غزو روسيا لأوكرانيا... سيغير وجه أوروبا للأبد

الآن أيضًا... لم نستيقظ إلا بعد فوات الأوان على آثار استيلاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شبه جزيرة القرم عام 2014، وها نحن نقف مكتوفي الأيدي، مرة أخرى حينما اجتاح أوكرانيا، حتى نرى أنفسنا على أبواب حرب عالمية ثالثة

غزو روسيا لأوكرانيا... سيغير وجه أوروبا للأبد

ترجمات - السياق

"لماذا نرتكب الخطأ نفسه؟"... حذر المؤرخ البريطاني تيموثي غارتون آش أستاذ الدراسات الأوروبية في جامعة أكسفورد، القادة الأوروبيين، من تكرار سيناريو الأحداث التي سبقت الحربين العالميتين الأولى والثانية، ثم الحرب الباردة، في أوكرانيا.

وقال في تحليل لصحيفة غارديان البريطانية، إن أوروبا وقفت "مكتوفة اليدين" أمام حادث الاغتيال في سراييفو، فكانت النتيجة الوصول إلى الحرب العالمية الأولى، ثم استمر الأمر بعد تهديد أدولف هتلر لتشيكوسلوفاكيا، فكانت النتيجة حربًا عالمية ثانية، وتكرر ذلك أيضًا بعد استيلاء جوزيف ستالين على بولندا، فانتهى الأمر بالحرب الباردة.

وأضاف: "الآن أيضًا... لم نستيقظ إلا بعد فوات الأوان على آثار استيلاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شبه جزيرة القرم عام 2014، وها نحن نقف مكتوفي الأيدي، مرة أخرى حينما اجتاح أوكرانيا، حتى نرى أنفسنا على أبواب حرب عالمية ثالثة".

وأشار غارتون آش، إلى أن تداعيات الهجوم الروسي على أوكرانيا، ستستغرق سنوات وربما عقودًا لتظهر بأكملها، وأنها ستغير في النهاية وجه أوروبا إلى الأبد.

 

أشد خطورة

ورغم أن المؤرخ البريطاني، أكد أن ما يحدث في أوكرانيا ليست الحرب العالمية الثالثة، إلا أنه عدَّه أكثر خطورة بكثير من الغزوات السوفييتية للمجر عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968.

وأوضح أن "الحروب الخمس في يوغسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي، كانت مروعة، إلا أن الأخطار الدولية الكبيرة التي نشأت عنها، لم تكن على النطاق الذي ستبلغه حرب روسيا على أوكرانيا اليوم"، مشيرًا إلى أنها قد تكون أكبر حرب في أوروبا، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945.

وأضاف: مع امتلاك روسيا 6.500 سلاح نووي، ابتعد بوتين بتهديداته هذا الأسبوع عن "مجال الحسابات العقلانية"، كما يفعل الدكتاتوريون المنعزلون، مشيرًا إلى أنه هدد أوروبا والغرب عمومًا بحرب نووية، عندما قال في إعلانه للحرب: "أي شخص يحاول الوقوف في طريقنا، سيواجه عواقب لم يواجهها من قبل في تاريخه".

وتابع: "ربما كان هناك وقت للتفكير في أخطائنا الماضية، إذا بدأنا، اعتبارًا من عام 2014، بجدية المساعدة في بناء قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، وخفض اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية، وفرضنا مزيدًا من العقوبات على نظام بوتين، لكن للأسف علينا أن نبدأ من حيث نحن الآن".

 

ضباب الحرب

وأمام ضبابية الحرب الجديدة في أوكرانيا، طلب المؤرخ البريطاني، من أوروبا والغرب عمومًا، 4 أشياء مهمة جدًا، لمواجهة روسيا.

أولًا: نحتاج لتأمين الدفاع عن كل شبر من أراضي حلف الناتو -لا سيما على حدوده الشرقية مع روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا- ضد الهجمات المحتملة، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية والهجينة، مشيرًا إلى أن التعهد الوارد في معاهدة الناتو -الذي ينص على مبدأ "الواحد للجميع، والجميع للواحد"- سيجد أخيرًا طريقه للتطبيق، وسيكون أمن لندن وبرلين وباريس مرتبطًا بشكل وثيق بأمن أي مدينة شرقي أوروبا.

ثانيًا: علينا تقديم الدعم الذي يستطيعه الغرب للأوكرانيين -لأن لهم كل الحقوق الممكنة بموجب القانون والضمير- من دون تجاوز الحد الذي يدفع الغرب إلى حرب مباشرة مع روسيا، ومن ذلك توفير الأسلحة والاتصالات وغيرهما من المعدات للمقاومة الأوكرانية، والاستعداد لمساعدة الذين سيهربون غربًا".

وأشار غارتون آش، إلى أنه على الغرب أن يفرض منطقة حظر طيران، ما يمنع الطائرات الروسية من المجال الجوي الأوكراني، مشيرًا إلى أن "الناتو" لن يفعل ذلك، كما حدث في التشيك عام 1938، وفي بولندا عام 1945، وفي المجر عام 1956، محذرًا من أن ذلك سيجعل الأوكرانيين يقولون: "رفاقنا الأوروبيون، تركونا وحدنا في مواجهة الروس".

وبالفعل كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اعتبر الجمعة، أن العقوبات المفروضة على روسيا "غير كافية"، وواصل لوم حلفاء بلاده قائلًا إن العالم يواصل مشاهدة ما يحدث في أوكرانيا من بعيد.

 

جدوى العقوبات

وعن جدوى العقوبات التي اتخذها الغرب تجاه روسيا، بعد قرار بوتين بغزو أوكرانيا، قال المؤرخ البريطاني: إن الأمر الثالث الذي على الغرب فعله، أن تتجاوز العقوبات الغربية، التي ستفرض على روسيا، ما تم إعداده، مثل طرد الروس المرتبطين بأي طريقة بنظام بوتين.

وشدد على أن بوتين استعد بصندوق حربه الذي يزيد على 600 مليار دولار ويده على صنبور الغاز إلى أوروبا، لذلك ستستغرق العقوبات وقتًا طويلًا حتى يكون لها تأثيرها.

وأضاف: "في النهاية، ربما يلتفت الروس أنفسهم ليقولوا: كفى، ليس باسمنا، خصوصًا عندما تبدأ جثث الشبان الروس العودة إلى أهاليهم في أكياس"، مشيرًا إلى أن الروس سيكونون أول وآخر ضحايا بوتين.

وأشار إلى أن كثيرين ممن سماهم أصحاب الضمير من الروس، رفضوا هذه الحرب، ومنهم: "دميتري موراتوف الحائز جائزة نوبل"، الذي أعرب عن رعبه الشديد من هذه الحرب، كما أن الصحفية الأوكرانية ناتاليا جومانيوك كتبت بشكل مؤثر عن صحفية روسية تبكي على الهاتف معها، أثناء دخول الدبابات الروسية.

وختم غارتون آش تحليله في غارديان بالقول: الكفاح ضد روسيا سيستغرق سنوات طويلة أو عقودًا، وعلى المدى القصير فإن أوكرانيا ستشهد فترة قاتمة للغاية، مضيفًا أن الغربيين نسوا -في سنوات أوهام ما بعد الحرب الباردة- أن دول أوروبا يجب أن تثبت نفسها على الخريطة الذهنية لأوروبا، بالدم والعرق والدموع.

واستطرد: "لقد استيقظ كل شخص في الغرب تقريبًا، على حقيقة أن أوكرانيا دولة أوروبية تتعرَّض للهجوم والتقسيم من قِبل ديكتاتور".