قوى خارجية أوصدت باب طرابلس أمام باشاغا.. لماذا أحجم رئيس حكومة ليبيا عن فضحها؟
رسائل من باشاغا للداخل والخارج.. مناورة سياسية أم تفتيش عن مخرج للأزمة؟

السياق (خاص)
على وقع حكومتين متنافستين على السلطة، تعيش ليبيا أزمة سياسية كَأْدَاء، تعرقل جهودها نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتي كان يعول عليها لإنهاء الأجسام السياسية الحالية.
فبينما منح البرلمان في مارس/آذار الماضي الثقة لحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، إلا أنها لم تر النور حتى اللحظة، وسط تعنت رئيس الحكومة منتهية الولاية عبدالحميد في تسليم السلطة، مما أوجد حالة من الازدواجية في السلطة انعكس صداها على البلد الإفريقي، خاصة أن لكل منهما قوى داخلية وخارجية تدعمها.
ورغم أن حكومة الدبيبة فاقدة الشرعية لانتهاء فترة ولايتها وفقًا لاتفاق جنيف الموقع في فبراير/شباط 2021، إلا أن هناك قوى خارجية مازالت تقف إلى جانبها، تمكنت من إفشال جهود فتحي باشاغا لدخول العاصمة طرابلس، وأوجدت أزمة تتعقد جهود حلها بمرور الأيام.
وعن تلك القوى الخارجية، قال رئيس حكومة الاستقرار فتحي باشاغا في تصريحات لوسائل إعلام ليبية، إن حكومته حاولت الدخول بطرق سلمية وجرى صدها من قبل مجموعات لم يسمها، مشيرًا إلى أنها توصلت إلى نتيجة مفادها أن الوقت غير مناسب لممارسة عملها من العاصمة طرابلس.
لماذا أحجم باشاغا عن فضحها؟
وفيما أحجم باشاغا عن كشف أسماء القوى الخارجية التي منعته من دخول العاصمة طرابلس، شن المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش هجومًا على رئيس حكومة الاستقرار، مشيرًا إلى أن «باشاغا مازال يلهث وراء رضا الأتراك عنه، حتى إنه لم يجرؤ على القول إن المسيرات التركية التى تتمركز في قاعدة معيتيقة في طرابلس وقاعدة الوطية بالقرب من الحدود التونسية هي من قصفت قوات حليفه أسامة الجويلي ومنعتها من الدخول الى طرابلس».
وأوضح المحلل الليبي في تصريحات لـ«السياق»، أن «إحجام باشاغا عن ذكر القوى الخارجية والاكتفاء بوصفها بالجهات الخارجية، يعود إلى محاولته البحث عن رضا تركيا، والتي تموضعت في العمق الليبي بمعرفته ومباركته عام 2019، حينما كان وزيرًا للداخلية في حكومة فايز السراج»، على حد قوله.
وأشار إلى أن «باشاغا لم يتحلّ بالشجاعة الكافية لفضح هذه الحقيقة، رغم ما نابه من إهانة بمنعه من دخول عاصمة بلاده الذي كان وزير داخليتها يوما ما».
علاقات طيبة
ورغم منعه من دخول طرابلس، إلا أن باشاغا، قال إن حكومته «تهدف لتقديم الخدمات للمواطنين من أي مكان ولكل مكان، ووقف انهيار الدولة وإصلاح البنية التحتية»، مشيرًا إلى أن لديه علاقات وصفها بـ«الطيبة مع مراكز القوى في طرابلس ومصراتة» وإن تحالفاته في الغرب الليبي «لم تقل بل زادت».
وفيما قال رئيس حكومة الاستقرار إن حكومته جرى إنتاجها لتكون حكومة ليبيا وتمارس مهامها من طرابلس، أشار إلى أن بدء الحكومة عملها في بنغازي وسرت لن يؤثر على عملها.
اتفاقية.. باطلة ولن ترى النور
وحول الاتفاقية التي وقعتها حكومة الدبيبة مع تركيا، قال باشاغا إن هذه المذكرة لا تمثل ليبيا ولن ترى النور، مشيرًا إلى أن حكومة الوحدة الوطنية ليس من حقها توقيع اتفاقات في ضوء انتهاء ولايتها وشرعيتها، معتبرًا أن مذكرة التفاهم الأخيرة مع تركيا تخالف المادة العاشرة من الاتفاق السياسي في جنيف.
وتنص الفقرة العاشرة من المادة السادسة لاتفاق جنيف الموقع في فبراير/شباط 2021 على: لا تنظر السلطة التنفيذية في أية اتفاقيات أو قرارات جديدة أو سابقة، بما يضر باستقرار العلاقات الخارجية للدولة الليبية، أو يلقي عليها التزامات طويلة الأمد.
باشاغا، قال إن مذكرة التفاهم التي وقعتها حكومة الوحدة الوطنية مع تركيا أعطت امتيازات وتأجير منطقة اقتصادية في البحر لدولة أخرى دون الاتفاق عليها من قبل الأطراف الليبية.
