضية، ولا حتى إجهاد موارده لمساعدة سكان هذه المنطقة، لكنه ملزم بعدم إلحاق الضرر بهم، ويبدو أن عجرفة الولايات المتحدة دفعتها لخرق تلك القاعدة، فكيف يمكن لهذا الشعور بالتعالي، أن يجعل الولايات المتحدة والغرب يكسبون ولاء الشعوب على المدى الطويل؟".