ووقعت وزارة الخارجية الليبية ونظيرتها التركية الأسبوع الماضي، في طرابلس اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية، بعد مرور 3 سنوات على إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية المثير للجدل والذي أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي ومصر حينها.
مخالفة للاتفاق
وحول تلك الاتفاقية، قال الدكتور عبد المنعم اليسير، عضو المؤتمر الوطني العام السابق، إنه لا يحق لحكومة الدبيبة عقد أي اتفاقيات إستراتيجية، ولا حتى مذكرات تفاهم مثل الذي وقعته مع تركيا، لأن الحكومات المؤقتة لا يجوز لها أن تعقد اتفاقيات على هذا المستوى، لأنها ذات طابع إستراتيجي.
وأوضح أن هذه الاتفاقيات لها طابع إستراتيجي، تتعامل مع أمور كبيرة مثل الغاز والحدود الإقليمية المائية وغيرها من هذه الأمور، وهذا شيء خطير، بالإضافة إلى أنَّ هذه الاتفاقية مخالفة لقوانين البحار الدولي.
وإلى باشاغا، الذي كشف عن حدود علاقته بالشرق الليبي، قائلا، إن علاقته برئيس مجلس النواب «أكثر من ممتازة»، مشيرًا إلى أن «علاقته بكل الداعمين لحكومته ومشروعها سواء في الشرق أو الغرب ممتازة».
أطماع تركية
وتعليقًا على ذلك، قال اليسير إنه بعد أن اتضح لباشاغا أن أردوغان له أطماع كبيرة في ليبيا، ذهب إلى المنطقة الشرقية ليمدّ يده لإخوانه الليبيين من أجل إنقاذ ليبيا من حكومة الدبيبة التي أتت لتنفيذ كل أوامر تركيا ولتثبيت نفسها بكل ما تستطيع.
وأشار اليسير إلى أنه عندما حاول باشاغا أن يناور سياسيًا مع تركيا، أوهمت أنقرة الجميع بأنها محايدة وليست مع أي جهة أو أخرى، إلى أن استقطبت وجعلت جويلي وباشاغا يحاولان الدخول إلى طرابلس، وفاجأتهم بالمسيرات وضربتهم وأخرجتهم من طرابلس وأعطتهم درسًا.
مناورة سياسية؟
وحول الهدف من تلك الرسائل وما إذا كانت مناورة سياسية، قال المحلل السياسي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن باشاغا حاول البحث عن مخرج للأزمة التي تزداد تعقيدًا يوما تلو الآخر.
وأوضح المحلل الليبي، أن باشاغا يريد اللعب بأوراقه كافة التي يملكها ولا سيما أنه دوما ما يصطدم بتحالفات الدبيبة التي سدت الطرق كافة التي حاول أن يسلكها فيما سبق.
وحول فرص نجاحه، قال الأوجلي، إن الأمر يعتمد على الصفقات التي سيعقدها والتنازلات التي يمكن أن يقدمها للوصول إلى توافق يرضي جميع الأطراف، إلا أنه قال إن المعطيات تقول إن المجتمع الدولي لا يريد دعم تحالف البرلمان وباشاغا للحفاظ على التوازن السياسي أو بمعنى أوضح الانقسام السياسي الحالي.
الفرق بين الدور التركي والأمريكي
وفيما اعتبر باشاغا تصريحات السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند حول عدم قدرة الحكومتين على إدارة ليبيا بأنها مناورة سياسية، وصف المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، قراءة باشاغا للمشهد السياسي الليبي بـ«الخاطئة والقاصرة».
وأوضح المحلل السياسي الليبي أنه لا يمكن فصل الموقف التركي عن موقفي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا؛ فالأول يتدخل مباشرة على الأرض لوجود عشرات الآلاف من المرتزقة السوريين ومئات من العسكريين الأتراك الذين يديرون العمليات العسكرية وخصوصًا وحدات الطيران المسير، وهذا الدور فعّال لكونه عسكريًا وتأثيره قوي على المعادلة العسكرية بين الأطراف الليبية.
أما الدور الأمريكي/البريطاني فهو سياسي بامتياز، فهو يعطي الضوء الأخضر للدور التركي عندما يكون ذلك في إطار الإستراتيجية الأمريكية البريطانية في استمرار الصراع ومفهوم الدولة الفاشلة ليسهل السيطرة على القرار الليبي داخليًا وخارجيًا، بحسب المرعاش.
وأشار إلى أن الدور الأمريكي والبريطاني ظل ضبابيًا في التعامل مع الحكومتين، مع الحفاظ على مبدأ الابتزاز، مؤكدًا أنهما فضلًا حكومة الدبيبة التي أثبتت أنه في سبيل الاحتفاظ بالسلطة يمكنه بيع ليبيا، على حد قوله.